مهرجان لـ الديمقراطية تأبيناً للراحل الكبير هشام أبو غوش في مخيم جرمانا بسوريا

مهرجان لـ الديمقراطية تأبيناً للراحل الكبير هشام أبو غوش في مخيم جرمانا بسوريا
صورة من الارشيف
رام الله - دنيا الوطن
في مهرجان للجبهة الديمقراطية بمخيم جرمانا

تأبيناً للراحل الكبير هشام أبو غوش عضو مكتبها السياسي

 كلمة فهد سليمان نائب الأمين العام

«في حضرة الشهادة نلتقي هاهنا، حيث الشهادة ملح الأرض؛

في حضرة الشهادة، نلتقي اليوم، لإحياء ذكرى قائد بارز من قادة العمل الوطني الفلسطيني؛

قائد مؤسس في القيادة التاريخية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.

وإذا كان من طبيعة الأمور، في المناسبة التي تجمعنا اليوم، أن نتكلم عن هشام أبو غوش، لابد – إبتداءً – من استئذانه؛

فمن بين الصفات التي إتسم بها فقيدنا الحبيب، ميزة التواضع ونكران الذات والتماهي مع الجماعة ونسب الإنجاز إليها؛

أما نحن، فمن جهتنا لن نستأذنه، فهو لم يستأذنا بالإنصراف، لكننا نستميحه عذراً، إذا ما حاولنا – بكلمات قليلة –

أن نفيه بعض الحق تعبيراً عن بعض الوفاء؛

فغائبنا الكبير كان بليغاً باختصار الخطاب المعلن، ساطعاً بتجنب الأضواء،

مؤمناً بأن العمل الجيّد، إنما يعبّر عن نفسه بنفسه،

باعتباره ملكاً للمناضلات والمناضلين الساعين في رحاب القضية الوطنية.

إبن عمواس الرابضة على كتف القدس، التي فيها ولد وإلى جوارها عاد بعد رحلة عوليس فلسطين؛

إبن عمواس الذي أفنى العمر مكافحاً من أجل القدس بأقصاها وقيامتها، من أجل العودة وتقرير المصير،

من أجل الدولة واستعادة الوطن السليب؛

ها هو الأن يرقد بسلام، راضياً مرضياً، بعد أن ووري ثرى البيرة – رام الله، اسوة بشهيد فلسطين الأكبر ياسر عرفات،

في النقطة الأقرب إلى عمواس اللطرون، عمواس القدس، عمواس فلسطين.

عرفته مخيمات الشتات، وفي سوريا بخاصة، منافحاً مثابراً عن قضايا الشعب والثورة في جميع المحطات الصعبة التي إجتازتها

منظمة التحرير، ومدافعاً عنيداً عن وحدتها كلما إقتضى الأمر.

وما أن لاحت أمامه فرصة الدخول إلى فلسطين، حتى إندفع نحوها بالعاطفة المشبوبة والعقل الراجح، مطمئناً أن ما ساهم

– من موقعه – ببنائه في الشتات الفلسطيني بات بأيدٍ مقتدرة؛

فهو كان على مفترق مقدمات إستحقاق إنتفاضة الإستقلال التي من أقصى القدس إندلعت شرارتها؛

ثم كان على موعد مع مواجهة الإحتلال الغاشم وحملته على الإنتفاضة بمسمى «السور الواقي»؛

وبعدها كان على موعد مع إعادة البناء بعد إنقشاع غبار المعركة تحضيراً للجولات المتوالية فصولاً، وآخرها عدوان «الجرف الصامد»

على القطاع، الذي شكلت إستباحة الضفة والقدس على مدى ثلاثة أسابيع مقدمته الدموية.

لم تنقضِ عقود النضال المتواصل بالجهد اليومي المثابر، الدؤوب.. لم تمضٍ دون أن تترك آثارها الغائرة على الجسد،

وإن صقلت الوعي، فمناعة الجسد طالما تحركت باتجاه مخالف لقوة الإرادة ومَنَعتْها؛

وكلما كان الخبيث يتمدد في الجسد، جسد فقيدنا الحبيب، كانت إرادته تتفولذ وعزيمته تشتد، في البذل والعطاء حتى الرمق الأخير،

بهدوء وصمت يعكسان سمو الروح وعمق الإيمان بقضية الشعب والوطن.

