جنين : حامية سلاح الثورة ..حكاية الحاجة خيرية جرادات مخبأ الثوار وحكاية خنجر ابو درة

جنين - خاص دنيا الوطن - مصعب زيود
ربما لا تتسع كتب التاريخ لكل الشخصيات التي شاركت في صناعة الحدث فالبعض للتاريخ كما الهواء لا نراه ولا نشتم رائحة له ولكنه بالتاكيد من اساسيات وجودنا العضوي ، هكذا هم بعض الشخصيات في حياتنا ربما هامشيون لم تلتقطهم الصورة ولكنهم كانوا بلا شك اهم المشاركين في صناعة الحدث وكانوا بالتأكيد جنديا مجهولا لا يعرف الكثيرون عن دورهم البطولي واسهاماتهم الوطنية وهم بلا شك يكملون الحلقة المفقودة بالمشهد دائما ،ومن هؤلاء الحاجة خيرية جرادات (ام عطا) من بلدة السيلة الحارثية غرب مدينة جنين تلك العجوز الستينية التي جاءت الى العالم دون ان تكون شاهدة على النكبة ولكنها لا زالت تتذكر النكسة التي اسمتها بلهجتها البسيطة "يوم استحلوا البلاد " وتتذكر فيها انها كانت شابة في صباها عندما قيل لها ان الضفة الغربية سقطت تحت الاحتلال وربما من حينها بدات الحاجة خيرية رفضها لهذا الغزو الاحمق كما وصفته لنا فقالت "في حدا مجنون بحتل شعب فلسطين " . وربما كان ما تقوله حقا فام عطا التي تمثل المراة الفلسطينية المناضلة والتي تدافع بكيانها واسنانها عن وجودنا في هذه الارض دليل دامغ على انه احتلال احمق سينتهي بهزيمة العدو يوما ما .ام عطا كما احبت ان نسميها فهي تقول انها سمته عطا على اسم القائد التاريخي عطا الزير الذي اعدمته سلطات الاحتلال البريطاني في اواسط العام 1930 بعد ثورة البراق ومن هنا حكت لنا ام عطا عن شدة اعجابها بالثوار التاريخين وفي مقدمتهم كما قالت القائد التوري الذي ينتمى الى سيلة الحارثية يوسف سعيد ابو درة والذي قاد الثورة ضد سلطات الاحتلال البريطاني برفقة الشهيد عز الدين القسام الى ان اعدمته القوات البريطانية في القدس في نهاية العام 1939 اي قبل ولادتها بعشر سنوات تقريبا وهو ما جعل حكايته تلتصق في ذهنها بعد ذلك الى ان قالت لنا سرا ما ربما يجهله حتى ابنائها كما ذكرت فهي الى اليوم تحتفظ بخنجر ينسب للشهيد ابو درة وربما من هنا جاءت حكاية ام عطا فهي منذ ذلك اليوم حاضنة للثوار وبنادقهم كما يمكن روايتها .في الانتفاضة الاولى وعندما كانت سلطات الاحتلال تتعسف في ضرب المقاومة ومن يساندها او يدعمها كانت ام عطا تضرب كل القرارات العسكرية الاسرائيلية بعرض الحائط فهي تقول "احنا بالبلاد قبلهم احنا الي بنقرر " ولان بيتها له مخارج كثيرة ويصعب حصاره فقد كان بيت الحاجة خيرية ملجا الثورة الفلسطينية الاولى في سيلة الحارثية والقرى المحيطة بها وكانت غرفة نومها مخزن سلاح الثورة بما تيسر من البنادق القديمة والسلاح الابيض والرشاشات البدائية ،كانت ام عطا من فجرها تخرج كل صباح تتجول في الحارة وحول البيت في جولة تفقدية امنية في حين كان الثوار الذين لا ملجئ يأويهم الا الكهوف الباردة او دفي بيت الحاجة خيرية التي كانت تعد لهم وجبة الفطور قبل ان توقظهم ليتحركوا في مهماتهم الثورية اليومية . فهم كما قالت لنا " لم تخلق البنادق للمخازن ولم يولد الثوار للنوم " .