خيانة .. وراء سقوط صنعاء

خيانة .. وراء سقوط صنعاء
رام الله - دنيا الوطن-وكالات
في وقت احتفل فيه الحوثيون بصنعاء أمس بـ«انتصار الثورة» وسقوط العاصمة صنعاء في أيديهم، اعترف الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، بأن ما حدث من اجتياح حوثي هو نتيجة مؤامرة وغدر، تعرضت له البلاد، من الداخل والخارج «تفوق التصورات». ووصف الاجتياح الحوثي بأنه كان قاسيا، معبرا عن تحمله المسؤولية عما حدث. وأشار إلى أن ورث دولة مفككة ويتجذر فيها الفساد وأنه «جالس منذ عامين على كرسي من نار»، محاولا إطفاء الحرائق والنيران من حوله.
وأعلن زعيم الحركة المتمردة عبد الملك الحوثي أمس «انتصار الثورة» بعد أن سيطر أنصاره بشكل شبه تام على صنعاء، في خطاب ألقاه ونقل عبر شاشات عملاقة أمام مؤيديه في وسط العاصمة اليمنية. وقال الحوثي: «نبارك لشعبنا انتصار ثورته الشعبية التي أسست لمرحلة جديدة قائمة على التعاون والتكاتف في اليمن»، مؤكدا أنه «انتصار لكل الشعب وكل مكوناته».
كما عد اتفاق السلام الذي وقّعت عليه جماعته، التي تتخذ اسم «أنصار الله»، يشكل «صيغة سياسية جديدة» للبلاد.
وشكر الحوثي الجيش الذي «رفض قمع الثوار»، وذلك في إشارة إلى عدم مواجهة الجيش للحوثيين أثناء سيطرتهم على صنعاء يوم الأحد. إلا أن عبد الملك الحوثي أكد عدم وجود أي توجه «للثأر» وقال إن اليد ممدودة إلى خصومه في «التجمع اليمني للإصلاح»، وهو الحزب الإسلامي القريب من الإخوان المسلمين. وقال: «لسنا في وارد الثأر أو الانتقام»، مطالبا بـ«الشراكة بدلا من الإقصاء». وأضاف متوجها إلى «التجمع اليمني للإصلاح»: «أيدينا ممدودة للسلام والتفاهم، وكحزب يمكن له أن يعيد لحمته مع الشعب ومع هذه الثورة المباركة من خلال هذا الاتفاق، اتفاق الشراكة الوطنية». إلا أنه أكد في الوقت نفسه عزمه تحويل مقر عدوه اللواء علي محسن الأحمر في شمال صنعاء إلى حديقة.
وقال إنه بات يمكن «تحويل الفرقة الأولى مدرع إلى حديقة واسم الحديقة 21 سبتمبر»، في إشارة إلى تاريخ السيطرة على صنعاء وعلى هذا المقر وباقي المقار العسكرية المهمة في العاصمة.
كما شدد في كلمته على ضرورة رفع «المظلومية» عن الجنوبيين والتوصل إلى حل لقضية الجنوب، حيث ينشط حراك مطالب بالانفصال عن الشمال. وأكد الحوثي «إعادة اللحمة الوطنية بحل القضية الجنوبية»، مضيفا أن «إخوتنا في الجنوب متضررون ومظلومون، والكل مؤمن بمظلوميتهم، وحتى الآن لم يتلقوا الإنصاف ولم تتحقق لهم العدالة».
وشارك الآلاف من أنصار الحركة المتمردة في مسيرة للاحتفال بانتصارهم في صنعاء أمس، ولكن الرئيس عبد ربه منصور هادي قال في كلمة إن العاصمة «لن تسقط»، بعد 48 ساعة من توقيع اتفاق الشراكة، الذي آلت بموجبه الكلمة العليا للحوثيين.
واجتمع الرئيس اليمني بمجالس النواب والشورى والوزراء في دار الرئاسة بصنعاء، وقال إن ما جرى في صنعاء، أخيرا، عبارة عن مؤامرة يقف وراءها عدد من الجهات. وأضاف: «أدرك أنكم جميعا تشعرون بالصدمة مما حدث ومن تسليم بعض مؤسسات الدولة ووحدات الجيش بالصورة التي شاهدناها، ولكن عليكم أن تعرفوا أيضا أن المؤامرة كانت فوق التصور.. وأننا أطعنا وغدرنا.. إنها مؤامرة تعدت حدود الوطن». وأضاف: «تحالفت فيها قوى كثيرة من أصحاب المصالح التي فقدت سلطتها.. أو من الذين جعلتهم ثاراتهم الشخصية يثأرون من الوطن قبل ثأرهم من الأشخاص.. ومن الانتهازيين الذين نراهم في كل فاجعة يأكلون من كبد هذا الوطن».
وأضاف هادي: «مع الأسف، إنه موقف اختلطت فيه الأمور على قطاع كبير من البسطاء والأنقياء من أبناء هذا الوطن الذين دفعهم طول المعاناة ووطأتها وضبابية المرحلة واستقطاباتها وضراوة الحملات الإعلامية وشراستها.. وقبل كل ذلك، تقصيرنا كدولة وضعف وانتهازية بعض منا بالدفع بهم للذهاب والتخندق في الموقف الذي لا يعبر صدقا عن حقيقة تطلعاتهم وآمالهم وأحلامهم في الدولة المدنية الحديثة».
وعد الرئيس اليمني ما حدث في صنعاء من اجتياح حوثي «كان أقسى، ولا يمكن لأي عبارات أو لوم أو تهرب من المسؤولية أن يعبر عن قساوة وصعوبة ما حدث، وما أسهل أن نقوم فقط بذلك! وما أصعب أن نقرر جميعا أن نتحمل المسؤولية في هذا الظرف الذي يحتاج منا جميعا أن نتوحد وأن نتماسك لندافع عن حلمنا الذي حكناه وصغناه معا في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، حلم الشعب في الحياة الكريمة وفي الدولة العادلة الرشيدة وفي المواطنة المتساوية والشراكة الحقيقية».
