سفير دولة فلسطين بالجزائر لؤي عيسى : إننا نتاج تربية نضالية جزائرية وكان ملهمنا ومعلمنا خليل الوزير

سفير دولة فلسطين بالجزائر لؤي عيسى : إننا نتاج تربية نضالية جزائرية وكان ملهمنا ومعلمنا خليل الوزير
رام الله - دنيا الوطن
رفض أن يصف مكتبه بمكتب السفير لأنه مقتنع أن عمله الديبلوماسي لا ينفصل عن عمله الشعبي في منظمة التحرير الفلسطينية التي استقى منها وجهته الوطنية في النضال وطرحه الشمولي لقضايا فلسطين والمنطقة العربية. 

يتألم من الانقسام والصراع بين العرب وبين الصفوف الفلسطينية ويحترق لما يرى مخططات العدو لتقزيم المسائل الوطنية التاريخية تجد طريقها للتنفيذ على يد أبناء الأمة.

استقبلنا وتعاطى مع "الجزائر" من خلال هذا الحوار الشامل.

أنتم في الجزائر منذ ما يقارب الشهرين لكن علاقتكم بالجزائر ممتدة إلى سنوات. كيف كان اتصالكم بالجزائر؟

دعني أقول إننا نتاج تربية نضالية جزائرية وكان ملهمنا ومعلمنا خليل الوزير أبو جهاد شديد الارتباط بالثورة الجزائرية. وأنا دائما أقول نحن جزائريو فلسطين وأنتم فلسطينيو الجزائر، فالروابط التاريخية بين الشعبين الجزائري والفلسطيني قائمة ومتينة على جميع المستويات وخاصة الامتداد الشعبي. وبحكم عملي مع التنظيمات الطلابية كنت آتي إلى الجزائر وأشرف على انتخابات المنظمات الطلابية الفلسطينية كما باقي الدول العربية ثم انتقلت إلى الإشراف على المنظمات الشعبية الأخرى كاتحاد المرأة والمهندسين وغيرها. كان هناك تواجد فلسطيني نوعي في الجزائر وكانت هناك معاملة مميزة للفلسطينيين في الجزائر فلا تأشيرات تفرض ولا حواجز بالنسبة لدخول أو خروج الفلسطينيين من وإلى الجزائر. وهذا أتاح فرصا كثيرة ومكننا من إنشاء تنظيمات عديدة مثل اتحادات المرأة والمهندسين والأطباء والمعلمين والحقوقيين. وكانت هناك علاقات مشتركة وتبادلات مع الاتحادات الموازية لها التابعة لحزب جبهة التحرير الوطني الجزائري. بعد ذلك انتقلت إلى مسؤولية أخرى وكلفت بمنصب المدير العام لأمانة سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بتونس. هذا لم يمنعني من الاستمرار في نفس المهمة. ومن خصوصيتنا أن مقرنا كان في تونس لكن وجودنا العملي والميداني في الجزائر. كانت لدينا قوات وتنظيمات مختلفة ممتدة هنا في الجزائر.

ما هو أهم شيء استفدتموه من الجزائر؟

أهم شيء تعلمناه من الجزائر هو الفلسفة الوطنية في الصراع وأن مواجهة الاستعمار تقتضي توحيد العمل الوطني، فالثورة التحريرية الجزائرية وأداتها جبهة التحرير الوطني لم تكن حزبا سياسيا لكنها كانت إطارا نضاليا وطنيا ولو اختلفت ضمنه التيارات السياسية.

(تعلمنا من الجزائر أن مواجهة الاستعمار تقتضي توحيد العمل الوطني)

هل بقي من هذه الامتدادات الشعبية شيء اليوم؟

ما بقي فاعلا منها هو اتحاد الطلاب وبدرجة أقل اتحاد المرأة، أما بقية التنظيمات، إن وجدت، فهي ليس ذات أعداد كبيرة وغير فاعلة. وهذا راجع إلى ضعف فرص العمل وظروف أخرى. نحن بودنا أن نتخلص من العمالة الإجبارية لدى العدو الصهيوني فالصهاينة فتحوا للفلسطينيين 5 آلاف فرصة عمل، كنا نتمنى أن لا نحتاج إلى ذلك، لكن ما العمل؟ أنت في حصار يشمل كل الأراضي الفلسطينية فأين العمل؟ كنا نأمل من هذه الأمة أن تفتح المجال للفلسطينيين للعمل وأقول لهم خذوا ما تحتاجون من عمالتنا بدل أن تستوردوا العمالة الأجنبية.