عندما نتحدث عن الثورة فان ام عطا تتحدث عن الشهداء وهنا نراها دامعة المقلتين وحزنا ما يتجول في ملامح الوجه فنسالها ما الوجع فتقول منير جرادات وتبكي كانه دما ما لا زال يسيل الى اليوم والذي استشهد في العام 1992 وكانه وجع حاضر لا يغيب وتقول لا زال غياب هذا الثائر يشعل القلب فهي تقول انها اخر من اعد له طعما واخر من ضحك معه وكانه في لحظة وداع مرتقبة وكانه والموت على وعد اكيد .حامية سلاح الثورة الحاجة ام عطا والتي اظهرت في زيارتها للاسيرين المحررين نعمان الشلبي وايمن جرادات دموعا مقيدة منذ اكثر من عشرين عاما دامت منذ اعتقالهما تقول انها ورغم اقتحامات الجيش الاسرائيلي المتكررة لمنزلها وتعكير صفو حياتها التي عكرها اصلا غياب الزوج الذي توفي باكرا تقول في كلمات تشققت منها القوة وحرارة والانتماء لفلسطيني رغم المرض الذي اتعبها فتوجه رسالة للعدو بانها لا زالت هنا فان عدتم عدنا وان حان وقت الثورة فانها هذه المرة لن تخبا البندقية للثائر او تحفظ بندقية شهيد بل انها ستحمل البندقة على كتفها المتعبة فقد علمتها الثورة رمي الرصاص .ام عطا كما كالجبل الشامخ المعتز بشموخه تفخر بدوره الثوري وانها كانت يوما ما حاضنة الثورة وتقول انا ام الثوار جميعا ولذلك فهي تحتفظ الى اليوم بصور في البوم زينته بنفسها ولا يمكن ان نطلق عليه عنوانا انسب من ارشيف الثورة فهنا صوة اسير يمتشق البندقية وهنا صورة شهيد صدق عهده مع التراب وهنا مناضل محرر وهناك صورة بندقية وحجر وجميعها متوجة بالعلم وقطع من الكوفية الفلسطينية وام عطا تقول لنا ان هذا الارشيف هو ما تبقى لها من الثورة وانها توصي بالحفاظ عليه وتقدمه لأول متحف سيقام في فلسطين وسيجسد ثورته التاريخية .وكان لابد من الحديث عن الامنيات وامنيات ام عطا ايضا امنية تفوح منها رائحة الانتماء لفلسطين وقدسيتها الابدية حتى عند الموت فأمنية ام عطا قبل الموت ان تصلي ركعاتها الاخيرة في ساحة المسجد الاقصى وهي ترتدي كوفية وعلما وان يساعدها احدهم على تعليقهما على سارية او شجرة عالية تعقدها بنفسها فوق ذلك المنبر القريب من السماء وفي سلة امنياتها ايضا التي قالت انها اضحت قريبة ان ترى الاسير رائد السعدي المعتقل منذ العام 1989 حرا ينعم بدفيء بيته فهي تقول انه "وجعهم وبدهم يوجعوا قلب امه وابوه عليه " ،ام عطا تمنت امنية الموت وكانت كحكايتها غريبة فقد تمنت ان تدفن تحت شجرة زيتون وان يوضع في كفنها خصلة خضراء من شجر الزيتون فهي تقول ان الزيتون رمز هذه الارض ورمز نضالنا من اجل حريتها فالزيتون شجرة مستهدفة من الاحتلال يقطعونها لأنها تذكرهم انهم غرباء عن هذه الارض ولذلك سننزرع الزيتون حتى في قبورنا .في نهاية اللقاء قرأت على الحاجة خيرية قصيدة الشاعر تميم البرغوثي "ستي ام عطا" وكانت اول مرة تسمعها ولكن كلام الشاعر لم يعجبها في مجمله فقالت ان القضية من زمن المندوب لليوم صار فيها شهداء واسرى وثورة والشعب الذي يقاوم كل هذه السنوات رغم التضحيات لا يمكن ان يقبل بستة او ستة ونص بالمية وان الخرفيش والسيسعة البرية هي رمز وجودنا وسنكون يوما احرارا كطائر السنونو وقالت "مش لازم نستريح لأنه بعدنا ما حررناها ومش رح تضيع ما دام ام عطا موجودة " .

التعليقات