الهجرة .... تَبَّت كُلُّ أيديكُم !!

الهجرة .... تَبَّت كُلُّ أيديكُم !!
كتب م عاهد عناية
"حماس تَتَحَمَّل المسئولية" قالها البَعْض، "فتح تَتَحَمَّل المسئولية" قالها البَعْضُ أيضاً، أرى أنَّنَا جميعاً نَتَّحَمَّل المسئولية بمَنْ فيهم مَن هاجر ولكن !!!، لزاماً علينا أمام المجتمع الدولي الصراخ عالياً "الاحتلال الصهيوني الذي احتلّ أرضنا ومِنْ ثمَّ حاصرنا بمساعدة بعض مَنْ يتحدَّثوا لغتنا هو مَنْ يَتَحَمّل مسئولية ما يحدث لأبناء قطاع غزة قبل الحرب وأثناءها وما تلاها من أحداث"، أنظروا الى الجلّاد ولا تلوموا الضحيّة على صراخها المرتفع، مِنْ غير المنطق أن تستمّر مناكفتنا السياسية فيما بيننا فالوقت الضيِّق المتاح أمامنا سيقطعنا انْ لَمْ نقطعه.

مِنْ المستهجن أن نجِدَ بين ظهرانينا مَنْ ينتصر لفكره على حساب أبناء الشعب الفلسطيني، كذلك الشيئ  - ولن أقول الانسان – الذي فَرِحَ لسماعه نبأ هجرة بعض الشباب من قطاع غزة وانفرجت أساريره أكثر وأكثر حينما سمعَ نبأ غرق الكثير منهم، فهؤلاء وليمة سياسية جاهزة له سيقضي ساعات طويلة في سرد وفتح مناحة سياسية معيَّنة على حساب خصمه السياسي الآخر، والخصم السياسي نفسه لن يدخّر مجهوداً في الردّ عليه، وهكذا نحن من ردْحٍ لردْحٍ والمهاجرون وأنصارهم مستمرون في الزيادة يوماً بعد يوم.

مِنْ الملاحظ أيضاً أنّ جهتيْ الردح تفتقدان الى الأرقام الحقيقية للهجرة والى ظروف مَنْ هاجروا، ولا حتى ملابسات الهجرة معروفة لديْهم، ما يجيدونه فقط هو الردح وردّ الردح، ما يقوم به الرادحون هو تطبيق للعبارة التالية "اختلفنا مين يخوِّن الثاني أكثر"، الانتقاد بالعموميات دون تشخيص للمشكلة هو ما يجيدونه، رغم أنَّ عدم تشخيصنا الجيد لحقيقة صراعنا مع بني صهيون أوصلنا الى ما نحن فيه الآن، حقّاً لُدِغنا كثيراً ومن نفس الجحر، حتى ملَّ مَنْ لدغنا مِنْ مذاق دماؤنا.

أخي القارئ ... ما قرأته أعلاه هو غيظٌ من فيض، هو واقع يتكرّر معنا داخلياً فلسطينياً على فترات مع كل موجة اختلاف سياسي بين طرفيْنا الكبيريْن شعبياً يبدأ من أعلى وينشر الى أسفل كالنار في الهشيم ويبدأ كل شخص يدافع عن فكرة طرفه دون أدني اعتبار للمنطق أو أدنى اعتبار لأشخاص فقدوا ويفقدون وسيفقدون حياتهم نتاج اهمال مجتمعي دفَعَهم للهجرة، كنّا معْهم أم لم نكن، اتفقنا معهم أو اختلفنا فهذا ليس له أهمية الآن، بوصلتنا يجب أن تتجّه نحو أسباب الهجرة ودوافعها ليس لذكرها والتأمل في سطورها فحسب، الهدف متمثِّل في القضاء عليها أو على الأقل الحدَّ من معدلاتها المرتفعة بجنون، جنون قادم لتدميرنا نفسياً، ما يريد شعبنا المعالجة، معالجةً منعاً للهجرة اختياراً لا قسراً.

لا يخفى على أحد بأنَّ موضوع الهجرة تصدّر اهتمام الشارع الفلسطيني بشكل عام والشارع الغزِّيْ بشكل خاص عقب الحرب الصهيونية التي استمرّت لــــ"51" يوم متتاليات سحقت الشجر قبل الحجر والانسان ولكنه صمَدَ أمام ارهاب دولة، صَمَد أمام تآمر بعض مَنْ يتحدّث لغتنا، وقتها طُرِحَت أفكار جديدة لاستهداف الجبهة الفلسطينية الداخلية التي صَمَدَت أمامهم، أفكار تشير اليها تصريح نتنياهو "سنستمر في الحرب على قطاع غزة ولكن بأساليب جديدة"، وحتى ان لم تكُنْ تصدير موضوع الهجرة اعلامياً مخطّط صهيوني، فالأكيد أن هذا التصدير الموجّه مرتبط بشكل أساسي بالحرب التي انتصر فيها شعبنا الفلسطيني بصموده، هُمْ صهاينة أو غيرهم يريدوا قتْل الروح المعنوية العالية لشعبنا الفلسطيني والهجرة مجرّد مرحلة من المراحل ولهذه المرحلة مفاهيم عسكرية أمنية عميقة مرتبطة بصراع أدمغة بيْن الأجهزة الأمنية الصهيونية يسبقها جيشهم والشعب الفلسطيني يتصدّره مقاومته وأعتقد أنَّ اللعبة ستتكشَّف عمّا قريب انْ قرَّر البعض أن يفهم، وليفهم هذا البعض أنّ هناك مَنْ يهاجر مِنْ أوروبا وهناك من يهاجر أيضاً من بلاد العمّ سام، وهنا أذكرهما مثالاً اقتصادياً فقط، ففلسطين أكبر مِنْ أنْ نقارنها بأي دولة.