في الجزائر يعامل الموظف الفلسطيني مثله مثل العامل الجزائري...

لا ليس إلى هذا الحد هناك تسهيلات لكن العامل الفلسطيني يحتاج إلى مجموعة من الإجراءات. قرأت أن الحكومة الجزائرية ستمنح رخص عمل للسوريين والماليين أتمنى أن تشمل كذلك الفلسطينيين لأن هناك وجودا فلسطينيا جديدا في الجزائر يتكون من النازحين من غزة بعد العدوان الإسرائيلي وهناك فلسطينيون جاءوا من سوريا، هذا الوجود لم ينظم ولم يحدد وضعه القانوني، نحن في اتصال مع الجهات المعنية لحل هذه المشكلة بالرغم من أن هناك اتفاقات مع وزارة العمل لإدماج الفلسطينيين في بعض القطاعات. الشعب الفلسطيني سلاحه العلم وبهذا العلم بنينا أو ساهمنا في بناء دول الخليج بعد النكبة وإلى غاية اليوم لا يزال الفلسطينيون يشكلون نسبة معتبرة هناك خاصة فلسطينيو الشتات لكنها اليوم تستورد العمالة الآسيوية. في الجزائر لديكم مشكلة بطالة والأمور معقدة في هذا المجال، لكن عندنا نوعيات مميزة في مجال الطب والهندسة والشعر واللغة ولا تملك بالضرورة جنسية فلسطينية بل هناك جنسيات أمريكية وأوروبية وآسيوية تحت أمرنا يمكن أن تتاح لها فرصة لكي لا تضطر لمد يدها للعدو وتعزز بذلك قدرتنا على الصراع.

وهل يحتاج الفلسطيني الحامل للجنسية الأمريكية أو الأوربية إلى توظيف في بلد عربي؟

فلسطين في نهاية الأمر ليست جنسية أو جواز سفر وإذا كانت كذلك فهي دولة لكنها قضية ومسألة صراع وتحرر وتخلص من استعمار خارجي، قالت عنها الجزائر إنها الإسمنت الذي يوحد أطراف الأمة فهي إذن معركة وجودنا كلنا وبالتالي الفلسطيني هو كل من يناضل من أجل فلسطين. فالهوية هوية نضالية، وهي المنطقة التي تدور فيها المعركة الأساسية وما دون ذلك فهي فروع تهدف إلى إشغالنا. أنظر إلى ما يحدث في العراق وسوريا وليبيا واليمن، لا يهم أن نفكر من هو الصح ومن هو الغلط لأن في المحصلة أعداؤنا يريدون أن يدخلونا في حالة من عدم الاستقرار في المنطقة وأزمات متتالية وصراعات واستنزاف ونبتعد عن استغلال ثرواتنا وعن وحدتنا وأهدافنا وطموحاتنا في التنمية وفي أن نعيش في استقرار ونعبر عن ثقافتنا ووحدتنا وديننا وتسامحنا بعيدا عن اتهامنا بالعنصرية والإرهاب، وهي اتهامات لا تميز بيننا ثم يأتي العدو ليخلص بعضنا من بعض. داعش التي لا يتعدى عمرها أشهرا يبلغ عدد مقاتليها 50 ألفا. الأمريكان هم الذين خلقوها بشهادة هيلاري كلينتون لكن اليوم هناك حشد مالي وأمني لمحاربتها عبر سلط وأحزاب على الأرض. كل هذا يصب في نهاية المطاف في حالة عدم استقرار داخلي وتفتيت المنطقة.

