نائب المفتي اليوناني الدكتور ياشار شريف لدنيا الوطن: قيمة عمامة المفتي ليست أقل شانا من لباس القسيس

نائب المفتي اليوناني الدكتور ياشار شريف لدنيا الوطن: قيمة عمامة المفتي ليست أقل شانا من لباس القسيس
حاوره في اليونان : محمد مصطفى حابس

برجع وجود المسلمين في أرض اليونان لعام 654، وتعاظم خلال الحقبة العثمانية
ليتقلص إثر الحروب اليونانية/التركية (1919-1922)، بعد عمليات تبادل السكان؛
حيث غادر اليونان حوالي 450 ألف مسلم إلى تركيا. كما يقدر عدد المسلمين بحوالي
527 ألفًا من مجموع سكان البلاد البالغ ازيد من 11 مليون نسمة، حسب آخر
إحصائيات مركز أبحاث "بيو" حول الدين والحياة.

تعترف اليونان بالإسلام كدين وتعيّن الدولة مفتي المسلمين، وعلى الصعيد
السياسي يخشى المسلمون من صعود الحزب اليميني "الفجر الذهبي" الذي تتأسس
أيديولوجيته على كره المهاجرين. رغم ذلك فالتعددية التي يمتاز بها مسلمو
اليونان مكّنتهم من الحفاظ على وجودهم، مع العلم بأن استقرار أوضاعهم رهين
النزاع السياسي اليوناني- التركي، وانعكاساته على الداخل اليوناني خاصة مع
الأزمة الاقتصادية الخانقة.

ويجد المسلمون في انضمام اليونان إلى الاتحاد الأوروبي ومؤسساته، ضمانة لحماية
حقوقهم ولو نظريًا، خاصة بعد السماح لمحجبة بخوض غمار الانتخابات البرلمانية
الأوروبية الأخيرة في قائمة حزب الخضر، وجدير بالذكر أن السيدة "أنا ستامو"
اعتنقت الإسلام بعد نشأتها في أسرة كاثوليكية، رغم ذلك تبقى أسئلة جوهرية عن
حال المسلمين في هذا البلد الأوروبي الصغير، ودور مؤسساته الإسلامية وعلاقاتها
بالدولة و جرانها. وللإجابة عن ذلك يشرفنا أن نناقشها مع *فضيلة الدكتور يشار
شريف دمادوغلو، نائب المفتي اليوناني*، والذي عرفناه في العديد من المؤتمرات
الدولية والمناسبات الإسلامية بغزارة معرفته للشعوب والملل والنحل، مع إشراقة
تدخلاته بلسان عربي مبين تزينه روح الدعابة من حين لآخر..

س1 *:* مرحبا بكم دكتور، بداية لو تكرمت تقدم للقارئ العربي خصوصا
والمسلمين عموما، نبذة عن شخصكم الكريم؟

بداية أرحب بكم بأرض اليونان، وبكل قارئ سواء كان من العالم العربي، أم من
المتحدثين بلغة القرآن، ثم أحييكم بتحية الإسلام، تحية السلام والأمان،
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أخوكم في الله، الدكتور يشار شريف، ولدت في اليونان من أبوين مسلمين، أعتبر
نفسي من أول المغتربين للدراسة في سوريا؛ حيث أخذني والدي رفقة بن عمي، إلى
معهد الفرقان بدمشق وعمري آن ذاك 12 سنة وبعد الثانوية الشرعية، التحقت بكلية
الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ثم ذهبت إلى مصر مع زوجتي إلى
جامعة الأزهر بالقاهرة وحصلت على الماجستير في الشريعة الإسلامية تخصص الفقه
المقارن ، ثم الدكتوراه في الفقه المقارن من نفس الجامعة وكان عنوان رسالتي
"الباعث وأثره في العقوبة دراسة فقهية مقارنة".

