حي الشجاعية في خطوط الدفاع الاولى

حي الشجاعية في خطوط الدفاع الاولى
حي الشجاعية في خطوط الدفاع الاولى
مدحت حلس
حي الشجاعية من أكبر أحياء مدينة غزة، ويقع الى الشرق مباشرة من مدينة غزة وينقسم إلى قسمين الشجاعية الجنوبية (التركمان) والشجاعية الشمالية (جديدة)، حيث الحدود الشرقية مع الخط الفاصل لدولة الاحتلال الاسرائيلي, يقارب سكانه 120 الف نسمة, معظمهم من المواطنين, بُنى الحي خلال عهد الأيوبيين، وينسب في تسميته إلى "شجاع الدين عثمان الكردي" الذي استشهد في إحدى المعارك بين الأيوبيين والصليبيين سنة 637 هجري/1239 ميلادي, وقد أنتصر المسلمون في هذه المعركة وبعد معركة حطين . الشجاعية تحتوي على العديد من الهياكل القديمة والمساجد والمقابر . تبعد مقبرة الحرب العالمية الاولى 2 كيلومتر (1.2 ميل) إلى الشمال من المركز التجاري في الحي.
اشتهر حي الشجاعية بكرم اهلها وشجاعتهم عبر الازمان, وتميز اهلها بانتمائهم لحيهم وحبهم له, حيث تربطهم به ذكريات ابائهم واجدادهم, وفي سنوات الخمسينات والستينات كان معظم سكان حي الشجاعية من المزارعين الذين ارتبطوا بالأرض وتعلقوا بها كما يتعلق الطفل بأمه, فبساتين وحقول البرتقال والزيتون والنخيل كانت تكسوا معظم اراضيها.
تغيرت معالم حي الشجاعية بعدما زاد عدد سكانها الى قرابة 120 الف نسمة. فعدد السكان المتزايد والحاجة الى البناء والتوسع حرم الحي من معظم مساحاته الخضراء, ولم يبقى به سوى القليل من الدونمات التي تقع في شرقه, والقليل من المساحات الضيقة الملاصقة لمنازله.
لحي الشجاعية محطات تاريخية حافلة بالسجلات البطولية ويعتبر هذا الحي حامي البوابة الشرقية لمدينة غزة, والتاريخ يشهد لبسالة رجاله وشبابه في مواجهة حروب الاحتلال الاسرائيلي في عام 48,56,67 على فلسطين وحتى تاريخنا هذا.
ومع ان النصر لم يحالف الجيوش العربية في هذه الحروب, الا ان التاريخ يشهد لبطولات ابناء هذا الحي في التصدي للقوات الغازية, ولا تزال عائلات الشجاعية تحتفظ بصور شهداء هذه الحروب وتعتز بهم.
لقد هب الحي في بدايات الانتفاضة الاولى والثانية في مواجهة الاحتلال بالحجارة و بالسلاح في انتفاضة الأقصى, ونفذ ابنائه عمليات نوعية داخل الخط الاخضر, كما تعرض هذا الحي لعدة اجتياحات من قبل القوات الاسرائيلية وفي ظل وجود السلطة الوطنية الفلسطينية, ووصل عدد الاجتياحات في معدلها الى اربعة مرات شهرياً, وكان في كل اجتياح اسرائيلي يفقد هذا الحي ما يقارب 20 شهيد, وعدد كبير من الجرحى . كما دمرت الاليات العسكرية كل بيوت المواطنين القريبة من الحدود, ولم تسلم المناطق الزراعية شرق الحي من دمار الاليات العسكرية الاسرائيلي التي لم تبقي شيء منها, فاقتلعت اشجاره ودمرت اباره ومزارعه, وفي كل مرة كان يعود المزارع لإعادة ارضه وزراعتها, يعود المحتل الاسرائيلي لتدميرها كما الحال على كل الشريط الحدودي لقطاع غزة.
يعود هذا الحي ليواجه المحتل كما اعتاد على مواجهته في كل مرة, الا ان هذه المرة يبدو ان الاحتلال الاسرائيلي قد اعد مسبقاً خطة للانتقام من قطاع غزة بأكمله, ووضع بعض المناطق وخاصة المناطقة الحدودية التي منها حي الشجاعية, في محرقة لم يشهدها هذا الحي ومثيله من الاحياء الحدودية من قبل, خاصة ان هذه المناطق باعتبارها مناطق تماس مع الاحتلال الاسرائيلي, وقد اوقعت بجيشه خسائر فادحة من خلال قتل وجرح العديد من جنوده عبر المواجهات العنيفة والعمليات الشجاعة للمقاومة الفلسطينية.