مر اليوم أكثر من 20 يوما على وقف إطلاق النار واتفاق التهدئة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. لكن هل يمكن لهذا الاتفاق أن يصمد ويبلغ أهدافه أم أنه هش كما باقي الاتفاقات؟

وقف إطلاق النار والتهدئة في هذا الظرف مطلوبان للجميع لكن ليس بالضرورة أن يكون هناك اتفاق. صحيح أن هناك قضايا اتفق عليها وأخرى يجري التفاوض بشأنها مثل المطار والميناء وقضايا أخرى، فالقضايا المتفق عليها يجري تنفيذها على الأرض وأهمها انعقاد مؤتمر المانحين لإعادة إعمار غزة وبناء ما دمره العدوان الذي سينعقد بالقاهرة في 12 أكتوبر. وعندما يتم الاتفاق على جميع القضايا يتم تثبيت التهدئة لمدة طويلة، لكن بالنظر إلى الوضع، من الصعب أن تجزم بإمكانية الوصول إلى تهدئة طويلة المدى لأن العدو الصهيوني نتيجة ما خلفته الحرب من تفتت للرأي الداخلي الإسرائيلي وعدم الاتفاق على التشخيص وعلى استكمالها من عدمه، والحالة العربية لا تزال غير موحدة في تحديد كيفية استمرارها. أما الحالة الفلسطينية فهي موحدة وغير موحدة في نفس الوقت، موحدة في ضرورة أن نصل إلى نتيجة وغير موحدة في آلية التطبيق. على سبيل المثال طرف يركز على ضرورة إعادة بناء الميناء والمطار مقابل طرف يرى أنه مسألة ثانوية يمكن أن توضع جانبا. هناك اختلاف على قضية الإعمار وكيف يتم ومن يقود العملية. وهناك اختلافات أخرى حول حكومة الوفاق الوطني هل هي حكومة فاعلة أم حكومة شكلية وهل هناك حكومة ظل في غزة هي التي تقود الوضع وهل المساعدات التي تأتي إلى غزة، هل تذهب إلى جميع المواطنين أم توزع بطريقة خاصة إلى حالات معينة مع إغراقها في السوق السوداء. هناك حالات الإقامات الجبرية. هناك وفد من فتح توجه إلى غزة من أجل بحث هذه القضايا، وحتى الرئيس أبو مازن طرح أن تكون الحكومة فاعلة لا شكلية. أملنا كلنا أن نجد آلية صراع وطنية موحدة. من حق الفصائل التعبير عن رأيها ومن الطبيعي أن تكون هناك تباينات لكن لا ينبغي أن تنعكس في سلطتين أو قرارين، لأن بهذا سيسقط الجميع. وهناك مسائل كثيرة ليس بالضرورة أن تحسم، قد تحسم عن طريق الانتخابات، لأن هذه الحكومة جاءت بموجب اتفاقية القاهرة التي تشمل عدة اتفاقات أمنية واجتماعية وحول أجهزة الأمن عددها 7 اتفاقات وأن تتولى الحكومة القضايا الداخلية وليس شؤون المفاوضات وإجراء انتخابات في غضون 6 أشهر من إنشائها. لكن حكومة الوفاق الوطني عاجلها العدوان الذي دام 51 يوما لكي يمنعها من أن تتسلط ويمنع الوحدة الوطنية من التشكل، ولم تمض 6 أشهر حتى جاء العدوان ووجدت هذه الحكومة نفسها أمام مهمات أخرى هائلة، ففي غزة اليوم كارثة ليس لها أول من آخر، هناك أربعة ملايين طن من الركام نتيجة تدمير أحياء ومدن وبنى تحتية، أكثر من 60 عائلة شطبت من السجلات، وهذه الحالة تحتاج إلى حوالي 7 ملايير دولار. هناك تحدي إدخال التلاميذ إلى المدارس وإيجاد وظائف للبطالة التي ازدادت بفعل تدمير المصانع، لدينا الضمان الاجتماعي للعائلات التي تضررت، ولدينا إسكان الناس فمهمات الحكومة أكبر من إمكانياتها. ولهذا لابد أن تمكن هذه الحكومة من سلطة فعلية لكي تستطيع أن تحل كل هذه المشكلات وتذهب إلى انتخابات تفرز سلطة وطنية واحدة موحدة لتقاتل تفاوضيا وعسكريا وسياسيا وليس لترتاح. ليس هناك شيء اسمه المقاومة والسلطة، فالمقاومة لابد أن تكون تحت سلطة فلسطينية شرعية وموحدة. مقاومة العدوان على غزة خلفت 2200 شهيد ومن تحمل عبء القتال؟ الشعب الفلسطيني، فـ90 بالمائة من الشهداء مواطنون لا علاقة لهم بشيء والمقاومة أيضا هي صمود الشعب الفلسطيني في القدس. فالسلطة هي التي ترعى المقاومة والمقاومة جزء من السلطة.

