"علاء"هرب من البطالة بغزة ليواجه الغرق في البحر..و"صفاء"عزاؤها على أنقاض منزلها الذي دمرته الحرب

"علاء"هرب من البطالة بغزة ليواجه الغرق في البحر..و"صفاء"عزاؤها على أنقاض منزلها الذي دمرته الحرب
غزة - خاص دنيا الوطن-أسامة الكحلوت
بين ركام منزلها ومنازل أبنائها الخمسة التي دمرت خلال الحرب على قطاع غزة في القرارة شرقي مدينة خانيونس ووسط خيمة صغيرة ، جلست الستينية نظيرة حميد اللحام ، تتأمل مأساتها التي حلت عليها خلال شهرين فقدت فيها خمسة منازل لها ولأبنائها ، وفقدت ابنتها الأحب على قلبها واصغر أبنائها سنا في البحر برفقة زوجها وأطفالها خلال رحلة هجرتهم من قطاع غزة إلى ايطاليا .

صمتت كثيرا قبل أن تتحدث القليل من ذكرياتها مع ابنتها المحبوبة ، حيث صدمت ابنتها صفاء اللحام " 24 عاما " بعدما جاءت لتتفقد أسرتها بعد توقف آلة الحرب على قطاع غزة ، لتجد منازل إخوتها وأسرتها مهدمة بالكامل ، فشعرت بضيق وآلم كبير لما حل بالأسرة ، ثم قامت بجمع ملابس والدتها من تحت الركام ، ووضعتها داخل منزلها الخاص الواقع بالقرب من المستشفى الاوروبى برفح لتحافظ عليه .

وبعدما قرر زوجها علاء ناجح شعث " 27 عاما "  الهجرة من قطاع غزة وإبلاغ زوجته صفاء أن الأموال التي بحوزته تكفيه لسفره لوحده ، فأصرت على اصطحابه في رحلة الموت بعد ضيق الحال وقلة فرص العمل ودمار منازل أسرتها ، وأبلغت أشقائها برغبتها في بيع أرضها التي ورثتها عن والدها ، وقام أشقائها بمنحها مبلغ من المال مقابل الأرض لتتمكن من مرافقة زوجها خلال سفره والبقاء بجانبه .

وبعد أيام من توقف الحرب وتجهيز حاجياتها ، ودعت والدتها وأسرتها وأبلغتهم بموعد مغادرتها القريب لتلتحق بزوجها الذي ينتظرها في مدينة العريش المصرية  واصطحبت معها أطفالها الاثنين براء شعث " 3 أعوام " ، وإسراء " عام " ، وكان ذلك اللقاء الأخير مع أسرتها والأسرة خرجت ولم تعد ولم تصل اى أخبار عنهم .

وبالقرب من مستشفى الاوربى يقع منزل المفقود علاء شعث، حيث حصل على شهادة البكالوريوس بتخصص تعليم اساسى ، ولم يتمكن من الحصول على اى فرصة عمل طوال خمسة سنوات لم يدخر جهدا في التوجه للمؤسسات ، رغم أن معدله التراكمي 76 %، يؤهله للدخول في الامتحانات العامة للتوظيف ، وبدأ الأمل يتلاشى بالحصول على وظيفة بعد إنجابه طفلين وعدم تمكنه من الحصول على عمل وتنامي رغبته في الهجرة من قطاع غزة بحثا عن حياة ومستقبل وعمل أفضل  .

وأقامت أسرة علاء بيت عزاء لاستقبال المعزيين بعد فقدان الأمل في العثور على ابنهم علاء وزوجته وأطفاله أحياء بعد انقطاع أخبارهم أكثر من أسبوع داخل البحر بعد غرق القارب بهم خلال رحلة الهجرة ، وتوافد الأقارب والمنظمات الفلسطينية على تعزية والده وأسرته .

وبحرقة وحسرة استذكر ناجح حماد شعث " 56 عاما " والد المفقود علاء  لدنيا الوطن بعض التفاصيل التي دارت مع ابنه قبل خروجه من القطاع ، قائلا " بحث ابني كثيرا عن فرصة عمل حتى لو كانت بمبلغ 500 شيكل ليعتاش منها ويصرف على أطفاله ، وعمل سائقا على سيارة أجرة وبعد انقطاع البنزين المصري رخيص الثمن من قطاع غزة لم تعد السيارة تلبى احتياجات أسرته ، فباعها بخسارة تقارب 600 دينار اردنى ، وتوجهت لكل الدوائر الرسمية في القطاع التابعة لفتح سابقا وحماس حاليا لتمكينه بالحصول على فرصة عمل ولكن دون جدوى " .