كان لي السبق ولله الحمد، طبعا أذكر هذه الأمور دون فخر، بل من باب "وأما
بنعمة ربك فحدث"، و من باب" من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم
القيامة..." فأنا أول من ذهب كطالب إلى سوريا من هذه الديار، وأول من إلتحق
بالجامعة الإسلامية بهذا المعهد من اليونان، وأول من حصل على درجة الدكتوراه
من الأزهر في تخصصي، وأول من عمل بهذه الشهادة في دار الإفتاء، وأول من أشرف
على أخوات تخرجن من الأزهر تحت إشرافي ولله الحمد والمنة، نرجو الله القبول.

2- وما هي الاقدار التي جعلتك تنحو نحو الدراسات الاسلامية وكيف تعلمت
اللغة العربية؟

والدي، رحمة الله عليه، كان له الدور الأساسي والأصلي في أن رغبني في الدراسات
الشرعية، وكذلك إخواني وأخواتي، ولله الحمد أنا العاشر في العائلة وبعدي أخت.

أما كيف تعلمت العربية، فبالحب .. ونحن صغار عندما كنا نتعلم القرآن الكريم،
كانوا يقولون بأن اللغة العربية لغة أهل الجنة، وهي كذلك، والذي يتعلم العربية
يفهم القرآن، ويفهم الأحاديث فأحببناها حباً كبيراً، وأذكر عندما رجعنا أول
مرة إلى بلدنا بعد عامين قضيناها في الشام، كان الأهل والأقارب والأصدقاء
يطلبون منا أن نتحدث إليهم بالعربية.. كانوا يسعدون جدا عندما يسمعون الكلام
العربي، وكانوا يحاولون أن يحفظوا جمل وكلمات، وبالمناسبة الأساتذة عندما
كانوا يعلموننا، كانوا يعرفون معاني هذه الكلمات ولكن لم نعرف هذا إلا بعد
حين..

3- كيف ساقتكم الأقدار لدار الفتوى اليونانية ولم تبقوا في سوريا أو مصر أو
السعودية، وهل لكم أن تعرفوا القارئ بمهامها وبعض الصعاب في ممارسة الفتوى في
بلد أوروبي؟

لم أفكر لحظة واحدة أن أبقى في تلك البلاد أو غيرها؛ لما نعرف الحاجة الماسة
للمسلمين إلينا في بلادنا، ومشايخنا كانوا دائماَ يرغبون في الرجوع إلى بلادنا
مصداقاً لقوله تعالى" فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين
ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون".. إذ لا شك أن الحياة هنا أو
هناك مليئة بالصعوبات والعقبات، لأنها دار امتحان واختبار، فـ"المرء إذا
أسررته يوما أساءت له يومان"، فعلى العبد أن يشكر أو يصبر فكلاهما خير لكل
مسلم، وليس لغيره البته.

و دور دار الإفتاء في ذلك كبير وأساسي بالنسبة للمسلمين في اليونان عامة وعلى
وجه الخصوص في تراقيا الغربية بشمال اليونان. فدار الإفتاء ليست فقط مقر
الفتوى والأوقاف، بل تقوم بدور القضاء، كما تختص بالأحوال الشخصية من عقد
الزواج، والطلاق، والخلع، والفصل في قضية النزاعات عن الأولاد، والميراث،
والنفقة.. وغير ذلك مما له علاقة بالدين، كتعيين الأئمة في المساجد،
ومراقبتهم، ودعمهم وما إلى ذلك.. والمفتي يمثل المسلمين في الأعياد الرسمية
لدى الحكومة، مثله مثل القسيس لدى المسيحين. ففي اليونان قيمة "عمامة المفتي"
لا تقل عن قيمة " التونية والشملة للقسيس" أي اللباس الرسمي للقسيس.