(من حق الفصائل التعبير عن رأيها لكن لا ينبغي أن تنعكس في سلطتين أو قرارين، لأن بهذا سيسقط الجميع)

لماذا لم تطرح قضايا حقوق الإنسان والمجازر ضد المدنيين من نساء وأطفال أثناء المفاوضات حول التهدئة وطرحها في الاتفاق؟

العدوان الصهيوني حالة مستمرة منذ 73 عاما ولا يجوز أن تلخصه في 2008 أو 2014 فهو حالة مستمرة من الإقصاء والاختزال وطرد الشعب ومن التهويد ومن بناء المستوطنات ومن الجدار العازل ومن الأقصى ومن غزة... هذه الحالة العامة يريد العدو أن يختزلها في غزة، يركز عليها بالقتل والدمار لكي يحيل انتباه الرأي العام إلى غزة وإذا ما صار هناك ضرورة للحل فسيكون في غزة فقط. غزة في سجن لكن القدس أيضا والضفة في سجن، فهي محاصرة إذا كان مدخلك الوحيد للضفة الغربية هو من الأردن وعليها الجيش الإسرائيلي فهي محاصرة. نحن كنا نموت في غزة لكن أعيننا على القدس، لأن هناك مفردات تتسرب مثل الحديث عن القضية الغزاوية والشعب الغزاوي، هناك محاولة محو شيء اسمه القضية الفلسطينية أو الشعب الفلسطيني من خلال التركيز على تدمير غزة. لابد إذن من التفريق بين بنود التهدئة والمبادئ الوطنية الكبرى للصراع مع الكيان الصهيوني. أذكرك بما قام به الرئيس بوتفليقة. فالرئيس مريض وتعبان وقليل الإطلالة، لكن أثناء العدوان أطل ثلاث مرات، عندما اتصل بأمير قطر والرئيس المصري ورئيس تركيا وطلب الإسراع في تثبيت التهدئة بأي ثمن ثم مباشرة دعا إلى عقد دورة طارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة حول القضية الفلسطينية للتذكير أن هناك شيئا اسمه القضية الفلسطينية وبعدها جاءت قضية 25 مليون دولار التي قامت عليها الدنيا لأنها دعم مباشر في وقت كان ممنوعا أن يبحث الواحد مليما لنا. لا نتحدث عن دعم الجزائر غير العلني وهو دعم كبير جدا وبأشكاله المختلفة، لا يمكن الحديث عنه الآن.

(دعم الجزائر غير العلني كبير جدا ولا يمكن الحديث عنه الآن)

لكن جرى الحديث عن محاكمة جنرالات إسرائيل على المجازر التي ارتكبوها في حق المدنيين؟

أنت أثناء الصراع يجب أن تتجه بعقلانية وليس بردة فعل. أن نحاكم جنرالات العدو كان شيئا مطلوبا، لذلك بدأنا العملية وذهبنا إلى لاهاي وقابلنا محكمة الجنايات الدولية لنعرف ما هي شروط المحاكمة لنوقع على ميثاق روما، في نفس الوقت كانت لدينا مشكلة داخلية، أن بعض الفصائل الفلسطينية لم ترد التوقيع على الوثيقة، لأنك عندما تذهب إلى جنيف لم تفتح فقط الباب لمحاكمة العدو لكن فتحت الباب للعدو أيضا لمحاكمتك. ومن هنا فالتوقيع على ميثاق روما يقتضي الإجماع الوطني لهذا تأخرت الفصائل ولم توقع حتى وقعت حماس منذ فترة وجيزة وحركة الجهاد لم توقع إلى حد الآن. ومع ذلك فالمشكلة ليست هنا.

