أحلام "الطيّار" وائل توقفها رصاصة "جولاني" وأشرف نسج "المقاليع" من بطانيته!

أحلام "الطيّار" وائل توقفها رصاصة "جولاني" وأشرف نسج "المقاليع" من بطانيته!
رام الله - دنيا الوطن
وثقت الحلقة السادسة عشرة من "كواكب لا تغيب" لوزارة الإعلام في طوباس والاتحاد العام للمرأة حكاية الشهيد الطفل وائل محمد الشوبكي، الذي قضى على سطح منزل شقيقه برصاصة أطلقها قنّاص مما تسمى وحدة "جولاني" في الخامس من كانون الثاني 1990.

يروي شقيقه الأربعيني خليل: كنت عائدًا من معهد قلنديا، وتوجهت للعمل في تمديد الكهرباء لمنزل بمخيم الفارعة، وحينها لحقني وائل، وعندما سمعت بوجود جنود مشاة في الأزقة والأماكن المحيطة ببيوت المخيم، طلبت منه أن يرجع لبيتنا، خشية أن يتعرض للأذى.

حملت مخه بيدي!

يضيف: حينما وصل المنزل، وكان الوقت ظهرًا، أعدت له أمي سندويشة زعتر، وصعد لسطح المنزل ليأكلها، لكن أحد قناصة جنود الاحتلال الذين كانوا يتواجدون في مقبرة المخيم، أطلق على رأسه رصاصة من مسافة 150 متر تقريبًا، فسقط على الفور. وعندما وصلني الخبر أسرعت للمكان، وشاهدته يسبح في دمه، ولم ينطق بكلمة واحدة، وحملت أجزءًا من مخه بين يديّ، وأسرعنا لإيصاله إلى المستشفى بنابلس أنا وأحمد الزين وعبد المنعم مهداوي من وسط بيارة البرتقال، وأوصلناه إلى سائق سيارة الإسعاف علي شاهين، لكنه فارق الحياة قبل أن يصل لمنطقة الباذان.

ووفق ما تختزنه ذاكرة الشوبكي، فإن شقيقه كان أبيض البشرة، وبعيون زرقاء، وأحب الشعر الطويل كثيرًا، وكان ممتلئ الجسم، وحلم دائمًا أن يصبح طيارَا، وكان يقتني ألعاباً لسيارات وطائرات فقط، وأتقن فن الرسم ببراعة، وأنضم لفريقي كرة القدم والطائرة بالفارعة، فيما لا زالت كتبه المدرسية لصفه الثامن تعيش في بيت عائلته.

يسترد: كنا نمضي أوقاتًا طويلة معًا في بيارة الحمضيات التي عمل بها والدي، وقضينا فيها أوقاتًا طويلة، وكنا نلهو في بركة السباحة، وأحب كثيراً ركوب فرس والدي، رغم صغر سنه. وحينما يعلم بوصولي من قلنديا، كان يسرع من طرق التفافية صعبة؛ لإخباري بوجود جيش الاحتلال في المخيم حرصاً على سلامتي وعدم اعتقالي.

ضحكات ودموع

يضيف خليل: عملت داخل الخط الأخضر، واصطحبت وائل للنزهة، واشتريت له طائرة، وكنت أشتري له ملابس العيد، ويذكرني دائمًا بأنه لا يحب غير الملابس الشتوية البيضاء. ولا أنسى تحسسه الشديد حين كنت أقترب من خاصرته، وهي العادة التي كنا أكررها لنسمع ضحكه المتواصل، وأردد موقفاً طريفًا حصل معي، حين وضع الفحم في ظهري على غفلة، وسوّد ثيابي، لكنني اليوم أبكي عندما أتذكر هذه المواقف.

ووائل هو الابن الأصغر لعائلة من سبعة أبناء وسبع بنات، فيما توفي والديه، والأحزان تسكنهما؛ وظلا ينكران رحيله لسنوات طويلة، فيما بقي أخوته يتذكرون لحظات  انتظاره للرسوم المتحركة ( توم وجيري) و( مغامرات السندباد)، وحبه للمقلوبة والملوخية.

