فتح: قوارب المـوت والمذلة من غزة الانفاق ومن الإسكندرية الموت

رام الله - دنيا الوطن-  دينا جبر
بدأت العمل على هذا التحقيق في اليوم التالي لانتشار الاخبار المؤلمة عن كارثة الاغراق المتعمد للقارب المحمل بالفلسطينيين من غزة وسوريا اضافة الى جنسيات اخرى يوم السادس من ايلول 2014. اكتب عن طريق الرحلة منذ البداية، خلاف كل التقارير التي كتبت عن طريقة نهاية الرحلة، وابدأ بإحصائيات الهجرة التي  قدمتها لي اللجنة الدولية للصليب الاحمر – ايطاليا عبر المتحدث الرسمي للصليب الاحمر الايطالي السيدة لاورا باستيانيتو، فقد هاجر من غزة الى ايطاليا خلال فترة العدوان الاسرائيلي الاخير وما سبقه بأشهر قليلة ثلاثة الاف فلسطيني من بين ثلاثة عشر الف فلسطيني غادروا غزة الى اوروبا عن طريق عصابات التهريب[1]، فيما تقدم 25 الف اخرون بطلبات للهجرة لمكتب الشنغن. حملت رحلة الموت الى ايطاليا على متن قاربها 350، فلسطيني من غزة من اصل 500 راكب أي اكثر من النصف وذلك وفق افادات الناجين في كل من مالطا وايطاليا واليونان، ومن بينهم شكري العسولي الذي فقد زوجته وابنه وابنته في الرحلة، وقد حدثته شخصيا يوم الاثنين 22 ايلول 2014. 

فيما يشرح شاهد عيان والذي حدثته بالهاتف يوم الثلاثاء 23 أيلول 2014 أن نقطة البداية من غزة، التسجيل لهذه الرحلات يتم في مكاتب معدة خصيصا للتهريب والهجرة  في مخازن تعرف بالحواصل توجد بها طاولة يجلس خلفها رجلان او ثلاثة مسؤولان عن التسجيل، يصطف امام الحواصل الناس في صف طويل، أمام اعين ومرأى الجميع دون ان يأبه لهم احد، سكوت مقصود في منطقة يشكل الهاجس الامني فيها الاولوية كما وصفه شاهد العيان  الذي رفض الكشف عن هويته لأسباب امنية2014. ويكمل شاهد العيان ذاته يدفع المصطفين رسوم عبور النفق البالغة 400 دولارا وثمن الفيزا المزورة على جواز السفر، لإتمام تسجيلهم لدى ملاك الانفاق، وهؤلاء الركاب هم الغالبية العظمي لقارب الموت والذين وصلوا رفح المصرية عبر نفقين في جنوب قطاع غزة تحديدا في رفح وهما نفق الشاعر، ونفق برهوم الذي تعود ملكيته لفوزي برهوم، وطوله 2 كم، ويعبره المسافرين زحفا وهو النفق الذي توافرت حوله معلومات اكثر لكثرة مرتاديه، الذين وافق اقاربهم على الافادة بهذه المعلومات، ليكملوا طريقهم الى الاسكندرية بتكلفة تبلغ 800 دولار، اضافة الى ما دفعه الركاب من رشاوي دون تحديد الحد الاعلى لها، ووصل البعض  القليل من ركاب رحلة الموت عبر معبر رفح بشكل نظامي قبل ما يقارب اسبوع من تاريخ رحلة القارب، ويعتبرون المحظوظين لامتلاكهم تحويلة طبية بهدف العلاج في مصر تبعد عنهم عناء الزحف في الانفاق المذكورة، والذين أيضا تسمح مصر بمرورهم عبر المعبر للعلاج على اراضيها او المرور منها، حيث ان معبر رفح مغلق منذ استلام الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم في مصر، ولكن تم فتحه بشكل استثنائي للجرحى اثناء العدوان الاسرائيلي الاخير على قطاع غزة[2].

