هوية فلسطينية منسوجة بتراب سوريا

هوية فلسطينية منسوجة بتراب سوريا
رام الله - دنيا الوطن
 شذى غضية
" نفسي أرجع على سوريا "، كلمات أمتزجت بالإشتياق و الحب، قهوة الشام و ياسمين الشام و حاراتها القديمة، أمل تكسر في عيون ساكنيها، عصارة الحزن تجمعت في قلوب أهل الفرح، و زهور الإنتماء تركت مكانها أشواك الهجرة.

محمود عامر ابن ال 18 عاما، فلسطيني الهوية و الدم، سوري التراب و المنشأ، شاب ترعرع في أحضان مدينة درعا السورية، حلم الإستقرار تحطم من أول قذيفة سقطت على أرض هذه البلاد، عائلته كانت مكونة من 7 افراد قبل أن تتجزأ.

يقول محمود أن الحرب كانت سبباً رئيسياً لترك تراب سوريا رغم تعلقه و اخوته بها جداً، توجه الى فلسطين مع أخوه معاذ لترميم بقايا المستقبل المتصدع من خلال العمل و إكمال الدراسة.

و أضاف " انفتحت أبواب الهجرة للسوريين وخاصة الفلسطينيين، كانت مؤامرة دنيئة تهدف الى إبعادنا عن أرض فلسطين لجعلها تخرج من الذاكرة، وماذا تنتظر من شعب مغلوب على أمره !، أمامه خياران إما الموت و إما الهجرة" .

عاد محمود الى وطنه فلسطين، هو الان يعمل و يدرس اللغة العربية في الجامعة، وعلى الرغم من صغر سنه إلا أن خوف والديه دفعهما لخطبته من فتاة سورية حفاظاً عليه من السفر وضياع مستقبله في أوروبا، حيث كانت اوروبا الخيار الأول لهجرته نتيجه الإمتيازات الجيدة و المستقبل الواضح، و وصف محمود هذا القرار بالخاطئ و المتسرع، لأنه صغير على هذه المسؤولية الصعبة.

" أجتزتُ الثانوية العامة بنجاح بعد تعب و أيام مريرة، كنت أخرج من منزلي ولا اعلم إن كنت سأعود أطرق بابه من جديد أم أن الموت سيكون أسرع، 18 عاما انا الآن، و أصبحت خدمة العلم السورية واجب عليّ، فقررت أن آتي الى فلسطين بعد مخاطرة كبير" .

كان يعلم محمود أن خروجه من سوريا سيولد في قلبه اشتياقا قاتلا لعائلته، حيث تركهم ورائه في مكان بعيد عن الأمان رغما عنه، و عقب على هذا الموضوع بقوله " حادثت عائلتي قبل قليل، و إذا بقذيفة جاءت بجانب بيتنا و خلعت ألواح الزينكو من مكانها، لكن الله حفظهم من كل شر" و أشار محمود الى أن بيتهم يقع بجانب حاجز للنظام وهذا يجعل الحال أقسى و أصعب.

" شجرة الرمان و شجرة العنب، مازالتا ذكرى جميلة تحمل رائحته، فقد كانت هدية مميزة منه وشامخة الى الان " عبارة قالها محمود وهو يعتصر قلبه الماً على فراق صديق عائلتهم الذي مات نتيجة صاروخ سقط عليه وهو يبيع البنزين، مما أدى الى إحتراق جثته بالكامل و اختفائها من شدة الإنفجار، و أستكمل سيناريو الألم بوفاة صديق طفولته الذي كان يهرب من بيت لبيت خوفا من القصف، الا أن اجله كان اسرع من خطواته القافزة، و نبضات قلبه المتسارعة، فقد كانت القذيفة قاسمة لظهورنا قبل جسده.

الإستقرار، هو الحلم الذي وصفه محمود بالمستحيل، هي أبسط الحقوق و أصعبها، خوف و فزع أصاب اهالي سوريا خلال الفترة الماضية، ولكن محمود يرى في سوريا حياته، و أكد أنه سيعود يوما بعد هدوء الأوضاع، أما فلسطين بالنسبة لمحمود تمثل الطيبة التي رُسمت في وجوه أهلها، وصفها بالحب و الجمال، و كانت إحدى امنياته أن يزور كل بقعة فيها.

(حـماةَ الـديارِ عليكمْ سـلامْ..أبَتْ أنْ تـذِلَّ النفـوسُ  الكرامْ..عـرينُ العروبةِ بيتٌ حَـرام..وعرشُ الشّموسِ حِمَىً لا يُضَامْ)
النشيد الوطني السوري يروي حكاية أمان و سلام، صور المحبة ستظل مطبوعة في قلوب أهلها، سوريا ستحفظ في ذاكرتها كل مهاجر حتى يعود، فلن يكون للمواطن وطن سوى وطنه.

التعليقات