أما من تحالف متين يُنهي مأساة فلسطين

أما من تحالف متين يُنهي مأساة فلسطين
بقلم:آصف قزموز

ها هي سيناريوهات التحالفات الدولية تتقاطر، في غير قضية وفي غير مكان من العالم، لكن لا يجوز لأي منا، أن يساوره أدنى شك، بأن هذه التحالفات لا تُبنى إلاَّ على أساس تزاوج وتوازن المصالح القائمة ما بين الأطراف المقررة وصاحبة السطوة والنفوذ والوزن الدولي الماكِن، وما تبقى من المكونات هي مجرد أدوات تنفيذ وكسور حافظة لقيمها في المعادلة، بعضها يطمع في حفظ رأسه مقابل كل شيء تحت شعار "حايد عن راسي بسيطة"، وآخرون يطمعون بدور إقليمي يحفظ مصالحهم السياسية والطائفية الضيقة ويميزهم عن أترابهم وجوارهم المحيط في المنطقة.
لكن من الملاحظ أن بناء التحالفات الدولية لحسم الصراعات المستعرة في الدول المختلفة من المنطقة، يأخذ بالحسبان والحسابات شق المردود المتأتي عن ذلك لحسابه، دون أن يأخذ الشق المتعلق بمحاسبة وتغريم وتجريم المتسببين بتلك النكبات والحروب الواقعة على رأس الشعوب، بكل ما تعنيه الكلمة من جرائم حرب وهدم وتدمير بكل الأشكال والمعاني الإنسانية والمادية. وهنا دعوني أقول: أو ليس ذات الذين نستقدمهم لتخليصنا من "داعش" وغير "داعش" هم الذين صنعوا لنا هذا "الداعش" بكل أشكاله وأسمائه الحركية المختلفة من بلدٍ الى بلد، أي يصنعون لنا البُعْبُع الذي يخيفنا ليأتوا ويستثمروا سياسياً واقتصادياً في عمليات تخليصنا وتحريرنا المحسوبة مسبقاً بالورقة والقلم وعلى داير مليم. ولا أظن أنني أفشي سراً حين أقول بأن "داعش" التي تُجيَّش الجيوش لمحاربتها والقضاء عليها، وهي تعتدي على حريات الناس وحياتهم واستقرارهم، وتدمر معالم تاريخ وحضارات الشعوب المسيحية منها والإسلامية، لا سيما حين يرتكبون الجرائم وعمليات الهدم والذبح باسم الإسلام والإسلام من كل هذا براء، وتظهر بمظهر الخصم المجابه للنظام في سورية مثلاً، وتقوم في ذات الوقت ببيع برميل النفط السوري الموجود تحت قبضتها بمبلغ 25 دولاراً أميركياً للحكومة السورية العدوَّة المفترضة، وفي رواية أخرى لتركيا أيضاً. وفي هذا الأمر ما يحمل مضامين وتجليات خطيرة لبانوراما الحرب المعلنة على هذا التنظيم المتطرف حد الإجرام، إذن في الوقت الذي يمكن أن نعتبر فيه هذا التنظيم مطلوباً للعدالة الدولية، فإنه يلعب في ذات الوقت دوراً هاماً في إدامة صراع الفوضى الخلاقة صاحبة ما سمي بالربيع العربي الذي لم تنته مهمته بعد، فهو يحارب النظام ويطيل في عمره عندما يقدم له الوقود اللازم لهذه الاستمرارية المرسومة، وبالتالي هو عدو مطلوب للعدالة من جهة، وعنصر لازم وضروري لإدامة الصراع ولسيناريوهات الطالبين المتربصين المفترضين به من جهة أخرى.
هذه هي إحدى تجليات التعقيد في خارطة الصراع الدائر في بلدان المنطقة والشرق الأوسط عموماً، فالشعوب هي الضحية ودافع الثمن الدائم، وما أشبه اليوم بالبارحة، فها نحن اليوم نستذكر مجزرة صبرا وشاتيلا والاجتياح الإسرائيلي الواسع على لبنان في العام 1982 ، فقد تأتى عن تلك المجازر وذاك العدوان إزهاق آلاف الأرواح البريئة من الفلسطينيين، تبعها عمليات هجرة وتهجير في صفوف الفلسطينيين استوعبتها الدول الاسكندنافية بوجه خاص والأوروبية الغربية عموماً، فكان ما كان وجرى ما جرى ووصل الحال بنا الى ما نحن فيه اليوم، وها هي حرب غزة التي أشعلها العدوان الاسرائيلي على مدار خمسين يوماً، بعد أن حصدت الآلاف من الأبرياء المدنيين، وسحقت ودمرت الآلاف من البيوت، وأتت على حياة عائلات عن بكرة أبيها، ويعيد التاريخ نفسه لنصحو على هول كارثة إنسانية، التهمت مئات الفلسطينيين الفارين من جحيم الحياة المُرَّة في غزة وبتواطؤ قذر من بعض تجار الحرب والسياسة، ليقضي هؤلاء غرقاً في عرض البحر الأبيض المتوسط. نعم إنها المأساة الفلسطينية والتاريخ الفلسطيني الذي يعيد نفسه في أتون المعركة الجريمة.