قام مهرب في غزة بترتيب إجراءات تهريب ضحايا الحادث الاخير من غزة بمبلغ 4000 دولار امريكي وفقا لما افاد به الناجين من الرحلة للشخص الواحد كمبلغ الرحلة الاجمالي والذي دفع دفعة واحدة في احد الحواصل في خانيونس، وتشمل رسوم التزوير لتأشيرة الفيزا والختم على الجوازات والعبور في الانفاق صعودا على القارب المعد للأبحار بالمهاجرين، ووعدهم المهرب بوصولهم الى اوروبا بطريقة مريحة وسفن آمنة مؤكداً ان عائلته تستعمل ذات السفن لتنقلهم الى أوروبا، وهذه تمثل التكلفة للمهاجر المنطلق من غزة. تمت مغادرة معظمهم من غزة اذن وخلال فترة الهدنة في الحرب، وعبر نفق بطول 2 كيلومتر حتى وصولهم الى رفح المصرية حيث تم نقل الغزيين الى العريش، وهناك تعرضوا للسرقة والمعاملة السيئة من قبل البدو، حيث افاد الناجين بسرقة مبالغ تصل الى 300 دولار و400 دولار من الفرد الواحد أي ما كان يحمله المهاجرين من اموال، وهو مبلغ قليل لمعرفتهم المسبقة بتعرض الكثيرين للسرقة على يد البدو، ومن ثم تم نقلهم الى الإسكندرية في حافلات صغيرة متفرقين. مكثوا ثلاثة ايام في الإسكندرية مع مجموعة كبيرة من الأخوة من غزة وسوريا ومصر في بيوت منفصلة، بعد ذلك تم نقلهم الى قارب صيد نحو وجهتهم المفترضة الاخيرة ايطاليا.

وبالاستناد الى المزيد من الإفادات، فإن المهرب الفلسطيني يعمل مع مهرب يدعى ابو حمادة، سوري الجنسية ومساعده المعروف باسم يحيى المقيمين في مصر وبالإسكندرية تحديدا، مسؤول شبكات التهريب في سوريا وغزة ولديه اتصالات مع رفح وخانيونس، والذي يتوافر رقم هاتفه الشخصي على بعض مواقع الانترنت الخاصة بالهجرة والولوج اليه سهل، كما ذكر شكري العسولي، الذي قال بأن ابو حمادة جاء اليه شخصيا في الشقة التي اقام بها مع اثنين من رفاقه الذين قضوا بالحادث ليستلم منه مبلغ الفي دولار كثمن القارب، وتمثل التكلفة لمن قدم الى مصر عبر معبر رفح وسعى الى المهربين في مصر بنفسه دون أي وساطة لأي مكتب في غزة. للحادث روايتان ويبدو غريبا الفارق بينهما الاولى بأن المدعوة أم سليم مصرية الجنسية هي من اغرقت المركب بمن فيه لرفضهم الانتقال الى مركب اخر متهالك يعود لها ومصدر هذه المعلومة الصحفية اسماء المدهون من غزة والشيخ رائد العطل عبر صفحته على الفيس بوك، وثانيها يتناقلها الناجون بأن القارب الذي اغرقهم كتب عليه الحاج رزق-دمياط، وكان على متنه ما يقارب العشرة ركاب يتحدثون المصرية، صدموا القارب ثلاث مرات بشكل متعمد ولم يغادروا حتى التأكد من غرقه.
ابو حمادة

واجهت صعوبة في تحصيل الافادات من غزة حول كيفية اتصالهم بالمهرب الفلسطيني في غزة اذ ان لا أحد يجرؤ على التحدث بموضوع قارب الموت، برغم محاولات الاقناع الحثيثة والاتصالات بالأهل في غزة، فالجميع كان يتوقف عند سؤال "كيف طلعوا من غزة؟" منهيا بذلك المحادثة عند هذا السؤال دون اجابة. على اختلاف الشخوص وانتماءاتها، ووضعها سواء اكان لهم اقارب على القارب المشؤوم ام لا، ان كانوا من فتح او حماس أو غير منظمين سياسيا رفض الجميع الاجابة عن السؤال، الا قلة بعدد اصابع اليد الواحدة، عدا عن كون الكثير ممن تم سؤالهم يفكرون بالهجرة بأية طريقة ولا يريدون افساد الامر ولهذا امتنعوا عن تزويدي بكافة التفاصيل.

ساهمت المساجد في غزة وخطابها الديني في تشجيع الهجرة قبل حادث قارب ايطاليا وخاصة مساجد جنوب القطاع كما أفاد المواطنين في غزة والذين تحدثت معهم عبر الهاتف، ومثاله ما كتبه وليد العوض عضو حزب الشعب في غزة على صفحته على الفيس بوك،

التعليقات