لماذا لا نعود للمفاوضات المباشرة مع اسرائيل ؟

لماذا لا نعود للمفاوضات المباشرة مع اسرائيل ؟
كتب غازي مرتجى
لا يُمكن وصف الحال الفلسطيني بكلمة جامعة واحدة , فالغزل المتبادل بين حماس ودحلان يتقاطع مع تلاسن حاد في المجلس الثوري بسبب مقربين من دحلان.. ولا يأبه مواطن بسيط ينتظر لجنة تقييم لانتشال منزله من بين الركام هذين المشهدين, وبين تلك المشاهد الثلاث وعشرات المشاهد المتضاربة تجد التصريحات اليومية والأخبار الآنية متشابهة ولم تتغير منذ انتهاء العدوان على غزة لتكتشف في النهاية اننا ندور في حلقة مفرغة وفي كل جولة نمّر على ذات المواقف دون تغيير ونعود للموقف صفر مرة أخرى لنبدأ من جديد .

حالة الانتظار والتلهّف التي شاهدها العالم أجمع في استقبال الحكومة الفلسطينية في غزة لن تستمر طويلاً , وستنقلب يوماً قد يكون قريباً الى حالة ملل ولا مبالاة ستعود بالسلب على أي خطط أو انفراجات مستقبلية , فالحال الفلسطيني الثابت على سوئه منذ فترة لا يُمكن السكوت عليه طويلاً .

في فترة الشهور التسعة التي فاوض فيها الفلسطينيون الجانب الاسرائيلي كانت هناك ضغوط أمريكية  وبعض التنازلات الاسرائيلية للمفاوض الفلسطيني -الذي فقد زمام المبادرة ولا يوجد بين يديه أي من أدوات الضغط والمبادلة مع اسرائيل- , فكانت المفاوضات تشكّل بوابة للحصول على انجازات آنية وحياتية ولو كانت "بسيطة" بدلاً من حالة الركود الحالي ودون تسجيل شيء يُذكر .

المفاوضات غير المباشرة المزمع عقدها بداية الاسبوع القادم في القاهرة لن تثمر عن شيء , قياساً بالجلسة الأخيرة قبيل عيد الأضحى والتي لم تستمر أكثر من ساعات اصابع اليد الواحدة تؤكد ان اسرائيل لن تُسجّل اي انجاز للوفد الفلسطيني الموحّد وستستمر بالمماطلة وبوضع العقبات التي لن تُمكّن المفاوض الفلسطيني من انتزاع اي انجاز ملموس . ولكم في معبر ايرز والتسهيلات التي حصلت عليها حكومة الوفاق آية .. فلم تُعط اسرائيل انجاز "العمال والقدس" للمفاوض في القاهرة وظهرت للعالم بأنها تقدّم التسهلات لسكان القطاع .

انطلاقاً من النوايا الاسرائيلية المبيتة , وبقراءة بسيطة لتعهدات المانحين المشروطة في مؤتمر القاهرة لاعادة اعمار غزة الأخير والذي فرض شروطاً على كل "دولار" يصل للقطاع أسهلها سيطرة حكومة التوافق على مفاصل الحكم في قطاع غزة وأصعبها نزع سلاح الفصائل . سنكتشف اننا أمام واقع صعب وعدوان اسرائيلي ناعم بطريقة جديدة ومختلفة عن سابقاتها .

كبير المفاوضين الفلسطينيين الدكتور صائب عريقات أصبح خبيراً في مكونات العقلية الاسرائيلية واستغرب عدم مشاركته بوفد المفاوضات مع اسرائيل حتى لو كانت غير مباشرة , مع عدم قناعتي بامكانية نجاح الوفد -أياً كان أعضاؤه- بتحقيق أي انجاز خلال تلك الجولة المرتقبة .

احاديث جانبية وتسريبات حتى اللحظة غير مؤكدة عن مفاوضات غير مباشرة بشكل غير منتظم ومحاولات من جهات مختلفة لعودة الوفدين الفلسطيني والاسرائيلي لطاولة المفاوضات , ولو قمنا بطرح هذا التساؤل على المطلعّين والمسؤولين لنفوا بشكل جازم ونهائي وكأنّ تلك المفاوضات والمحاولات رجس من عمل الشيطان ويوم أن تبدأ تصبح كتاباً مقدساً .. مع فارق التشبيه .