واليوم تعلن الأمم المتحدة عن نجاحها في التوسط للتوصل لاتفاق مبين بين الفلسطينيين والإسرائيليين حول إعادة إعمار غزة، معلنة في الوقت نفسه صدمتها من حجم الدمار والخراب الذي خلفه عدوان الخمسين يوماً على غزة، مضيفة وعلى لسان أمينها العام بان كي مون، أن المجتمع الدولي ليس مستعداً لتقديم المليارات لإعادة إعمار غزة من دون ضمانات بوجود سلام دائم.
هذا كلام جميل ومطمئن يُشكر أصحاب الفضل فيه على فضلهم، ولكن إلى متى ستستمر هذه المأساة الملهاة وتوزيع الأدوار في التدمير وإعادة البناء لحساب أجندات السياسة الممولَة من دماء الضحايا الأبرياء تحت سطوة وسياط مشعلي الحروب المحتلين والميسرين المسهلين المساعدين على إشعالها في غير مرة. لماذا لا يكون التحالف الدولي حازماً كما يفعل وفعل في غير مكان من العالم، ويوجه طاقاته في ذات الوقت لوضع حد لاستمرار مثل هذه الاعتداءات ويضع نهاية للاحتلال الاسرائيلي ؟!.
أي مرحلةٍ هذه وأية صورة مرتبكة ومتداخلة لهذه الصراعات التي باتت تمتطي صهوة الأديان والطوائف والمذاهب، لتطحن الشعوب والأرواح البريئة على هذا النحو المختلط ما بين الوطني واللاوطني والخصم والحليف وازدواجية الصفات والأدوار لدى كل هؤلاء، ما يذكرني بقول الشاعر أبو الطيب لسيف الدولة: "فيك الخِصام وأنت الخَصمُ والحَكَمُ". كيف لا ونحن في زمن التفكك والانقسامات والتحولات والتحللات والاحتلالات، و"داعش" تربض بين ظهرانينا والخصوم منا وعلينا وفينا؟ مع أننا، "سوا ربينا سوا مشينا سوا قضينا ليالينا، معقول الفراق يمحي أسامينا واحنا سوا سوا ربينا".
أي سلوكٍ مجرم هذا الذي يتم باسم الإسلام والمسلمين، وتنتهك فيه حرية العبادة، ويذبح فيه الشيخ والمرأة والوليد من الوريد الى الوريد، وينتهك فيه شرف الناس وأعراضهم وكل هذا باسم الإسلام، علماً أن في هذه الممارسات أكبر حرب على الإسلام والمسلمين وليس العكس.
لقد آن للمجتمع الدولي والأمم المتحدة أن يخرجوا ولو قليلاً من جلباب المصالح الاستعمارية، وتعود هذه المنظمة لدورها الحضاري الأصيل الذي قامت من أجله، لينزعوا نحو خلق اصطفافات دولية جادة تنهي الاحتلال وتطلق الأمل في نفوس الشعوب التي فقدت الثقة بهذه المنظمة الدولية الى حدٍّ بعيد، وتحميها من كل هذا الظلم والهوان الذي ما زال يتعرض له بنو الإنسان في كل مكان.
فإلى متى ستبقى حياة الناس مرهونة تحت رحمة وتوافق الأجندات والمصالح الغريبة، فتذبح الحرية والديمقراطية وحياة الإنسان في أتون صراعات وحروب عنوانها الديمقراطية والحرية.
فالسرقة هي سرقة والجريمة هي جريمة سواء ارتكبت بحق عدو أو صديق قريب أو بعيد، والقتل والذبح بحق أي إنسان كائناً من كان هي جريمة لا تغتفر، وتتنافى مع أخلاق ونصوص الأديان والقوانين السماوية والوضعية، ولا بد من وقف هؤلاء المتطرفين حد الإجرام عن أفعالهم المنافية لمكارم الأخلاق وروح الأديان والشرائع السماوية، التي يغلفونها بغلاف الدين والشرف، واجتثاث مرتكبيها باتت مهمة الجميع بامتياز.
لقد حق القول، بأن من باب أولى، أن تسعى الأمم المتحدة لإنشاء تحالف دولي، يُلزم إسرائيل بإنهاء الاحتلال، لكن بما أن المصالح أولاً وعاشرا هي العنصر الناظم والمحدد لمثل هذه التحالفات وأي تحالف، فإن قيام تحالف ينهي الاحتلال، لن يقوم إلا عندما يوضع حد لتجار الدين وتجار الحروب ويستبعدون ويعزلون، وعندما يصبح لأطراف التحالف بما في ذلك إسرائيل مصلحة جدية واستراتيجية في ذلك، وهذا كله بحاجة لتحالفات نظيفة وتعاون من قبل جميع الأطراف المعنية، أو يدفع العرب ثمناً مناسباً ومغرياً للمحتل الإسرائيلي، يعني زي ما تقولوا خْلُوّ رِجِل حيشاكم.

[email protected]

التعليقات