لو تطرّقنا الى الجانب الاقتصادي الذي يقول البعض بأنّ الدافع الأكبر للهجرة هو الوضع الاقتصادي وهاجس تحسينه، قد يكونوا محقِّين في اعتقادهم ولكن لا يجب اغفال أنَّنا كمجتمع فلسطيني يتحمّل مسئولية ليست قليلة في ذلك، فالتكافل الاقتصادي شبه مفقود داخل العائلات، أنا لا أدرى حقَّاً كيف يشعر شخص ميسور الحال مات ابن أخيه أو ابن شقيقته غرقاً في البحر بحثاً عن وضع اقتصادي أفضل، لا أدرى كيف يستطيع النوم الآن وهو يعلم أنَّه باستطاعته مساعدته، حقَّاً لا أدرك كيف سيهنئ هؤلاء بحياتهم مستقبلاً، الحلّ السحري يكمن في التكافل الاقتصادي فما في قطاع غزة من مال يكفي أحفاد أحفادنا، فلماذا اذن كلُّ هذا الاكتناز ولِمَن؟.

الهجرة مِنْ فلسطين لها مذاق مرّ سيجربه كلّ من هاجر، يقيننا بأنّ مَنْ هاجر سيشعر قيمة فلسطين الحقيقية، فلسطين الضفة وغزة، فلسطين الكرامة والعزة، شعور يفتقده الكثيرون حقيقةً لا خيالاً، هذا الثابت مهما كانت ظروف الهجرة وحيثياتها.

يجب الالتفات الى أنَّ المشكلة الكبيرة ليست في الهجرة بحد ذاتها ولكن الاشكالية تكمن في دافع الهجرة، طريقة الهجرة، والهدف من الهجرة، مدة الهجرة، أسئلة كثيرة متداخلة يجب الاجابة عليها ويجب علينا أيضاً تَذَكُّر أنَّ الغاية لا تبرِّر الوسيلة.

مُشكلتنا الأكبر أنَّنا فقدنا العشرات من شبابنا نتاج ظروف لم تساعدهم يوماً على الاستمرار أحياءً كغيرهم، عشرات ليسوا مندَسِّين ولا خونة، عشرات دفعتهم الظروف، عشرات مِنْ أبنائنا، عشرات مِمَّن عاشوا معنا أوقات الحرب العصيبة، الغبيُّ مَنْ اتَّهم مَنْ هاجر بالغباء، ولهذا الغبي وأمثاله أقول "تبَّت كلُّ أياديكم".

مَنْ يهاجر مِنْ فلسطين ويسعد لمجرّد الهجرة مِنها، هذا شخصٌ يجب أن نتأكّد من فلسطينيّته استغراباً واستهجاناً لا تخويناً ولا حتّى اتّهاماً.

ما نحتاجه فعلاً هو دراسة علمية متكاملة لما حدث بعيدة عَنْ أيّ تجاذبات سياسية، وما يلزمنا فلسطينياً هو تكافل سياسي اجتماعي اقتصادي على الأرض تطبيقاً، أمَّا ان استمرّت شعارات التكافل على الورق فهذا ذرٌ للرماد في العيون، عيون الصغار المتأملّين بمستقبل مُشرق وعيون الكبار الطامحين لحياة أفضل، طموحٌ سيصاب في قلبه لو استمرّ الأداء السياسي الفلسطيني على حالته، طموحٌ سيتحوّل الى كُفرٍ بالسياسية وكافة مصطلحاتها، ولا تنتظروا يا ساسة وقتها الا بيضَ نعامة حائضاً في منتصف جباهِكُم، سئمنا من تَشَتُّتِنا وكلُّ الناس تتجمَّع، مَلَئتُم فِكْرَنا كذباً وتزويراً وتأليفا، نولِّي جهلَنا فينا وننتظر الغبى مخرج.

عن الشعب ... كُفّوا عن تجارتكم والا صار مرتداً، وخافوا انَّ هذا الشعب حَمَّالٌ وانَّ النوق انْ صُرِمَت فلن تجدوا لها لبناً ولن تجدوا لها ولدا.

التعليقات