أم الناجي تعود إلى الحلّيصة ووادي الصليب

أم الناجي تعود إلى الحلّيصة ووادي الصليب
رام الله - دنيا الوطن
 أعادت رابعة رشيد أبو يونس- الزعبي بناء تفاصيل منزل عائلتها في حي الحلّيصة بحيفا، ورسمت مشاهد المدرسة والمسجد والسوق، واستذكرت حكاية انتقالها للعيش في منزل جدتها بوادي الصليب بعد رحيل والدها، كما قصت حكاية جدها عبد الله، الذي طارده الاحتلال البريطاني.

وروت الثمانينية التي يعرفها أبناء طوباس بأم الناجي خلال الحلقة (30) من سلسلة "ذاكرة لا تصدأ" لوزارة الإعلام واللجنة الشعبية للخدمات في مخيم الفارعة، لحظات اقتلاعها من حيفا، والمشاهد الأخيرة التي تختزنها ذاكرتها عن البحر والهادار والكرمل.

بيت ومدرسة ومسجد

تروي: ولدت يوم 13 تشرين ثاني 1933 في الحليصة، وكان بيتنا كبيراً وفيه أربع غرف وصالة واسعة، ومذياع خشبي كبير، وبنى جدي فوق منزلنا مسجداً باسمه، فيما كانت بجوارنا المدرسة الابتدائية، وكنا  نُقابل الهادار والبحر. وكان والدي يعمل أمامًا وخطيبًا ومعلمًا ومؤذنًا أيضًا، وقد تخرّج من جامع الأزهر بمصر. أما والدتي مريم محمد الشخشير فكانت ربة منزل. ولي ثلاث أخوات: كلثوم، وزبيدة، وآمنة، وثلاثة أخوة ( شفيق، وحسن، ورايق).

ووفق بوح أم الناجي، فقد تعلمت حتى الصف الرابع الابتدائي بالحلّيصة، ثم انتقلت بعد رحيل والدها إلى منزل جدتها فاطمة بوادي الصليب، ودرستها فيها لسنتين، فيما تعلمت أختها زبيدة فنون الخياطة والتطريز؛ لإعانة عائلتها بعد رحيل والدها.

وتتذكر وجود مديرين للمدرسة، الأول الأستاذ توفيق للأولاد، والثانية لقسم البنات واسمها انشراح، ولا تغفل عن دروس اللغة العربية (راس روس ودار دور) لخليل السكاكيني، وحصص الجغرافي والتاريخ والحساب واللغة الإنجليزية.

تسرد: كان جدي من رفاق الشيخ عز الدين القسّام، وقد تعرض لملاحقة الإنجليز، الذين اعتقلوا والدي عام 1943، وأعلنوا أنهم لن يفرجوا عنه إلا بتسليم جدي نفسه لهم، واستمر احتجاز أبي ستة أشهر، فمرض في السجن، ثم رحل عنا وعمره 37 سنة، بينما فر جدي إلى الشام عن طريق الرمثا، وكان يزود الثوار بالسلاح، وتوفي هناك بعد عام تقريباً.

باص نمرة واحد!

توالي: من المشاهد التي أذكرها في حيفا، الحنطور، ( عربة مغطاة ومربوطة بحصانين) الذي كنا نركبه خلال تنقلنا بين أحياء مدينتا، وباص (نمرة واحد) الذي كان يمر من جانب بتنا، وسكة الحديد. ولا أنسى زي المدرسة ألزرق للأولاد والثوب السكني للبنات. وتعيش معي ذكريات أمي التي كانت تطبخ اليقطين المحشي، ولحم قص الخروف، والطرفان. وأتذكر أيضًا أيام العيد حين كان أبي وأعمامي يوزعون علينا ربع جنيه ونصف جنيه فلسطيني، وبعض البنات ميسورات الحال كن يحصلن على جنيه كامل. أما في مواسم خميس البيض للموتى (أول يوم خميس يمر بعد الوفاة)، كان الناس يوزعون 200 بيضة مسلوقة وملونة عن روح أمواتهم. وقبل سنوات من النكبة، وصلت لبيوتنا شبكة المياه والكهرباء، ولم نكن نذهب للبحر إلا في المناسبات.

تحافظ أبو يونس على عادات حيفا وتقاليدها، وتجيد صناعة أطباقها، ولا زالت تحتفظ بصورة جدها النادرة، وبعض المقتنيات القديمة منها، فيما تحول منزل عائلتها ذاته المبني من الحجارة إلى المستوطنين، وقد زارته قبل سنوات، وشعرت بالمرارة على ما حدث له.

وبحسب أم الناجي، فقد انتشرت جرائم العصابات "الصهيونية" في حيفا، وكانت شاهدة على إلقاء  القنابل اليدوية على السيارات والبيوت، وشاهدت بعينيها إطلاق النار على المصلين في مسجد جدها، وقتل عدد منهم، بينهم الإمام الشيخ صالح من إجزم وقت صلاة الفجر.

مرارة الاقتلاع

تروي حكاية اقتلاعها من حيفا: كان اليهود يضربون بالهادار، واقترح علينا خطيب |أختي( نظمي أبو بكر) أن نخرج إلى جنين، حتى تهدأ الأوضاع، وأخذنا معنا بعض الملابس وعدد قليل من ألأغطية والأواني، وأخذنا مركبة مع أخوتي وأمي، وكانت الدنيا قايمة قاعدة)، واستطعنا الوصل إلى يعبد قرب جنين.

تضيف: أقمنا في يعبد سنتين، وحينما شحت المياه في سنة محل، كان الأهالي يقولون لنا (أطلبوا منا تنكة زيت، ولا تطلبوا الماء)، فانتقلنا إلى أقرباء أمي في نابلس، وبقيت فيها، وتعلمت اللغة الإنجليزية، والتمريض في المستشفى الإنجيلي، وتزوجت عام 1957، وأمضينا سنتين في جنين وطوباس، ثم انتقلنا للكويت حتى عام 1966، وعدت إلى طوباس، وأسست جمعيتها الخيرية، وترأستها 25 سنة، وخضت أول تجربة انتخابات بلدية عام 1976.

وسائل جديدة

بدوره، أشار منسق وزارة الإعلام في طوباس عبد الباسط خلف إلى أن "ذاكرة لا تصدأ" ستنتقل مع بداية عامها الثالث إلى توثيق الروايات الشفوية بوسائل وطرق تقنية جديدة، لتصل إلى عدد كبير من الشهود عليها، في مخيمات الوطن والشتات، وبخاصة أن الموت غيّب الكثير منهم.

وأكد أن السلسلة استطاعت إلى اليوم توثيق أكثر من خمسين حكاية لقرية ومدينة ومهنة وعادات ومواسم وتراث ولحظات اقتلاع.

التعليقات