4- لو تعطينا نبذة تاريخية مختصرة عن انتشار الإسلام في اليونان وأين
يتمركز المسلمون حاليا ؟

كما تعلمون أن اليونان دولة قديمة جداً وهي حاليا عضو في الاتحاد الأوربي، وقد
عرفت اليونان الإسلام منذ وقت مبكر، في النصف الأول من القرن الهجري، عندما
فتح المسلمون بعض الجزر اليونانية، والمسلمون حالياً يعيش أكثرهم في شمال
اليونان المعروف بتراقيا الغربية، وهناك من المسلمين من يعيش في الداخل
كثاسالونيكي وفي العاصمة آثينا والجزر.

لا يوجد تعداد دقيق ورسمي لعدد المسلمين، طبعا لنا مساجدنا منذ عهد الدولة
العثمانية، كما تبنى أيضا مساجد جديدة عند الحاجة ويرمم القديم منها، ويبلغ
عدد المساجد حاليا ما يزيد عن 300 جامع، وهناك أراض وقفية..

كما لنا مدارسنا الابتدائية والإعدادية والثانوية للأقلية المسلمة وهي تابعة
للدولة، إلا أن الدين الإسلامي يدرس فيها باللغة التركية، ويعلم فيها القرآن
الكريم، رغم ذلك لا توجد جامعة ولا كلية إسلامية لحد الساعة في اليونان. علما
أنه يوجد مفتي في كل محافظة من تلك المحافظات.

5- سكان سويسرا عموما، و تحديدا مدينة لوزان، يعرفون اليونان من خلال
"اتفاقية لوزان الدولية للسلام"، التي وقعت بهذه المدينة عام 1923م بين تركيا
واليونان، ما الذي أفرزته هذه المعاهدة اليوم من حقوق للمسلمين في تعلم دينهم
وممارسة شعائرهم من حجاب ومآذن وعطل الأعياد الإسلامية وباقي المظاهر
الإسلامية العامة؟

نعم أنا من هؤلاء الذين تشملهم حقوق "اتفاقية لوزان" السويسرية، وإن كنت غير
"موجود على الساحة، آن ذاك، طبعا"(ضاحكا)، لا شك أن الاتفاقية التي تمت كانت
لها سلبيات وإيجابيات ومازالت، وقد كتبت في هذا الموضوع كتب وبحوث كثيرة، لا
مجال لسردها الآن. لكن أنا أذكر هنا وجهة نظري فقط، وسأكتفي بذكر سلبية واحدة
مع أن هناك سلبيات كثيرة، ثم أذكر بعض الإيجابيات، أولا المسلمون في شمال
اليونان تركوا مقابل استيطان النصارى في إسطنبول، وهذه الجزئية تحديا من
الاتفاقية لم تكن عادلة في نظري؛ لأن إسطنبول ليست مقابلة لشمال اليونان، كان
عليهم بالأحرى أن يتركوا المسلمين في ثاسالونيكي مثلاً أو في آثينا. "أرضياً"
إسطنبول لا تقارن، المسلون هنا فقراء يعيشون في الجبال عمال وفلاحون، أما
إخواننا في الإنسانية في إسطنبول تجار أغنياء و ... إلخ.

أما بعض الإيجابيات مقارنة بذلك الوقت إلى عهد(تركيا الجديدة) كما بدأ الأتراك
يسمونها. فقد عاش المسلمون هنا حياتهم الإسلامية كما عاشوها أيام الدولة
العثمانية.. حرية في الدين والشعائر الإسلامية وتعلم القرآن، ورفع الآذان
ولباس الحجاب.. والشعب اليوناني عموما متدين، ولا يوجد أية مشكلة بين أبناء
المسلمين والنصارى، ولكن قد تكون هناك توترات سياسية لما تتدهور علاقة اليونان
مع تركيا مثل ما كان الحال أيام قبرص.

