أحزاب سياسية لتربية الدواجن

أحزاب سياسية لتربية الدواجن
د.عمار علي حسن
حين تمرض الأحزاب السياسية أو تتوعك، فعلاجها ليس الإلغاء أو النقل إلى وظيفة أخرى، إنما خلق المناخ الصحي الذي يساعد على التعافي والنمو والتمكن، باعتبارها أمراً لا بد منه لأي نظام سياسي ديمقراطي، لأنها الركيزة الأساسية للتعددية السياسية، وأحد الأبواب المهمة لطرح بدائل في مختلف المجالات العامة.

في مصر حالياً هناك علاج غريب يطرحه إعلاميون مقربون من السلطة السياسية، سواء من عند أنفسهم، أو أنهم ينطقون بلسانها، أو يقترحون عليها، ووصل الأمر بأحدهم أن يأخذ زفيراً عميقاً يتبعه بشهيق أعمق، ثم يدعو الأحزاب السياسية إلى أن تنخرط في مشروعات التنمية حتى لو قامت بتربية الدواجن، أنفع من ممارسة السياسة، أو الاكتفاء بنقد السلطة، والتبرم والاحتجاح على قانون الانتخابات البرلمانية.

هذا تفكير مريض لن يزيد أحزابنا إلا سقماً، أو هو تفكير مغرض يفسح الباب أمام تسلطية الحكم، أو عودة "الحزب الواحد الأوحد"، وصاحب هذا التفكير يعرف جيدا ما يقول، وقد يكون مكلفا بتهيئة الرأي العام إلى مزيد من الكفر بضعف الأحزاب وتهالكها، وهو عيب هي مسئولة عن جانب منه، ونظام حكم ما قبل ثورة يناير مسئول عن الجانب الآخر، وهو الأكبر والأعرض، لكن من الخطأ والخطل أن تستسلم لهذا الوضع المزري.

وعموما فهذا التفكير يتوهم صاحبه أن السلطة الحالية هي الطرف الذي يجب أن يدير مؤسسات الدولة إلى الأبد، وأن أحزاب المعارضة يجب أن تظل مجرد قائلاً زينة في عنق أهل الحكم، أو ظلا باهتا لهم، وبالتالي ليس من حقها أن تفكر في إعداد تصورات علمية دقيقة لإدارة المؤسسات العامة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتجهيز كوادر كفئة في كل هذه المسارات والمجالات، بحيث تكون جاهزة للحكم إن فازت في الانتخابات التشريعية.

وحتى لو لم تفز فإن طرحها بدائل يثري الحياة السياسية ويفتح نافذة عريضة أمام السلطة للاستفادة من جهد منافسيها أو ترشيد قرارها، طالما أن الهدف الأساسي هو خدمة الصالح العام، والتفاني في بلوغ الصواب، ثم الإخلاص في تطبيقه، وإمعان النظر في انعكاسه على حال الناس ومآلهم.

إن جميع القواميس والمعاجم والموسوعات السياسية تتعامل مع الحزب السياسي على أنه تجمع أو تنظيم سياسي يسعى إلى بلوغ السلطة السياسية سواء بتشكيل الحكومة أو من خلال مرشح في الانتخابات الرئاسية. ولهذا فإن وظيفة الحزب أن يكون جاهزاً للحكم إن اختاره الناس، وهذه الجاهزية تتطلب منه أن تكون لديه تصورات دقيقة وشاملة لكافة قضايا ومسائل السياسات العامة، والعلاقات الخارجية والدولية.

من هنا فإن الحزب السياسي ليس مطلوبا منه أن ينسى العمل بالسياسة كما يطالب البعض ويتفرغ للعمل الخيري والنفع العام، فهذا سيحوله إلى "جمعية أهلية"، وليس من المستساغ أن ينهمك الحزب تماما في إدارة مشروعات اقتصادية أو تنموية، فمثل هذا سيحوله بالتدريج إلى شركة. لكن من الضروري أن يكون للحزب تصور عن العمل الخيري والأهلى والمدني فإن وصل إلى الحكم يطبقه، كما يكون لديه تصور اقتصادي متكامل يعرضه على الناس قبيل الانتخابات فإن منحوه ثقتهم يكون عليه أن يطبقه، ويبنى شركات عامة عملاقة ناجحة.

وليس هناك ما يمنع أن تستفيد السلطة القائمة بالفعل من تصورات الأحزاب السياسية، كما أن نقد المعارضة لبرامج السلطة وقراراتها سيخلق أمامها تحديات تعظم استجابتها فتُجِّود برامجها وترشد قراراتها، وتحسن سياساتها، وتدرك أن هناك من يتابعها ويراقبها فلا تطغى.

لكل هذا يمكن أن نقول: الحزب السياسي ليس من اختصاصه بناء مزارع للدواجن وتربيتها، إنما عليه أن يضم في صفوفه خبراء في هذا المجال يضعون أنجع خطة لتعظيم إنتاجنا من الدواجن، يطبقها حين يصل للحكم أو يشارك فيه أو يقدمها لأهل الحكم ليستفيدوا منها، أو من بعضها، إن أرادوا. أما الحزب الذي يترك السياسة ويربي دجاجا فلن يضم في عضويته سوى كتاكيت تجري إلى الخنان المظلمة بمجرد أن تسمع صياح الديك الكبير.

التعليقات