أين المشكلة إذن؟

الرئيس أبو مازن طرح فكرة منطلقها أننا قاتلنا إسرائيل لعقود من الزمن وجربنا كل أشكال التعامل من قتال في غزة لثلاث مرات ومن مفاوضات لمدة عشرين سنة ومن مفاوضات مدريد إلى إعلان المبادئ في أوسلو لكن العالم ما فتئ يتخلى عن التزاماته والرباعية المنوط بها إدارة عملية السلام لم تستطع الضغط على إسرائيل. إلى متى نسير على هذه الطريقة، حروب وقتل ودمار ومفاوضات عبثية، ولما ندخل معركة ونطلب من العرب دعمنا في شبكة أمان بمائة مليون دولار لتفادي المفاوضات العبثية فهذه المبالغ لا تصل. القدس تسقط كل يوم بالاستيطان الإسرائيلي وبشراء المنازل بمليارات الدولارات. فالرئيس أبومازن قرر أن نطرح المسألة بشموليتها، فإما أن يقبل العدو بإقامة الدولة الفلسطينية وفق إعلان المبادئ الذي يقتضي أن ندخل في مفاوضات لمدة 5 سنوات من أجل إقامة الدولة الفلسطينية، وها هي عشرون سنة انقضت وليس هناك نتيجة. لم يكن بيننا اتفاق هناك صراع. لكن نحن الآن دولة مراقبة في الأمم المتحدة، من هنا سنطرح مشروعنا لمجلس الأمن وهو أننا مستعدون للعودة إلى مفاوضات لمدة محددة على أرضية أن يكون هناك إعلان صهيوني يقول: نحن نعترف بدولة فلسطينية على أرضية أن تكون هناك مفاوضات لمدة 3 أشهر لتحديد الحدود. وإذا مارست الولايات المتحدة الفيتو، وهذا متوقع، فنحن جاهزون للخيارات المختلفة المفتوحة.. فهل الأمة جاهزة لهذه الخيارات المفتوحة؟ وافق العرب على هذه الخريطة الفلسطينية، ويوم 23 من هذا الشهر سيذهب أبو مازن إلى الجمعية العامة ثم إلى مجلس الأمن لطرح هذه الخطة الفلسطينية الشمولية لكي نأخذ قرارنا النهائي في آلية المواجهة مع العدو.

هل فيه إمكانية للعودة إلى الانتفاضة مثلا؟

نحن نقاتل من أجل الحرية خياراتك يجب أن تعتمد على إمكانياتك وقدراتك الموجودة على الأرض وليس على مجموعة من المسائل التي قد تشبع غرائزك أو عاطفتك. يجب أن تكون جاهزا وفق برنامج محكم وهذا ما نحن جاهزون له.

والأهم أن يكون تحت سلطة فلسطينية موحدة...

نحن أمام مخطط خطير جدا يستهدف تقسيم الحالة الفلسطينية. هناك برامج لفصل غزة، لكن مهما كانت هذه البرامج، فلن نسمح بحرب أهلية فلسطينية. نحن نتألم ونصرخ ونوعي وننصح، أمام انقلاب المواقف، فمرة تعتبر المفاوضات حلالا ومرة تعتبر حراما ومرة تكون الصواريخ عبثية ومرة كافرة ومرة صواريخ مقاومة. عندما توحدت العملية العسكرية على الأرض إثر العدوان على غزة التف الشعب وقدم كل ما يملك من إمكانات بعيدا عن فتح وحماس وغيرهما. عندما كانت حكومة الوفاق الوطني غطاء ولو شكليا ولما كان أبو مازن وآليتنا السياسية بوفد تفاوضي فلسطيني موحد استطعنا أن نحقق إنجازا. أثناء العدوان بقينا عشرة أيام والعالم يصفنا بالإرهاب لكن توحد آليتنا جعلنا نقلب المفاهيم. أصبح لدينا أداء سياسي موحد وأداء عسكري موحد وأداء تفاوضي موحد.

هل لمستم تعاونا دوليا عن طريق المنظمات الحكومية وغير الحكومية في مسألة المساعي من أجل محاكمة جنرالات إسرائيل؟

