"البيريسترويكا" العربية والفلسطينية!!!

"البيريسترويكا" العربية والفلسطينية!!!
... بكيبورد الدكتور: عاصف حمدان

   وضع الرجل المناسب في المكان المناسب. ذلك مبدأ تتفق كل المِلل والنحَل على أهميته القصوى لفوائد تطبيقه من جهة، ولمشاكل الابتعاد عنه من جهة أخرى؛ فيما يتعلق بتقدم البلاد وصلاحها وضمان حقوق أبنائها على أساس المساواة والكفاءة.

    قبل ما يربو على سنتين، شاركتُ بدورة لبناء الكفاءات باللغة الانجليزية تحت إشراف مدربة أسترالية متخصصة. في إحدى حلقات النقاش طرحت المدربة موضوع المشاكل التي تواجه الشباب من خريجي الجامعات في فلسطين. أبديْنا آراءنا ببعض من التحفظ!. أحد الزملاء قال لي بالعربية على مسمع المدربة – وكان الحديث بالعربية ممنوعاً خلال الدورة!-؛ قال: "أريد طرح موضوع الواسطة في التوظيف كمشكلة تواجهنا"؛ متسائلاً عن معنى كلمة واسطة. أجبت بسؤال:" يا زلمة ضروري ننشر غسيلنا بالشارع؟"؛ لكني سرعان ما غيرتُ وجهة نظري وأردت الحديث لأرى ردة فعل الأسترالية. وهنا برزت مشكلة: أنا أيضاً لم أعرف معنى كلمة واسطة بالانجليزية. فبدأتُ أشرح لها وصفاً للواسطة حتى فهمَتْ. ثم فكرتْ قليلاً وغيّرتْ هي الموضوع وانتقلت للحديث عن مشكلة أخرى. هنا مشكلة ثانية: أنا لم أحقق هدفي من طرح الفكرة لأني لم أحصل على جواب أو ردة فعل واضحة؛ ولكن الجواب جاء مدويّا في اللقاء التالي. جاءت وكتبت في مقدمة اللقاء على السبورة كلمة nepotism وقالت مبتسمةً: "واستا"!. ثم اعتذرت لنا لأنها لم تعرف معنى الكلمة في اللقاء السابق قائلة أنها أخرجتها من القاموس!!!. كان جواباً مدوياً فعلاً لأن عمرها قرابة الثلاثين عاماً ولم تسمع بكلمة واسطة بلغتها، ونحن نسمع بها وبكل مرادفاتها وصورها وأشكالها وبأبطالها بكل منطقة منذ نعومة أظفارناّ!. ربما هذا مضحك؛ لكنه مخزي بنفس الوقت، ويعرفنا على سبب آخر من أسباب تقدمهم علينا لا من أسباب واقع الخريجين الصعب بفلسطين فحسب!.

   وقد ذكرت إحدى المذكرات أن المخابرات الأمريكية زرعت عميلاً لها بمركز حساس في الاتحاد السوفييتي كانت مهمته محددة في استثناء أفضل المتقدمين لأي وظيفة والمفاضلة بين الفاشلين والسيئين. أما "البيريسترويكا" عنوان المقال فهي كلمة روسية من مقطعين هما "بيري" و"سترويكا" وتعني (إعادة البناء). وهذه ربما هي ثاني أشهر أكذوبة في التاريخ الحديث بعد أكذوبة الحركة الصهيونية لاغتصاب فلسطين. وهذه هي الإستراتيجية المتكاملة التي وضعتها الولايات المتحدة للقضاء على الاتحاد السوفييتي سلمياً واقتصادياً وهيكلياً عبر عرّابها الخائن غرباتشوف وأمثاله كالعميل المذكور. ارتكزت "البيريسترويكا" على شطب وتهميش كل القيادات المؤسساتية الفاعلة وذات الكفاءة والخبرة واستبدالها بشباب فاشلون أو خونة بحجة "إعادة البناء" و"ضخ دماء جديدة"، وذلك بهدف هدم وتدمير الجبهة الداخلية. وبالفعل انهار الاتحاد السوفيتي فعلياً بعد أشهر من هذه السياسة بعدما كان قوة هائلة عالمية.

    قبل أشهر كتبتُ مقالاً بدنيا الوطن بعنوان: "لست خجولاً حين أصارحكم بحقيقتكم". أدّعي أنه من أفضل ما كتبتْ. لي صديقة كاتبة أرادت أن "تتباهى" بما كتب صديقها أمام كاتب "كبير" بالبلد تعرفه هي شخصياً. فعرضتْ عليه المقال فقرأه وعلق قائلاً: "صياغة جيدة لكن لا يحقق هدفاً سوى الشكوى"!. وهذا يعاكس تماماً فكرة المقال القائمة على أساس النقد البناء وصولاً حتى إلى إيجاد حلول. يستطيع المهتمون أن يبحثوا في جوجل عن ذلك المقال لكي يحكموا على الكاتب "الكبير" لا على المقال؛ لأن حكم القراء الأعزاء عليه من خلال التعليقات وأعداد القراءات والمشاركات وقت نشره كفاني وشرفني ودفعني إلى الأمام. وما علاقة ذلك بمقال اليوم؟!

   الجواب: أخشى ما أخشاه أن تنطبق عبارة "الكبير" تلك على مقال اليوم؛ فمنعاً لذلك أدعو كل رب عمل أو مسؤول عن توظيف الناس أو اختيارهم أن يجعل الكفاءة أساس الاختيار وأدعو كل مسؤول عربي أو فلسطيني مهما دنا شأنه ألا يجعل من نفسه "غرباتشوف صغير" أو ألا يقوم مجاناً أو تطوعاً بالمهمة التي أوكلت لذلك العميل بواسطة الواسطة!!!. قال شكوى قال... أهلين عمي!!!

التعليقات