ويشير "أبو علاء" الذي عمل سابقا في مجال البناء والمقاولات انه كان يرعى ابنه وأسرته ويساعده ماليا ، ولكن لم يكن بإمكانه مساعدته مثلا في تغطية مصاريف العلاج ، نظرا لعدد أسرته الكبيرة والتي تحتاج طلبات كثيرة باستمرار وتوقف العمل في الوقت الحالي نظرا لإغلاق المعابر .

وتابع " لم يتمكن ابني علاء من العمل في الأعمال الشاقة مثل البناء لأنه يعانى من عدم إفراز العرق من الغدة الدرقية التي تفرز العرق من مسامات الجلد  وضعف النظر ولا يوجد لها علاج  ولا يتمكن من الوقوف في الشمس كثيرا ، وقابلت الكثير من الشخصيات الهامة وقلت لهم عندي 7 أبناء خريجين وظفوا لي علاء وشكرا لكم ، وبإمكانه العمل مدرس لأنه إنسان متعلم ومثقف ، ولم أجد من يعامله كحالة إنسانية " .

وبعدما ضاقت بـ"علاء" كل السبل قرر الهجرة قبل الحرب ، وعندما شنت إسرائيل عدوانها على قطاع غزة تأجل الموضوع فترة شهرين ، وبعد توقفها توجه للعلاج في مصر ، ومن ثم التحقت زوجته وأطفاله به والتقوا في العريش ، بعدما ابلغ أسرته نيته الرحيل للبحث عن مستقبل وحياة أفضل في دول أوروبا أو بالقرب من شقيقته التي تقيم في ألمانيا ، واصطحب معه مبلغ 3000 دولار لتسلميه للمهربين هناك .

وقال أبو علاء انه لن يسامح المسئولين الذين اجبروا ابنه وأسرته على الهجرة من قطاع غزة ، وفقد الأمل بعودة ابنه على قيد الحياة بعد مرور أكثر من أسبوع على فقدانه داخل البحر ، ولم يجد أبو علاء أشخاصا على قدر المسؤولية لمتابعة ملف المفقودين داخل البحر والبحث عنهم ومحاسبة من قاموا بإغراقهم.

وبعد بكاء شديد تمكنت شهيرة شعث والدة المفقود من الحديث عن عدم رغبتها في سفر ابنها الذي أصر على الهجرة من غزة ، وقالت " لم أرضى عن هجرته ومع إصراره ليس بامكانى الوقوف في وجهه ، بعدما قال لي انه خارج في سبيل الله للبحث عن عمله ورزقه وقوت أطفاله ،  وحينما توجه للمؤسسات بصحبة أوراقه الطبية بحثا عن عمل قالوا له أنت شاب طويل عريض بإمكان البحث عن اى عمل بعيدا عن تخصصك ".

وبعدما نشر خبر غرق سفينة الأحد التي كان على متنها علاء وأسرته ، بدأ الخوف والترقب من كل اتصال يدب في قلوب عائلته رغم محاولة استبعاد غرقه ، وبعد مرور عدة أيام على عدم اتصاله بأسرته بدأ اليقين يرسم خيوطه داخل الأسرة بوفاة علاء وزوجته وابنيهما وقاما بفتح بيت عزاء قبل يومين بعد أداء صلاة الغائب عليهم ، حيث تم الإعلان عن نجاة 8 أشخاص فقط من بين 400 مهاجر كانوا على القارب ،في حين قامت عائلة زوجته صفاء بفتح بيت عزاء على انقاض منزلها المدمر.

وتمر الساعات والدقائق سريعا على عائلة شعث حتى اللحظة تناجى رب الكون بان يأتي يوما يسمعون فيه الأخبار السارة عن ابنهم وأسرته ، حيث تنهمر دموع الأب لحظة صلاة الفجر كل يوما مفتقدا ابنه علاء ، فيما لم تتوقف الأم عن البكاء ، كما تم إغلاق غرفة علاء الخاصة خوفا من فتح باب الأوجاع عليهم من جديد وتذكر ابنهم وحياته ورؤية حاجياته الشخصية دون أن ترى ابنها في المكان .

وقالت وسائل إعلام يونانية أن السفينة انطلقت من شواطئ الإسكندرية بمصر تعرضت للإغراق المتعمد من قبل عصابات التهريب ، بعد أن صدمتها سفينة أخرى في إطار خلافات بين المهربين ، وقدرت عدد الأشخاص الذين كانوا على متن السفينة الغارقة 400 شخص ، واعتبرتهم منظمة الهجرة الدولية في عداد المفقودين .

وطالب اهالى المفقودين الحكومة الفلسطينية والمؤسسات الدولية بمتابعة ملف أبنائهم بمسؤولية كاملة ، والتوصل مع الدول الأوربية للكشف عن مصير المفقودين بعد اختلاف الروايات الإعلامية .






التعليقات