المطالبة بالتوافق على برنامج سياسي كمدخل لمعالجة ملف الأمن

رام الله - دنيا الوطن
 طالبت مجموعة من الشخصيات السياسية والحقوقية والأمنية بضرورة الاتفاق على برنامج سياسي موحد، يحدد الأهداف الفلسطينية وآليات العمل الوطني، التي تقود الكفاح لتحقيقها قيادة واحدة لكيان تمثيلي موحد معبر عنه في منظمة التحرير، بما يمكن من التوافق على سياسات أمنية وطنية تقرها القيادة السياسية وتشكل مرجعية لبناء مؤسسة أمنية موحدة في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وأشارت غالبيتهم إلى أن أي اتفاق في مجال الأمن محكوم بالاتفاق السياسي، ويحتاج إلى آلية واضحة لتطبيقه في كل من الضفة والقطاع، وفقًا للظروف والخصائص والاحتياجات الأمنية المتباينة وتأثيراتها على بنية ومهمات المؤسسة الأمنية فيهما، فضلا عن مراعاة الاحتياجات الأمنية للتجمعات الفلسطينية الأخرى أينما كانت.

واعتبر هؤلاء أن بعض البنود الواردة في الشق الأمني من اتفاق المصالحة الموقع بالقاهرة في 4 أيار 2011، ينطوي على إشكالات وتعارضات تتيح المجال لتفسيرات متباينة، وأحيانا متناقضة، للنصوص الواردة، وبالتالي تعيق إمكانية تطبيقها، فضلا عن تجاهل التباين الظرفي بين واقع كل من الضفة الغربية وقطاع غزة واختلاف بعض التهديدات والتحديات التي تواجه كل منهما في ضوء الأهداف والسياسات التي تتبناها إسرائيل في تعاملها مع كل من هاتين المنطقتين، وما يترتب على ذلك من محددات لا يمكن تجاهلها، سواء لدى التوافق على سياسة أمنية وطنية موحدة، أو لدى النظر في بنية ودور ومهمات الأجهزة الأمنية في كل من الضفة
والقطاع بعلاقتها بالاحتياجات الأمنية الخاصة بكل من المنطقتين.

جاء ذلك خلال ورشة عمل نظمها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات) لمناقشة ورقة بعنوان "قراءة في الشق الأمني لاتفاق المصالحة: تعارض النصوص واختلاف التفسير"، أعدها الباحث جهاد حرب، من فريق الخبراء المساند لعمل برنامج قطاع الأمن ضمن مجموعة دعم وتطوير مسار المصالحة الوطنية، وذلك بحضور عشرات الشخصيات السياسية والحقوقية والأمنية.

افتتح الورشة خليل شاهين، مدير البحوث والسياسات في مركز مسارات، الذي استعرض أهداف مشروع الحوار حول قطاع الأمن والمخرجات التي تم التوصل إليها في سياق الجهود التي تبذلها مجموعة دعم وتطوير مسار المصالحة الوطنية، منوها إلى الطابع غير الرسمي لهذا الحوار ودوره في توفير الدعم لمسار المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية عبر تقديم اقتراحات وتصورات وآليات لمعالجة العديد من القضايا الشائكة، لاسيما بعد توقيع "اتفاق الشاطئ" وتشكيل حكومة الوفا  الوطني والإشكالات والأزمات التي يمكن أن تنفجر في وجه هذه الحكومة، كما حدث في أزمة رواتب موظفي حكومة "حماس"، والتعقيدات الناجمة عن توافق حركتي فتح وحماس على تأجيل ملف الأمن في اتفاق المصالحة، في حين تؤكد الإشكالات التي تلت تشكيل حكومة التوافق الوطني الحاجة إلى إعادة بناء وتوحيد ودمج الأجهزة الأمنية، بحيث تكون أجهزة مهنية ووطنية بعيدًا عن الحزبية.

وشرح شاهين الجهود المبذولة في سياق عمل مجموعة دعم وتطوير مسار المصالحة في الشق الأمني، والتي بدأت فعليا منذ بداية العام 2012. وتحدث عن بنية المجموعة التي يشارك فيها بشكل غير رسمي قياديون من الفصائل الرئيسية، وفريق خبراء فني، وتعتبر مسار خلفيا يحاول وضع خيارات ومقترحات لتسهيل مهمة عمل اللجنة الأمنية العليا المنصوص عليها في اتفاق المصالحة لدى تشكيلها، وخلق حوار و/ أو تفاهمات غير رسمية حول القضايا المتعلقة بالشق الأمني
للمصالحة.

ونوه إلى ما تم إنجازه من أوراق عمل وسياسات خلال الفترة الماضية، ومن ضمنها إعداد مسودة قانون الشرطة، واقتراح حول إعادة بناء وتوحيد وهيكلة جهاز الشرطة في الضفة الغربية وقطاع غزة، والمعايير الدولية الفضلى لعمل الشرطة الفلسطينية، ومسودة قانون مجلس الأمن القومي/ الوطني، وورقة حول دور ومهمات اللجنة الأمنية العليا، وورقة السياسات الأمنية، وورقة تجارب في عملية الإصلاح الأمني، والتي ستصدر قريبًا في كتاب خاص.