و الإسلام بقي بين ظهراني اليونانيين رغم محاولات الكمالية التركية لهدمه،
بأمور مثل ترجمة الآذان إلى اللغة التركية ومنع الحروف العربية، ومحاربة
الحجاب وما إلى ذلك.. ولكن نحن إلى عهد قريب كنا نكتب بالحروف العثمانية
القديمة التي هي حروف عربية ما عدا بعض الأحرف مثل پ ـ چ والتی تکتب من اليمين
إلى اليسار، والتركية الحديثة التي حروفها لاتينية تكتب من الشمال إلى
اليمين.. و مدارسنا الخاصة بالمسلمين كانت ولا يزال بعضها حتى الآن يتمتع
بالعطلة الأسبوعية يوم الجمعة والمدرسة تعمل يوم الأحد، ودار الإفتاء عندنا لا
تعمل يوم الجمعة، وحتى عقود الزواج ما زالت تكتب بالحروف العثمانية. والمسلمون
عندنا سواء أكانوا في الجيش أو المدارس، أو الدوائر الرسمية، يأخذون عطلهم في
الأعياد الإسلامية رسميا دون إشكال.. فعندنا مثلاً عطل دينية وإن كانت بعضها
بدعة في نظر الشرع، ولكن هذه من حقوق "إتفاقية لوزان"، عندنا مثلا عطلة يوم
ميلاد الرسول(ص) ويكون في شهر ربيع الأول، ليلة الرغائب وهي تقابل أول يوم
الجمعة في شهر رجب، و ليلة المعراج يوم27 رجب، و ليلة البراءة وهي النصف من
شعبان، و ليلة القدر وهي ليلة 27 من رمضان، و 3 أيام من عيد الفطر، و4 أيام من
عيد الأضحى المبارك.

كل هذه المكاسب أعتبرها من إيجابيات "اتفاقية لوزان" ، أشياء كثيرة - ولله
الحمد- إلى عهد قريب، هناك الخمار للبنات في بعض القرى اليونانية بحيث لا
يمكنك أن ترى شعر بنت بلغت إلا نادرا، ولكن مع الأسف منذ 10 سنوات أو 15 سنة
تغيرت أحوال المسلمين نوعا ما إلى الأسوأ، وفي قرى أخرى لازالت محافظة بل
والآذان متوفر بمكبرات الصوت وهكذا... رغم ذلك "كل هذا لا يعني أننا نعيش في
الجنة" (ضاحكا).

6- قبل أن ننتقل لموضوع حوار الأديان، لأن اليونان متعددة الديانات، حبذا
لو تكلمنا عن الحوار الإسلامي/الإسلامي، في البيت الواحد، وما هي المذاهب
المنتشرة عندكم ونسبها وتأثيراتها على المجتمع اليوناني؟

الحمد لله.. مسلمونا في اليونان ما عندهم إفراط في دين ولكن قد يكون بعض
التفريط في عدم التدين، ورغم ذلك لا تجد مسلماً يكفر مسلماً آخر.. أما بالنسبة
للمذهب فكلهم أحناف، يتبعون المذهب الحنفي وإن قلت يتعصبون له فما بالغت. لكن
في السنوات الأخيرة فيه نوع من القبول للآخر في التيسير في بعض المسائل كالأخذ
بآراء مذاهب أخرى للحاجة، فمثلاً الجمع بين صلاتي الظهر والعصر، وبين المغرب
والعشاء تقديماً أو تأخيراً للمسافر، بهذا تقول المذاهب الثلاثة ماعدا المفتى
به عند الأحناف فهم لا يرون الجمع إلا في عرفات تقديماً والمزدلفة تأخيراً،
ولكن بدأ بعضهم يأخذون بقول الجمهور لما فيه من التيسير على الناس.

أما بالنسبة لتأثير المسلمين على غير المسلمين، فهو شبه منعدم؛ في الحقيقة..
أظن أننا نتربى جنباً إلى جنب فكل يتربى من الصغر وفق" لكم دينكم ولي دين". ثم
إن المسلمين لا يستطيعون أن يكونوا قدوة كما يجب، وحال العالم الإسلامي "
المتعب" أكبر دليل، هذا هو قدوتنا .. مع الأسف ربنا يصلح الحال إن شاء الله.