منظمة التحرير وفيها حركة فتح الفصيل الأكبر تضم في ميثاقها الاعتراف باسرائيل والقبول بدولة فلسطينية على حدود حزيران 67 بعاصمتها القدس الشرقية مع الالتزام بقرارات الشرعية الدولية والتي تنص على دولة فلسطينية مستقلة وحل مشكلة اللاجئين  , اما حركة حماس الفصيل الاسلامي الحاكم المعارض في ذات الوقت فتؤمن بميثاق منظمة التحرير ضمنياً مع عدم الاعتراف باسرائيل والقبول بهدنة طويلة المدى في حال وافقت اسرائيل على اقامة دولة فلسطينية على حدود 67 بعاصمتها القدس الشرقية .. اذاً برنامج سياسي واحد مع اختلاف في بعض الكلمات التي قد تذوب دون أن ندري في الترجمة من لغة الشارع العربية الى لغة الديبلوماسية الانكليزية ..!

حركة حماس وعلى لسان نائب رئيس المكتب السياسي ورئيسها السابق موسى ابو مرزوق وفي لقاء على فضائية القدس أكد عدم ممانعة حركته المفاوضات المباشرة مع اسرائيل مؤكداً ان حماس ستكون مضطرة للذهاب للتفاوض المباشر مع اسرائيل في حال استمرار الاوضاع السياسية على حالها , اي ان حركة حماس لا تعارض التفاوض المباشر ولو استمرت الاوضاع السياسية على حالها ستذهب حماس للتفاوض لكنها ستكون في هذه الحالة اضعف من المفاوض الفلسطيني الذي اعتاد على "التفاهة" الاسرائيلية على مدى عشرين عاماً .

وبناء على اتفاق وفدي فتح وحماس في القاهرة مؤخراً على ان يكون قرار السلم والحرب قراراً واحداً وباتفاق الجميع , اقترح على الرئيس ابو مازن تشكيل وفدا لمفاوضات مباشرة مع اسرائيل ويضم الوفد ممثلين عن حركة حماس  وتقوم الفصائل الفلسطينية بعدها بما فيها حركتي فتح وحماس وممثلي اليسار والجهاد الاسلامي بتشكيل مجلس مُراقب لمجريات المفاوضات مع اسرائيل على ان لا تقتصر تلك المفاوضات على مواضيع حياتية معيشية كما سيحدث في القاهرة في المفاوضات غير المباشرة , وإنما يكون هذا الوفد هو "الفشكة" الاخيرة في المخزن الفلسطيني امام اسرائيل والعالم , ولتبدأ جولة المفاوضات النهائية ولتناقش كافة قضايا الوضع الدائم والمؤجلة منذ أوسلو , ويكون هدفها المُعلن برعاية دولية التوصّل لاتفاق نهائي مع اسرائيل يضمن انهاء الاحتلال على الاراضي الفلسطينية .

كافة اطياف الشعب الفلسطيني ستكون ممثلة وموافقة على وفد التفاوض المقترح وبالتأكيد سيتميّز هذا الوفد بامتلاكه أدوات ضغط عديدة  , فحركة حماس ما تزال محافظة على سلاحها وحركة فتح والمفاوض الفلسطيني لم يستنفذ ورقة الانضمام للمؤسسات الدولية والتحرك الدولي الجدّي , عندها سنكون أمام خيارين لا ثالث لهما , فإما أن تقبل اسرائيل بإنهاء آخر وأطول احتلال في التاريخ الحديث , أو انتفاضة شاملة وعامة في كافة الاراضي الفلسطينية ستحرق اليابس قبل الأخضر , وسيكون العالم أمام الاختبار الحقيقي الأكثر جديّة منذ عقود فالحركة التي يتغنى العالم بارهابها ستكون ضمن الوفد المفاوض  ولا أوراق ضغط جديدة ستكون بيد قادة اسرائيل .

التفكير في الخيارات الحالية أفضل من التفكير في خيارات قد لا تكون واقعية , فالحديث عن "حل السلطة" خيار غير واقعي ولا يمكن "التهويش" به , والحديث عن عودة للمفاوضات بسيرتها الأولى لن يُجدي نفعاً ..والحديث عن انتفاضة جديدة يُعتبر ضرباً من الخيال في اللحظات المعيشية والسياسية الصعبة التي تمر بها الحالة الفلسطينية .

سيادة الرئيس : القضية الفلسطينية بحاجة لقرارات دراماتيكية لتبقى داخل الحدث بدلاً من التسارع غير المنطقي في المنطقة والذي قد يُفضي لذوبان القضية الفلسطينية في أتون حرب رواتب داخلية أو مفاوضات محلية على مبانٍ فارغة ضمن تآمر عالمي مُتصلّب ضد القيادة الفلسطينية بشقيها "المفاوض والمقاوم" .

التعليقات