يتابع: حين استشهد أخي خرج المخيم عن بكرة أبيه، ودفن بجانبه ثلاثة شهداء سقطوا في الفترة ذاتها، وبرصاص وحدات "جولاني" نفسها. ولم نُصدق أنه رحل عنا، فقد كان الُمدلل بالعائلة لصغره، ولخفة دمه، وضحكاته التي لا ننساها.

ووفق الرواي، فإن والديه رفضا السماح لأولادهما بتسميه وائل من جديد، وبالكاد وافقوا على اسمين لأخي وأختي بعد سنوات طويلة من استشهاده، لكن أحدًا منهما لم يشبه وائل في شخصيته ومرحه وأحلامه وطباعه الأخرى.

ابتسامات وألعاب

وتتبعت الحلقة ذاتها ملامح من حكاية الشهيد أشرف حمزة دراغمة، الذي ولد عام 1972، وسقط في ربيع 2002، بمدينة طوباس. يقول شقيقه الخمسيني عمر: كان أخي يحب مساعدة الآخرين، ويبتسم في أصعب الظروف، وخلوقاً، ومتفوقاً في دراسته، وطويل القامة، وأبيض البشرة، وبشعر أسود، وكان يلعب في طفولته ( جيش وعرب)  وهي اللعبة التي ينقسم أطرافها إلى فريقين متصارعين يلاحقان بعضهما البعض. وتنقل في وقت مبكر من شبابه بين معتقلات الاحتلال، وتعرض لاعتقال إداري لأربع سنوات متواصلة، وعمل في الزراعة، وتجارة القهوة، والدفاع المدني.

حرفة

يتابع: تحفل طفولة أشرف بالقصص، فقد انخرط في فعاليات انتفاضة الحجارة عام 1987، وكان بارعًا في صناعة "مقاليع الحجارة" (وهي الأداة التي كانت تستعمل لإلقاء الحجارة على جنود الاحتلال لمسافة أطول مما تقدر عليه اليد) لدرجة أن والدي استغرب من تناقص بطانية الصوف التي كان يتغطى بها، وصار يراقب الأمر، إلى أن عرف السبب، إذ كان وائل يسحب خيوط الصوف منها، ويصنع "المقاليع" ليوزعها على أصحابه.

ووفق عمر، فإن شقيقه تعرض للمطاردة سنة ونصف، وفي الخامس من نيسان 2002، أحس بتحركات لجنود الاحتلال حول بيت صديقه منقذ صوافطة، فأسرع لتأمين طريق لأطفال صاحبه، وزوجته، وأوصلهم لبيت آمن، ورفض عدم العودة حيث كان يجتمع مع خمسة من رفاقه، وبعد وقت قصير من رجوعه حاصرهم الاحتلال وخاضوا اشتباكًا مسلحًا مع الجنود، وسقط ستتهم إلى جانب الطفلة دنيا إبراهيم صوافطة، التي كانت تقف بجانب نافذة منزل جدتها.

معرض مفتوح

بدوره، أشار منسق وزارة الإعلام في طوباس عبد الباسط خلف، إلى أن "كواكب لا تغيب" سيكون أيضاً اسم معرض مفتوح ودائم لمقتنيات الشهداء ومشغولات الأسرى، تسعى الوزارة وجامعة القدس المفتوحة والاتحاد العام للمرأة والمجلس الأعلى للشباب والرياضة على إطلاقه، في مركز الشهيد صلاح خلف، الذي كان معتقلاً للاحتلال خلال انتفاضة الحجارة.

وأضاف أن المعرض سيساهم، بعد أن يرى النور، في تسليط الضوء على الجوانب الإنسانية من حياة الشهداء والأسرى، وسيعيد التذكير بهم من خلال ملابسهم ومذكراتهم وألعابهم ومشغولاتهم اليدوية، وسيتجاوز سردهم مجرد أرقام صماء، كما سيضم متحفاً للحركة الأسيرة في زنازين السجن وأقبية التحقيق نفسها التي كانت شاهدة على التنكيل بالشبان لسنوات طويلة.

  


التعليقات