بعد ما تم الاعتراف بنا من الأمم المتحدة كنا في حاجة للدخول في 63 منظمة دولية. جمدنا هذا الانضمام بالنظر إلى الحالة الموجودة إلى غاية أن أعطى لنا العدو فرصة، عندما أوقف إطلاق سراح الدفعة الثالثة من الأسرى العرب، ومن ثم استمر في الاستيطان، ومن ثم كان رد الفعل بالانضمام إلى 15 منظمة دولية منها اليونيسكو ومنها اتفاقية جنيف 4 وهذه الاتفاقية تقول إنه لا يحق لدولة احتلال أن تقوم بتغييرات ديمغرافية على الأرض. والآن ملفاتنا جاهزة للدخول إلى المنظمات الأخرى حسب ما نراه مناسبا مثل محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية، ولا ننسى أن معركتنا في النهاية هي من أجل تحرير فلسطين، فبدلا من الدخول في الجزء ندخل في الكل ومن ثم نطالب بكل قضايانا بعيدا عن المساومات وأي تشويهات أو صراعات جزئية تضعف الجدار الفلسطيني، عندما يتم تشكيك الناس من بعضها البعض. نحن لا نخاف من الدخول في محكمة الجنايات الدولية بل عندنا هدف نسعى لتحقيقه بناء على المعطيات فوق الطاولة وتحت الطاولة. نحن لسنا أنابيب اختبار ولا أرانب اختبار. ما يؤسف له أنه بعد 51 يوما من العدوان على غزة صفقنا وانبسطنا لأننا حققنا وقف إطلاق النار ومدينا المدى البحري من 3 أميال إلى 6 وفتحنا المعابر الستة مع الكيان الصهيوني، ونناضل اليوم من أجل أن نفتح الميناء والمطار، بينما كان الميناء والمطار يشتغلان بين 2005 و2007 وكانت المعابر مفتوحة وكان عندنا 12 ميل بحري. العاقل هو ما يكسب شيئا ويحافظ عليه وليس من يصفق لأنه استرجع شيئا ضاع. القضية الفلسطينية هي قضية الأمة بأكملها وحالة عدم الاستقرار التي تعيشها البلدان العربية وخلق داعش والنصرة وضرب ليبيا والعراق وسوريا كلها تهدف إلى تفتيت الأمة وإشغالها عن القضية الأساسية والمركزية وهي القضية الفلسطينية، التي تضم في صفوفها المسيحي والمسلم واليهودي. هناك يهود يقاتلون من أجل القضية كما كان عندنا الحكيم جورج حبش وهو مسيحي ووديع حداد. فتحرير فلسطين هو تفكيك لعقدة المنطقة العربية فهي معركة كل الأمة.

ألا ترى أنه كلما تعمقت الانقسامات العربية كلما انعكس ذلك على الانقسام في الداخل الفلسطيني؟

منذ انطلاق الثورة عام 1965 كل الناس كانت ضدها ووضع روادها في السجون وقيل إن من يموت فيها هو كافر. لماذا رجعوا في 1987 إلى الكفاح المسلح؟ ولماذا نخوض الكفاح المسلح؟ لماذا نعود إلى الصفر ولا نحمل كل التراث النضالي الفلسطيني وننطلق من حيث وصل؟ من الطبيعي أن تختلف الفصائل من حيث الموقع والتوجهات لكن أن تقول أنا الصح وما قبل غلط فهذا تدمير للقضية. الهدف من التقسيم أن لا يبقى هناك شيء جميل نربي أولادنا عليه. ومن هنا نكون أمام جيل مهتز. نحن كشعوب عربية لدينا احتياجاتنا ولدينا قضايانا ولدينا طموحاتنا وهذا حق الشعوب.لا يمكن أن نقول إن ما تطرحه الشعوب كله غلط أو ما تقدمه الأنظمة كله غلط. كل ما في الأمر أن هناك خللا يحتاج إلى حل، خلل في التنمية وخلل في الديمقراطية لكن لماذا لا نصلح الاختلالات لأن رؤوسنا كلها مطلوبة، معارضات وأنظمة، وثرواتنا أصبحت نقمة علينا وممراتنا المائية لا نسيطر عليها. أين هي أموالنا فيم تستخدم؟ ألا تستخدم في تمويل دمارنا؟ وفي النهاية كلنا إرهاب وكلنا متطرفون. فهم دائما الخصم والحكم. أتساءل عندما أقرأ أن عدد المقاتلين الفرنسيين مع داعش فقط بلغ 950 مقاتل. كيف وصل هذا العدد إلى مواقع القتال أين كانت أجهزة الأمن والمخابرات. قس على ذلك مقاتلي الجنسيات الأوربية والأمريكية الأخرى الذين يبلغ عددهم أكثر من 4 آلاف مقاتل. هل وصلنا إلى هذه الأعداد ببساطة؟ يمنعوننا من التعبير عن ثقافتنا وإرادتنا في الحرية والحداثة ثم يصفوننا بالمتخلفين. أي أمل يعبر عنه الشارع فهو حق وأي انشغال تعبر عنه السلطة بالنسبة للضغوط الخارجية حق أيضا.

