حرامية برعاية الحكومة

حرامية برعاية الحكومة
بقلم : عبدالله عيسى

رئيس التحرير


كان يردد الفنان عادل إمام في بعض أفلامه عن نظام مبارك فيقول : هل تظنون أن الريس لا يعرف ان الموظف لا يكفيه راتبه وانه يكمل راتبه من الرشاوى .. انه يعرف كل هذا ".

وهذه حقيقة أوجدها نظام مبارك في سنواته الأخيرة بعد أن عجز عن حل مشاكل وهموم الشعب المصري ونأمل ان تتغير الأحوال الان.

وفي سوريا حيث الرواتب ضعيفة لأغلبية الموظفين سمح أيضا وشفويا بتلقي الموظف للرشوة أو كما اصطلح على تسميتها بالإكرامية .

هذه السياسة اتبعتها بعض الدول العربية وبشكل خاص وعلى نطاق واسع في مصر وسوريا بينما حاربتها دول عربية أخرى وبضراوة لانها أدركت خطر هذه السياسة على امن البلد .

ونتيجة لسياسة السماح لصغار الموظفين من مدنيين وعسكريين ورجال جمارك ومعابر حدودية باستبدال يد المصافحة للزائر القادم لذلك البلد بفتح اليد مثل الشحاتين على أبواب الجوامع فأساء الموظف الصغير للدولة بأكملها على مستوى السياحة العربية والأجنبية الوافدة ونقل صورة سيئة للسائح عن بلد يستقبل الزائر بيد شحات مفتوحة .

وقد قرأت بعض المقالات لكتاب عرب خليجيين يتذمرون اشد التذمر من استغلال السائح من قبل السائق والموظف الصغير ورفع الأسعار فور معرفة ان المتعامل معه ليس من ابناء البلد .

في الثمانينات واجهت سوريا موجة عنيفة من عمليات القتل والانفجارات قادمة من العراق في حينها وذات مرة التقيت مسئولا سوريا كبيرا فقال لي :" أتعرف يا أخ العرب كيف ادخل مجموعة فلان ثلاجة مفخخة بالمتفجرات إلى وسط دمشق من احد المعابر الحدودية .. لقد ادخلها السائق بدفع إكرامية لموظف جمارك مبلغ 500 ليرة سورية فقط مقابل التساهل في تفتيش الثلاجة ولا يعلم الموظف ما تحمله الثلاجة من دمار لشعب سوريا .. وتجول السائق بالشاحنة وكان يريد تفجيرها في حي أبو رمانة بدمشق فلم يستطع التوقف بها لكثرة الحراسات في هذا الحي فذهب بها اسفل جسر وفجرها وكانت حافلة تسير أعلى الجسر وانقلبت وهوت وراح عشرات الضحايا ".

نفس المشكلة .. كل السلاح الذي ادخل ويدخل مصر إلى جماعات تكفيرية بسيناء من اين وكيف وما هي الإكرامية التي تدفع لامين شرطة حتى لا يفتش حافلة لا يعرف اصلا ماذا تحمل من نكبات لمصر .

المهربون لا يتوجهون الى رتب سامية في الجيش او الشرطة لشراء ذممهم لأنهم لا يفلحون بهذا ابدا ولكنهم يستغلون من شرعت لهم الحكومة اخذ الرشوة او الإكرامية فيعتاد الموظف الصغير على الرشوة ويدمن عليها ويطلبها بلا خجل ويتنازل عن حقه في تفتيش سيارات مشبوهة .. وبعد ايام يرى جثث زملائه أشلاء على شاشة التلفزيون بعد ان قبض 500 ليرة او 100 جنيه .

هي تجربة مريرة عاشتها مصر وسوريا وربما دول عربية أخرى وارى أن تجد الحكومات حلا للموظفين من ذوي الرواتب الضعيفة بزيادة الرواتب وان تثقل خزينة الدولة بمزيد من الديون بدل ان تثقل كاهل الشعب بمزيد من الدماء والضحايا او ان تخفض الدوام الرسمي وتسمح للموظف بعمل إضافي بعد الظهر لتحسين دخله وتساعده في ذلك وان تجعل بعدها عقوبة متلقي الرشوة او الإكرامية كعقوبة من يفجر الحافلة وسط دمشق او من يفجر حافلة المجندين الشبان في سيناء .

في اوائل التسعينات جاء وفد امني أمريكي الى القاهرة سرا والتقى كبار ضباط وزارة الداخلية وكانت موجة من العنف تجتاح مصر على يد جماعات تكفيرية فسال الوفد الأمريكي أول سؤال :" كم يتقاضى ضابط الامن المصري من راتب " فقيل له بضعة مئات من الجنيهات "قال الوفد الأمريكي :" او ترسلون ضباطكم لمواجهة جماعات مسلحة وقد يعود الضابط في تابوت ويتقاضى 300 جنيه مثلا ارفعوا رواتب ضباط الشرطة أضعافا كأول نصيحة نقدمها لكم ".

رفعت التوصية للرئيس مبارك فوافق عليها واصبحت رواتب الضباط بآلاف الجنيهات شهريا وفعلا تغيرت المعادلة وانتهت موجة العنف بمصر في تلك الفترة.

 

التعليقات