لقد تعرض حي الشجاعية في هذه الحرب الى مجازر لم يسبق لها مثيل, ففي ليلة العشرون من شهر يوليو لعام 2014, تجمعت ارتال من دبابات العدو الاسرائيلي على الحدود الشرقية من الحي, وغطت سمائه طائرات الاستطلاع الحربية وطائرات ال اف 16 , وانهالت اليات الاحتلال الاسرائيلي وطائراته بقذائفها الصاورخية على الحي, ولم يتمكن ابناءه من اختلاس ولو لحظة واحدة من النوم لشدة القصف الذي لم يسلم بيت من شظاياه المتطايرة,
لقد كانت ساعات قليلة من حياة سكان الحي, لكنها الاطول لشدة ما شعروا به من خوفهم على انفسهم وعلى اطفالهم , وتجمعت الاسر حابسة الانفاس داخل غرف منازلهم في الطوابق السفلى ( الارضية) , ولم تمضي ثانية واحد الا وقذيفة يسمع دويها بصوت عال ومرعب, وعلى الرغم من انقطاع التيار الكهربائي في الحي بأكمله, الا ان طائرات الاحتلال الاسرائيلي اطلقت عدد كبير من مصابيح الانارة التي جعلت سماء غزة وارضها منارة بضوء احمر, كي يتمكنوا من رؤية أي شيء متحرك على الارض ليجهزوا عليه بقذائف طائراتهم.
ومع طلوع النهار وفي الساعات الاولى من الصباح, اشتد القصف على الحي ولم يترك هاتف خلوي في الحي الا وتلقى رسالة من قوات العدو الاسرائيلي تطالب بالخروج من الحي وتهدد من سيبقى به بتحمل مسؤولية حياته, بدأت حارات وشوارع الشجاعية تمتلئ بالعائلات المتوجهة الى غرب المدينة والى اماكن ترى فيها الامان, خرجت هذه العائلات من بيوتها في وضع لم يتوقعه احد, خرجت ومعها اطفالها وشيوخها تملئ شوارع المدينة بالمئات, ولم تتمكن هذه العائلات من اخذ ما يلزمها من ملابس لها ولأطفالها ولا من اغطية, وتوقعت ان تعود الى بيوتها بعد انقضاء هذه الليلة السوداء, جزء كبير من هذه عائلات نزحت وهي لا تعرف الا اين تتوجه, وجزء اخر لجئ الى اقارب له في غرب المدينة وشمالها وجنوبها, والى الاماكن التي يروا انها امنة الا حد ما, واخريين لجأوا الى مستشفى الشفاء, والى وكالة الغوث التي فتحت مدارسها امام العدد الكبير من النازحين لتأويهم من خطر قذائف الاحتلال الاسرائيلي الذي حدد اهدافه لقتل اكبر عدد ممكن من المدنيين.
خرج النازحين من الحي وسط جثث الشهداء الملقاة على الارض, ووسط البيوت المدمرة واكوام الركام الذي اغلق بعض الشوارع, وفي هذه الليلة سقط عشرات الشهداء من عائلات واحدة ولا سيما في المناطق الاكثر قرباً من الحدود مع دولة الاحتلال الاسرائيلي, وبهذه الليلة وحدها سقط اكثر من 130 شهيد.
خروج ابناء الحي يعيد مشهد نكبة ال48 , لقد ابكى هذا اليوم الكثيرين, لكن ابناء الحي خرجوا وتركوا خلفهم ابنائهم من المقاومين الاشداء الذين استعدوا لملاقاة العدو بكل يملك من اسلحة دمار فتاكة, معتمدين على الله اولاً وعلى ايمانهم العميق بقضيتهم العادلة, واوقع المقاومين المرابطين شرق حي الشجاعية وفي الخطوط الامامية خسائر فادحة بقوات الاحتلال الاسرائيلي التي حاولت التقدم لاحتلال المدينة, وسقط عشرات الجنود وجرح العديد منهم. ما افقد الاحتلال صوابه لينتقم بطريقة همجية وشرسة,
[email protected]

التعليقات