7- وكيف تتعاملون أنتم كدار إفتاء مع بعض الوافدين العرب السنة وحتى من
المذاهب الأخرى، إن وجدت، كالشيعة أو الطرق الصوفية وغيرها؟

نحن في الحقيقة نرحب بكل إنسان بغض النظر عن ديانته مسلماً كان أم غير ذلك، ثم
بالنسبة للوافدين - إذ تعتبر اليونان ممر لأوروبا الشمالية- فإنهم يمرون من
منطقتنا "مرور الكرام"(متبسما)، سواء بطريقة شرعية أم بغيرها، هذا إن نجو طبعا
من الغرق أو من الألغام أو من الثلج والبرد، أما -لا سمح الله- إن أصابهم واحد
مما ذكر، آن ذاك نحن- دار الإفتاء- الجهة التي يوجه إليها جثامينهم لكي نقوم
بدفنها، فنحن ندفنهم كما ندفن موتانا، و"ندعو الله أن يكون هذا المتوفى آخر من
ندفنه بعيداً عن أهله وأقاربه" (رافعا يديه مبتسما ومتأسفا).

أما بالنسبة للصوفية، يوجد عندنا بعض المنتسبين إلى طرق صوفية ومشايخهم في
تركيا.. ونحن كدار الإفتاء كما يقول المثل التركي "قرق قرال إيله باريشيق"، أي
أننا "مسالمون مع أربعين ملك" ، يعني نستطيع أن نعيش أو نتعايش مع جميع أطياف
البشر من خلق الله على اختلاف مشاربهم..

8- "حوار الأديان" يعد حسب بعض الدارسين من الأمور الواجب أخذها بعين
الإعتبار، خاصة في ديار الغرب، فكيف تتعاملون مع الديانات الأخرى كالمسيحية
بشقيها واليهودية و.. ؟

كما ذكرت لكم في منطقتنا الأمور معالمها واضحة، لا يوجد معاكسات أو معارضات
بين الشعب ولا بين الجهات، هذا مسلم له دينه الإسلام، وهذا نصراني و ديانته
النصرانية، وينتهي الأمر غالباً عند هذا الحد.

9- ما علاقاتكم بالمنظمات والجامعات الإسلامية في عالمنا العربي ومؤسساتها
الدينية الفاعلة كالأزهر الشريف في مصر ورابطة العالم الاسلامي في السعودية و
حتى جمعية العلماء المسلمين في الجزائر وغيرها؟

الحمد لله علاقتنا طيبة ونشكر الجميع .. وإن كان بعضها تربطنا به علاقة وطيدة
بسبب الجغرافيا كمصر والعراق والسعودية.. عندنا أساتذة درسوا في الأزهر الشريف
وأساتذة درسوا قديماً في بغداد وأساتذة درسوا في السعودية، ونحن نأخذ الفتاوى
المعاصرة في المسائل المستجدة من مجامعهم الفقهية ، و"لا أدري هل هناك أحد من
أهل اليونان له علاقة بجامعة قسنطينة الإسلامية أو جمعية العلماء المسلمين في
الجزائر" لكن أحب أن أكون –بحول الله- أنا أول عضو يوناني في جمعية العلماء
حتى أضيف إلى أوائلي أولاً آخر، إن رحب بنا، إخواننا في الجزائر ، أمثال
رئيسها الذي ألتقيناه منذ سنتين أو ثلاث في إحدى الندوات في تركيا.." (مازحا
ومرحبا).