لكن الانقسامات الفلسطينية ليست جديدة..

ما يحدث اليوم في الحالة الفلسطينية والعربية ذكرني بالفترة التي كنا فيها طلابا. كانت هناك أفكار في الأوساط الطلابية الفلسطينية محورها أنه لابد من الهدم من أجل البناء من منطلق أن بناءنا ضعيف وسيئ ولا يمكن مواجهة العدو الصهيوني به فلابد من هدم هذا البناء وإعادة بناء جديد. هنا تصير معركتنا بيننا. طلبت لقاء مع المرحوم أبو عمار ليقدم لنا توجيهاته في هذه مسألة الهدم من أجل البناء. فقال إن عملية هدم بيتك المتهالك لابد وأن يشاركك فيها عدوك بغرض الهدم وليس إعادة البناء لأن هذا البيت الذي لا يعجبك لا يعجب أيضا عدوك. من يقاومك؟ أخوك الذي لا يريدك أن تهدم البيت وإذا انتصرت وهدمت البيت تجد أخاك الذي كان يقاومك قد انهزم وعندما تأتي إلى إعادة بناء البيت تجد في مواجهتك عدوك الذي أعانك على هدم البيت المتهالك.

هل يمكن أن نطابق هذه الحالة على الوضع العربي؟

بالضبط هذا هو حال الأمة اليوم، صراعات لا تنتهي وعدم وجود تنمية وعدم وجود قوة بإمكانها أن تحسم هذه الصراعات الدائرية. ذهب صدام حسين، ماذا حدث؟ لم يعد هناك عراق ناهيك عن العراق الصامد بل أصبح العراق جزءا من أزمتنا. ذهب القذافي وأصبحت ليبيا أربع أو خمس دول تتقاتل بالوكالة وما فيه ولا نتيجة. أين دور الخارج في العراق وليبيا؟ دوره بطبيعة الحال السهر على تعميق الانقسام. مصالح الناس أن نبقى هكذا مقسمين مفتتين، لا استقرار ولا تنمية. أين هي مصالحنا نحن؟ من يفكر فيها؟ فلسطين لا تزال محتلة ونظل نتهم بعضنا ونكفر بعضنا ونقاتل بعضنا، هذا عميل وهذا مفاوض وهذا مقاوم. لا أحد يملك الحقيقة. الحقيقة نمسك بها لما نتحاور ونجتمع. الهجرات التي تشهدها غزة عبر البحر وغرق المئات آلية خطط لها العدو من أجل نسف حق العودة للاجئين الفلسطينيين. مخيم اليرموك في سوريا هو المكان الوحيد الذي مات فيه 193 فلسطينيا جوعا ولا يزال المخيم محاصرا، مع كل أشكال التدمير والتضييق والقمع، هذه محاولة لإنهاء ملف اللاجئين عن طريق تدمير المخيمات وغلق كل الأبواب في وجه الفلسطيني، فيصبح لا يفكر إلا في الهجرة. وهنا تفتح أبواب الهجرة إلى أوروبا. المعركة أكبر من أن تحصر في العدوان على غزة، هي معركة تاريخية، معركة هوية ومعركة عروبة القدس ومعركة حق العودة.

(المعركة أكبر من أن تحصر في العدوان على غزة، هي معركة تاريخ وهوية وقدس وحق العودة)

ما هي الرسالة التي يمكن أن تبلغوها بهذه المناسبة؟

أريد أن أقول إننا خلاصة هذه الأمة وأمناء قضاياها، نذرنا أنفسنا مجاهدين لهذا الموضوع قدرنا أن نكون في هذه الأرض التي تسمى أرض الرباط مؤمنون أننا سننتصر. إيماننا بالله عالي، لن نيأس، إرادتنا لا تلين، سننتصر لأننا نعرف البوصلة ولهذا رؤوسنا التي تقرأ جيدا مطلوبة. الفلسطينية بحد ذاتها عقيدة لهذا مفرداتها السياسية والفكرية التي يعبر عنها وداخلها يمكن أن نكون إسلاميين أو وطنيين أو يساريين أو قوميين لكننا حالة مميزة للصراع مع عدو الأمة كلها.

التعليقات