وقال هادي مخاطبا الحاضرين والشعب اليمني: «لا بد أن أشير، وأكرر، إلى أنني عندما تسلمت الدولة في عام 2012 لم أتسلم منها إلا شبه دولة لسلطة متفككة، ومؤسسات متغولة في الفساد، وجيش مقسم الولاءات، ومحافظات عدة خارج سيطرة الدولة.. ولم يكن من الممكن أن يجري تغيير كل هذا في عامين قضيتها بإطفاء الأزمات ومحاولة تحقيق التوافقات وبتجنيب البلاد الحروب قدر ما استطعت. وأعترف لكم بأن الكرسي الذي أجلس عليه لم يكن أبدا وجاهة ولا منصبا، بل كان كرسيا من نار، وأمانة ثقيلة أجمعتم في مرحلة معينة على تكليفي إياها، ولن أنسى أبدا المسنين والعجائز الذين ذهبوا بين السواتر الترابية والمتاريس تحت إطلاق النار لانتخابي، ليس لشيء إلا بحثا عن الأمن والاستقرار والدولة المدنية». وجدد الرئيس اليمني التزام الدولة اليمنية بتنفيذ كل بنود الاتفاق الموقع من أجل السلم والشراكة مع الحوثيين والأطراف كافة في الساحة اليمنية.
من جهته، قال الدكتور فارس السقاف، مستشار الرئيس اليمني، لـ«الشرق الأوسط»، إن «التقييم الأولي لتنفيذ الاتفاق أنه يسير جيدا وسلسلا، وأستطيع القول إن وقف إطلاق النار تم منذ ليلة التوقيع على الاتفاق، والآن نحن بصدد تنفيذ بقية البنود، وطبعا أول هذه البنود تكليف من يرأس الحكومة، وأيضا تعيين مستشاري الرئيس (من «أنصار الله» والحراك الجنوبي السلمي)، وبعد ذلك فض الاعتصامات تدريجيا». وقال: «أعتقد أن الهدوء عاد إلى العاصمة صنعاء، ويتم تسليم المقار (الحكومية) التي تمت محاصرتها والترتيبات جارية لإتمام الاتفاق».
وحول الخطوات التي جرت عقب التوقيع، المتمثلة في محاصرة واقتحام عدد من منازل الشخصيات البارزة في الدولة أو على مستوى الساحة اليمنية، يقول مستشار الرئيس اليمني إن «هذه عملية خاطئة وانتقامية لا تولد سوى المشاكل والثارات، وأعتقد أن الإخوة الحوثيين، (أنصار الله)، أدركوا أن هذه أخطاء وتلافوا الكثير مما وقع»، وأضاف: «نحن نقول إذا كانت هناك أي قضايا فيمكن أن تحال إلى القضاء، وهناك إجراءات يجب أن تتبع، ولا نريد للفوضى أن تعم أو الانتقامات، لأن الانتقام يجر انتقاما والدم يجر دما، وأعتقد أن الإخوة (أنصار الله) يدركون ذلك ومقتنعون بهذا الأمر».
وحول حديث الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بأن ما يجري مؤامرة خارجية، قال الدكتور فارس السقاف لـ«الشرق الأوسط» إنها «مؤامرة داخلية من أنها قد تكون خصومات النظام السابق وبقاياه الذين يقامون التغيير ولا يرون أنه يسير في مصلحتهم والذين هم ضد عملية التسوية السياسية»، ثم يردف المستشار اليمني أن المؤامرة إذا كانت خارجية «فهي إقليمية تتحالف مع الحوثيين، وعلى كل حال الحديث الآن عن النقد واللوم والشكوى، كما قال الرئيس في خطابه اليوم (أمس)، يجب أن نتجاوزه ونلتفت الآن إلى المستقبل ونمضي في التسوية السياسية، ونحن الآن نريد أن نمضي والتغيير لم يجر تقبله من بعض القوى التي كانت في الحكم، وحركة الحوثيين فرضت نفسها بالقوة، والآن نريد أن نعيدها إلى مسارها الصحيح بأن تكون ضمن العملية السياسية».
هذا وتشهد الأوضاع الميدانية في صنعاء هدوءا حذرا في ظل استمرار سيطرة الحوثيين على معظم مؤسسات الدولة بذريعة حمايتها من النهب والسلب، ومن المفترض أن يجري تسليم هذه المؤسسات إلى قوات عسكرية متخصصة في ضوء الاتفاق المبرم بين الطرفين، غير أن الحوثيين، كما يقول بعض المراقبين، يحشرون أنفهم في كل التفاصيل، حتى فيما يتعلق بتسيير حركة المرور داخل العاصمة التي شهدت حركة نزوح كبيرة لعدد من السكان من داخلها باتجاه الأرياف خشية تردي الأوضاع.
ورحب عدد من الأطراف الدولية والإقليمية باتفاق السلم والشراكة في صنعاء، بينها إيران وبريطانيا والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، وقبل ذلك مجلس التعاون الخليجي، وحسب مصادر دبلوماسية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، فإن هذه الأطراف كافة «تتطلع إلى التزام الأطراف كافة تنفيذ الاتفاق دون خروقات ودون تلكؤ أو مبررات واهية، لأن أي طرف يعمل على ذلك لن يكون في مصلحته»، حسب تعبير تلك المصادر.


 


التعليقات