أما بالنسب للدراسة في الجامعات، توهب لنا دوريا منح خاصة من الأزهر والجامعة
الإسلامية وجامعات تركيا، وأحب أن أذكر لرابطة العالم الإسلامي موقفاً مشرفا
لها معنا، عندما أردنا أن نرسل بناتنا للدراسة في العالم الإسلامي، أول ما
ذهبنا إليهم على أن يساعدوننا في كيفية التعليم، قالوا بأن تدريس البنات في
المملكة يخضع لقوانين صارمة وفيها صعوبة شديدة ودلونا على الأزهر، وعملنا
بنصيحتهم الطيبة، وجزاهم الله خيراً.

10-وما هي علاقاتكم بالدول الاسلامية عموما و خاصة تركيا الجارة التي تتكلمون
لغتها وتتمذهبون بمذهبها؟ و كيف تنظر اليونان الرسمية لهذه العلاقة بحكم أن
بعضكم من أصول تركية؟

نحن كدار إفتاء الحمد لله علاقاتنا طيبة مع جميع دول العالم الإسلامي، من أكبر
دولة إسلامية إلى أصغر دولة إسلامية مساحة كانت أم تعداد بشر، إلا أن عدم وجود
جامع رسمي كبير في العاصمة أثينا يقلل من قوة علاقتنا بهم، وهي مسألة وقت لا
غير، إن شاء الله سيبنى قريباً مسجد مركزي، علماً أن في اليونان أكثر من
ثلاثمائة جامع في منطقتنا وفي جزيرتي رودوس وقوص..

علاقاتنا طيبة عموما مع الجيران كلهم، إلا أنه أحياناً قد تأتي الرياح بما لا
تشتهي السفن، لكن من المؤكد أننا نعيش مع تركيا كجيران شئنا ذلك أم أبينا،
وليس بقدرتنا تغيير هذا الجوار بحكم الواقع الجغرافي، وعلينا نحن أن نتغير
تجاه بعضنا بعضاً لكي نبني ولا نهدم.. ثم إن من حق كل يوناني أن يسافر إلى
تركيا ببطاقته الشخصية وليس شرطاً بجواز سفر، ولنا تاريخ مشترك وأطعمة وعادات
وتقاليد مشتركة.. وبالتالي نستطيع الجزم اليوم أن الأقلية المسلمة في شمال
اليونان والأقلية النصرانية الساكنة في إسطنبول يكونان جسراً بين البلدين
الجارين في التعاون في البناء وفعل الخير لإيجاد حلول مناسبة، بحول الله، وما
ذلك على الله بعزيز..

11- ما تقييمكم للوضع في دول الربيع العربي كمصر وتونس وسوريا ولبنان، هل أثر
ذلك عليكم سلبا أم إجابا في دار الإفتاء وفي المجتمع اليوناني عموما؟

أظن أنه كل ما يجري اليوم في العالم الإسلامي، يحزن كل إنسان بغض النظر عن
ديانته.. فعلا إن ما يقع اليوم في ربوع الوطن الإسلامي له أثر سلبي كبير
علينا.. نرى و نسمع عن مسلم يكبر الله ويقتل مسلماً آخر وكلاهما من ملة محمد..
أهذا هو الإسلام الذي نزل به الروح الأمين، ألم يأت الإسلام لإنقاذ البشرية
وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن عبادة
العباد إلى عبادة رب العباد، والإنسان العادي تائه لا يعرف ما يجري في تلك
البلاد سوى مظاهر ومشاهد القتل، هذا الذي يشاهده المرء لا غير، ثم يحكم عن ما
يراه بمنطق و تجرد، ومن حقه أن يتساءل ببراءة، أهذا هو إسلام السلام؟؟

12- ما هي التحديات التي تواجهكم كمسلمين أوروبيين، خاصة في تربية الأجيال
القادمة، خاصة مع الازمة الاقتصادية التي تمر بها اليونان؟