هكذا رحل عنا هشام أبو غوش.. لم يخلِّف وصية، ولم يوصِ أحداً أو بأحد، بل ترك بناءً وبنّائين عملوا معه وتعلموا منه؛

هؤلاء سيغذون الخطى بنفس التصميم، في ظرف سياسي بالغ التعقيد يطرح جملة من التحديات،

تحديات يتوجب على الحركة الفلسطينية رفعها دونما تردد:

■ أولى هذه التحديات يتمثل بكيفية التقدم نحو إستعادة الوحدة الداخلية بعد أن تبدَّت النتائج الكارثية للإنقسام

في أكثر من محطة فاصلة، آخرها عدوان «الجرف الصامد» على القطاع.

أثناء هذا العدوان، الذي لم يستثنِ الضفة والقدس وإن تركز على القطاع، ظهرت المفارقة الصارخة بين الوحدة في الميدان

حيث تدور المواجهة، والفِرقة في القرار حيث تُرسم السياسة.

حالة الانقسام هذه لم تُفلح خطوات على غرار تشكيل الوفد الموحد للمفاوضات، وقبلها الحكومة المنبثقة عن إتفاق الشاطيء،

وتنحي حكومة حماس.. لم تفلح في وضع الحالة الفلسطينية على سكة إستعادة الوحدة،

لأن هذه الخطوات – على إيجابيتها – أتت جزئية ومحدودة، وحاذرت المساس بالبنية الحامية لمركز القرار السياسي

على مستوى القطبية الثنائية المتنابذة.

إن ما نواجهه حالياً يقتضي المعاجلة لدعوة الهيئة الوطنية العليا التي تضم جميع القوى ممثلة بقمة الهرم إلى إجتماع فوري

لبحث الأوضاع، باعتبارها – أي الهيئة - المعنية بتقديم الإجابات الوافية على السؤال الملح بشقيه:

ماذا بعد العدوان على غزة؟ وماذا بعد فشل العملية السياسية بالرعاية الأمريكية المنفردة؟

■ ثاني هذه التحديات يتمثل بالقدرة على تشكيل الأدوات الرئيسية الفاعلة سياسياً وإدارياً على طريق إستعادة الوحدة الداخلية،

وحل المشكلات الداهمة من خلال ثلاث خطوات متلازمة:

·  تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية.

·  تشكيل قيادة وطنية موحدة في قطاع غزة تأخذ على عاتقها، ومن موقعها، إنجاح خطة إسقاط الحصار

وإعادة إعمار ما دمره العدوان.

·  تشكيل خلية أزمة في إطار اللجنة التنفيذية لمتابعة أوضاع شعبنا في سوريا لجهة توفير الحد الأدنى من متطلبات الصمود

وإحتواء نزيف الهجرة التي باتت تنذر بالتحول إلى ظاهرة إجتماعية تهدد تماسك البنية والدور الوطني.

■ أما التحدي الثالث، وعلى خلفية إنسداد سُبل الحل السياسي بالرعاية المنفردة لواشنطن،

فيتمثل باتباع إستراتيجية تبني على عضوية فلسطين المراقبة في الأمم المتحدة من أجل إكتساب

عضوية دولة فلسطين في المؤسسات والإتفاقيات الدولية، وبخاصة محكمة الجنايات الدولية،

وبما يفتح الأفق لهجوم سياسي دبلوماسي يحقق المزيد من خطوات نزع الشرعية عن الإحتلال وعزل الكيان.

■ ■ ■

وبمغزى هذه التحديات والإلتزام بما ينجم عنها من مهام،

نعاهد شعبنا على مواصلة الطريق حتى العودة والدولة بالقدس عاصمة..

هذا عهدنا لأسرانا الذين نجلّهم ونناضل حفاظاً على مكانتهم وحقوقهم إلى أن يعانقوا فضاء الحرية؛

هذا عهدنا لجرحانا، ولشهدائنا الذين سقطوا في العدوان الأخير؛

هذا وعدنا للقائد هشام أبو غوش الذي إرتقى شهيداً قبل أن يرى القدس محررة،

وعلم فلسطين يرفرف تحت سماء عمواس اللطرون، عمواس القدس، عمواس فلسطين.

نم قرير العين هانئاً في مثواك الأخير، أيها الرفيق والأخ والصديق، فمن غيرك ينطبق عليه القول المأثور: رب أخ لم تلده أمك،

                                                                                                

التعليقات