بدوره، قال حرب إن الهدف من هذه الورقة مراجعة القضايا الأساسية التي تشكل نقاط خلاف أو تلك القضايا المتعارضة في نص الاتفاق، التي قد تضع إشكاليات أمام تطبيق الشق الأمني من اتفاق المصالحة، وذلك في إطار الجهود التي تبذلها مجموعة دعم وتطوير مسار المصالحة في المجال الأمني، من خلال وضع تصورات أو مقترحات أو حلول ممكنة تسهل آليات العمل المستقبلي لإعادة بناء وهيكلة وتوحيد الأجهزة الأمنية في السلطة الوطنية، مع مرعاة أن طبيعة المرحلة الراهنة في الصراع الوطني مع الجانب الإسرائيلي تتطلب أساسا صيغة وسياقا جبهويا في إطار منظمة التحرير للانخراط من قبل جميع الأطراف في برنامج كفاحي موحد يراعي خصوصية كل منطقة.

وأضاف: إن الفصائل
والتنظيمات والقوى الفلسطينية اتفقت على إنهاء حالة الانقسام في اتفاق المصالحة، وبذل كل الجهد لإنجاحها في إطار من المسؤولية والالتزام؛ إلا أن هذا التفاؤل لم يترجم على أرض الواقع بل طفت إلى السطح خلافات جوهرية بعد تشكيل حكومة الوفاق، ويعود ذلك إلى أربع قضايا أساسية، هي: أولا، وجود خلافات جوهرية على كيفية التعامل مع طبيعة المرحلة وآليات مواجهتها ودور كل طرف في ضوء السيناريوهات
المحتملة لتطور الصراع، سواء باتجاه تسوية سياسية تضمن تحقيق الاستقلال والسيادة، أو باتجاه مواجهة سياسية وميدانية قد تفضي إلى حالة من الفوضى، وربما انهيار مؤسسات السلطة. وهو الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في شكل ووظائف السلطة في ضوء التطورات المحتملة، بما في ذلك السياسات الأمنية وبنية ومهمات الأجهزة الأمنية؛ ثانيًا، نصوص الاتفاقية حملت في طياتها تعارضات بين بنود الاتفاق، وخلافات في التفسير، وأولويات التنفيذ؛ ثالثًا، لم تراعِ الاتفاقية الخصائص والظروف المتباينة وتأثيراتها على بنية ومهمات المؤسسة الأمنية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، لاسيما منذ إعادة انتشار قوات الاحتلال خارج قطاع غزة؛ رابعًا، الافتقار إلى سياسة أمنية موحدة متوافق عليها في إطار الحوار الوطني، وتشكل مرجعا للشق الأمني في اتفاق المصالحة.

وعرض حرب النقاط الخلافية "الإشكالية" التسع التي تناولتها الورقة، والمتمثلة بطبيعة المرحلة الوطنية، وتحديد "ركائز المصلحة الوطنية العليا"، والعلاقات الخارجية، والمعايير المهنية والوطنية، والتناقض ب ن الالتزام بعدد الأجهزة وفق قانون الخدمة واستحداث أجهزة جديدة، وغياب آليات مُحددة لتطبيق مفهوم العقيدة الأمنية. كما أكدت الورقة أن صيغة التوافق بحاجة إلى حوار بحسن نية "شراكة أم حق الاعتراض/الفيتو"، إضافة إلى تناول آلية استيعاب عناصر الأمن في قطاع غزة، ومصطلح "الأخلاق الفاضلة" والفرق بينها وبين الآداب العامة.

واعتبر بعض الحضور أن اتفاق المصالحة لم يعد مفتاحًا لحل مسألة الانقسام، بما في ذلك الشق الأمني من الاتفاق، بسبب عدم التوافق على برنامج سياسي موحد يحدد الأهداف الوطنية وأشكال النضال ومكان وزمان ممارسة كل منها، وفق ظروف كل تجمع فلسطيني، والعلاقة بين سلاح السلطة الواحدة وسيادة القانون من جهة وسلاح المقاومة من جهة أخرى، وبما يشكل في نهاية المطاف مدخلا للتوافق على سياسة أمنية وطنية موحدة.

وأكدوا الحاجة إلى حوار حول الشق الأمني لوجود العديد من الإشكاليات فيه، ما أدى إلى ظهور تفسيرات عدة، يطرحها كل طرف وفقا لغاياته. وأشاروا إلى غياب واضح لتحليل طبيعة الظروف السياسية والمتطلبات الأمنية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، إضافة إلى الطبيعة المختلفة للتجمعات الفلسطينية في فلسطين التاريخية والخارج.

ودعا الحضور إلى ضرورة تغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية، وتشكيل جبهة ضاغطة على طرفي الانقسام من أجل تطبيق ما هو وارد في الاتفاق بما يخدم مصلحة الوطن والمواطن. وحثوا قوى منظمة التحرير على لعب دور يصب في هذا الاتجاه، والتمسك بصيغة الحوار الوطني الشامل بدلا من الحوار الثنائي بين حركتي فتح وحماس. بينما أشار بعض الحضور إلى ضرورة توسيع مفهوم الأمن ليشمل مختلف مناحي الحياة، بما في ذلك القطاع الاقتصادي والغذاء.

التعليقات