تعديل حكومي وتشكيل خلية أزمة

تعديل حكومي وتشكيل خلية أزمة
كتب غازي مرتجى

المطلّع على التجربة الفيتنامية حيث التحرر من الاستعمار الفرنسي وصولاً الى انقسام الشمالية والجنوبية حتى التدخل الأمريكي الخاسر الى توحيد الفيتناميتين بحكومة واحدة مع سيطرة هذه الحكومة على تفاصيل وقرارات دول مجاورة , يجد أنّ الشعب الفلسطيني وقياداته لم تقرأ تلك التجربة وسابقتها التجربة الالمانية أو في أحسن الأحوال قرؤوا ولم يتمعنّوا في التفاصيل .

الاختلاف الوحيد بين التجربتين الفلسطينية والفيتنامية انّ فلسطين لم تتحرر من الاحتلال الاسرائيلي حتى اللحظة , ويبدأ التشابه مع التدخل الأمريكي في الفيتنام ودعم حكومة الجنوب ضد حكومة الشمال وشيوعيي الجنوب معاً وبعد سنوات من حرب الشوارع اضطرت الولايات المتحدة للانسحاب من الفيتنام وأسّس ذلك لعملية توحيد شطري الوطن الفيتنامي .. وتجربة المقاومة الفيتنامية للاستعمار الأمريكي حاضرة لدى مفكري حركات التحرر العالمية ولم ننس علاقات ياسر عرفات ومنظمة التحرير الواسعة مع الحكومة الفيتنامية الموحدّة .

أما الانقسام الفلسطيني الداخلي فلم يكن سياسياً فقط وإنما انتقل كالنار في الهشيم ليصبح انقساماً اجتماعياً والبعض حولّه الى انقسام طبقات وآخرون تغنّوا بأنه انقسام بين باطل وحق وبعض "الأرزقية" حوّلوه الى انقسام بين فكرين .

حركتا فتح وحماس لا تمثلان الكل الفلسطيني وإنما نسبة كبيرة من غير المؤطرّين سياسياً وبعض المؤطرين من غير الراضين عن أداء مُؤطّرهم , كل هؤلاء ينظرون إلى الانقسام كنقمة صاغتها لعبة اقليمية دولية في غزة لتُنهي مقومات الدولة الفلسطينية التي أساسها القطاع بمقوماته الطبيعية كالغاز وساحل غزة لعودة عمل الميناء .

الحكومة الفلسطينية السابعة عشر ذات السبعة عشر وزيراً ستتوجّه الى قطاع غزة يوم الخميس لعقد جلسة بروتوكولية في القطاع للحكومة , ربما تأذن تلك الجلسة ببدء عمل حكومة التوافق الوطني في غزة , كل الجلسات واللقاءات والضحكات وشرب القهوة والشاي سوياً في أفخم فنادق القاهرة أو غزة على حد سواء لن تفيد بإنهاء الانقسام ولو قيد أنملة , الشاهد الأساسي لإمكانية إنهاء الانقسام هو  وصول طرفي الانقسام لقناعات داخلية بضرورة العودة للوطن .. نعم فقط العودة للوطن .

في بلاد الله الحرام التقينا بعشرات الجنسيات المختلفة , بعضهم بكى عندما شاهدنا وعدد كبير آخر لم يعرف أين غزة , والدرجة الوسط كانوا ممن يعرفون فلسطين وغزة لكنهم لم يشاهدوا ولم يعرفوا بحرب غزة المدمرّة الأخيرة ..!؟ , الأصعب في إحدى اللقاءات ترك احد الشخصيات المعروفة عربياً الحديث عن فلسطين وغزة وتحدّث عن ضرورة توحد فتح وحماس منتقداً استمرار الانقسام الفلسطيني الداخلي على الرغم من الحروب القاسية والمعاناة اليومية التي يعانيها اهل فلسطين .

الانقسام الفلسطيني جعل كلمة التعاطف والتأييد للقضية الفلسطينية ضئيلة وأصبح كل من يحاول تبرير عدم متابعته لمجريات الأحداث في فلسطين يشير الى الانقسام الفلسطيني وبعضهم يتندّر وآخرون يهزؤون ..

بعد اربعة عشر عاماً من القتال ضد الامريكيين في فيتنام وصلت القناعة الكاملة للشعب الفيتنامي وحتى مسؤوليه بضرورة توحيد الشمالية والجنوبية , ولضم فيتنام الشمالية للجنوبية تكاليف باهظة قد يكون من دفع فاتورتها من خاض الحرب والقتال ضد الامريكان لكنهم أيقنوا أن الوطن أكبر من حسابات فئوية تنظيمية ضيقة .

اجتماع حكومة التوافق في غزة ليس كافياً وحده , بل يجب على رئيس الوزراء الفلسطيني العمل على تعديل حكومي عاجل وتشكيل خلية أزمة بنظام أساسي وأهداف واضحة ليس غزة فقط من اهدافها وانما معاناة الضفة اليومية واستباحة حرمة الاقصى كل دقيقة على رأس مهامها .

خلية الأزمة المقترحة يجب أن لا تزيد عن خمس شخصيات وليس من الضروري ان تكون تلك الشخصيات تكنوقراطية أو تملك جوازات سفر أجنبية , وإنما نريد خلية أزمة على قدر "الورطة" التي يمر بها الوطن بعيداً عن التقسيم الجغرافي وبعيداً عن المحاصصة الحزبية ويجب ان تكون معايير تلك اللجنة وطنية خالصة وقراراتها نافذة على طرفي الانقسام اولاً .. 

التعليقات