نعم الصعوبات كثيرة وكبيرة، ولكن الأمل في الله أكبر من هذه الصعوبات
والعقبات، نحن ندعو الناس إلى تقوى الله سبحانه وتعالى، ولو أننا اتقينا الله
حق تقواه، لوجدنا لكل ضيق مخرجاً، ولكل مشكلة حلاً تطمئن إليه النفس ويرتاح له
القلب.. جميل التحدث للأجيال عن الإسلام الذي سطرت حروفه بذهب في كتب السير في
بداية عهد الرسالة الخاتمة مع الرسول وصحبه الكرام، وعن حياة أناس أتقياء
أصفياء أنقياء انتقلوا إلى رحمة الله.. إضافة لذلك نريد إسلام معاصر في أرض
الواقع، بحيث لما نرسل أطفالنا إلى العالم الإسلام في عطل الصيف يرون الإسلام
بأعينهم لا بأسماعهم عبر قصص تاريخ بعيد.. نسال الله العفو والعافية وهو على
كل شيء قدير.

13-ظاهرة إعتناق الإسلام في الغرب ظاهرة عامة، فبماذا تتميز اليونان و هل لكم
إحصائيات مشجعة وما هي أسباب اعتناقهم عموما؟

دخول غير المسلمين إلى الإسلام في اليونان من النوادر عندنا، لأسباب كثيرة،
منها، أن الشعب اليوناني يعتبر من الشعوب المتدينة، ومن الشعوب التي تحترم
الأديان والمعتقدات الأخرى، وكذلك يتبادر إلى بعض غير المسلمين في اليونان أن
الإنسان إذا أسلم أصبح "تركيا"، فبسبب معاداتهم للأتراك بحكم التاريخ، لا
يفكرون في البحث عن الإسلام، فهنا تظهر مسؤولية المسلمين.. عكس ما عندكم في
شمال أوروبا أو أمريكا، وغيرها..

14-أعرف أنكم زرتم تونس هل زرتم أيضا الجزائر وكيف تنظرون إلى شعب الجزائر
علما أنك زاملت بعظهم في الدراسة في الأزهر الشريف مثلا ؟

نعم، ولله الحمد زرت تونس ومعظم الدول الإسلامية، ولا أقول معظم الدول
العربية، وصاحبت الكثير من الطلبة؛ و بحكم دراستي مع الإقامة في نفس المدينة،
فمن الطبيعي أن نصاحب بعضهم في السكن وفي المعهد مع زملاء الفصل خاصة، وأول
زميل لي من الجزائر تعرفت عليه في سوريا، وكان يكبرني سناً، وكان سبباً في أن
حفظني صفحات من سورة الكهف، ولا زلت أذكره بخير ولكن لا أعرف عنه شيء الآن،
وفي الأزهر كذلك التقيت بعضهم، رغم أن إخواننا الجزائريين معروفون بالشدة
وشديدي الغضب، وسرعان ما يثورون كما نشاهدهم في مباريات كرة القدم (مبتسما
ومتأسفا)، إلا أن زملاء آخرين كانوا نعم الاخوة وعلى أحسن حال وأطيب خلق، ولا
أحب أن أذكر أسماءهم من غير إذنهم. أما بالنسبة لزيارة الجزائر، لعل الله ييسر
لنا سبباً في زيارتها -إن شاء الله- في القريب العاجل أو الآجل، و ما ذلك على
الله بعزيز..

كلمة ختامية؟

أحب أن أذكر بداية نفسي، ثم جميع الإخوة القراء، خاصة في بلاد الغرب، بأن الله
عز وجل قد تكفل بحفظ دينه وشريعته بقوله تعالى " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له
لحافظون" وما علينا إلا أن نحاول أن نكون واحدا من هؤلاء الذين اختارهم الله
لحفظ دينه. وأن يكون أملنا بالله كبير لأن الله يقول " لا تقنطوا من رحمة
الله"، وشكر الله لكم صبركم معنا في هذا الحوار الشيق المطول نوعا ما
(ضاحكا)... و تعالوا معنا لتناول كسكسي على الطريقة اليونانية وليس المغاربية!!
(ضاحكا).

جزاكم الله خيرا،

التعليقات