الرئاسة البولندية: سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية تقود إلى طريق مسدود

الرئاسة البولندية: سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية تقود إلى طريق مسدود
رام الله - دنيا الوطن
كشفت الأزمة في أوكرانيا وسيطرة روسيا على جزيرة القرم، أكثر من أي وقت مضى، مخاطر غياب سياسة أوروبية موحدة، هذا الغياب هو الذي منع أوروبا من لعب دور يوازي قوتها الاقتصادية وإرثها التاريخي في حل القضية الفلسطينية.

البولنديون الخائفون من اقتراب الحرب نحو حدودهم الجنوبية الشرقية هم الأكثر اهتماما بوجود سياسة أوروبية موحدة لدرء ما يعتقدون أنه خطر روسي على بلدهم وديمقراطيتهم الوليدة.

فرغم أن أوروبا تعيش 'عصرها الذهبي'، بحسب اندجي اوليخوفسكي، وزير الخارجية البولندي الأسبق وأحد رواد 'حركة التضامن' صاحبة الفضل الأول في انتقال بولندا من الشيوعية الى النظام الديمقراطي، فان الاتحاد الاوروبي ليس فقط لا تجمعه سياسة خارجية موحدة تجاه التطورات الاقليمية والعالمية، بل إن عقده مهدد بالانفراط تحت وقع الأزمات المالية والاقتصادية المتلاحقة، ما يجعل من كل دولة عضو تنظر إلى الدول والتكتلات خارج الاتحاد من منظار مصالحها القومية، الاقتصادية خصوصا، حتى لو شكلت هذه الدولة أو التكتل خطرا على أوروبا أو جزء منها برأي دول أخرى داخل الاتحاد.

بولندا، إحدى الدول الأكثر اهتماما ببناء سياسة خارجية موحدة للاتحاد الاوروبي، على الأقل لتبني موقفا موحدا مما باتت تعتقد أنه خطر روسي حقيقي قد يأتيها عبر حدودها الشرقية، حيث تعيش جارتها أوكرانيا أزمة داخلية وتدخلا روسيا عسكريا مباشرا نتيجته حتى الآن ضم شبه جزيرة القرم باعتبارها أرضا روسية.

وما يذكي هذا الأمل لدى البولنديين بسياسة موحدة للاتحاد الاوروبي، انتخاب رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك قبل أيام رئيسا لمجلس الاتحاد، رغم الاقرار بأن توليه هذا المنصب سيخلق فراغا سياسيا في بولندا سيصعب ملؤه.

'اختيار السيد تاسك لرئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي وضعنا في مأزق، إذ كان قادرا على لملمة التحالف الحاكم في البلاد، والآن لا نعرف الى أين ستؤول الأمور . ومع ذلك نأمل ان يساهم هذا الاختيار في بناء سياسة موحدة للاتحاد'، قال يان لاتينسكي، مستشار رئيس الجمهورية برونيسلاف كوموروفسكي لدى استقباله وفدا فلسطينيا برئاسة وكيل وزارة الإعلام محمود خليفة، وبحضور مراسل 'وفا'.

وأضاف 'لم يكن للاتحاد الأوروبي سياسة خارجية موحدة إطلاقا، ونحن الآن بصدد إطلاقها. ندرك مدى بناء مثل هذه السياسة، بدليل المواقف المتباسنة بشأن أوكرانيا، ومع ذلك، فان بولندا تعمل على ذلك وتم قبول بعض التوصيات الخاصة بالأزمة الاوكرانية، لكن ما زال بعض أصدقائنا يتبنون مواقف مختلفة تمتما مثل هنغاريا وسلوفاكيا'.

سياسة خارجية موحدة للاتحاد الأوروبي ليس مفيدا فقط فيما يخص الموقف من الأزمة الأوكرانية، بل ان غياب هذه السياسة ترك آثارا عميقة في الكثير من النزاعات الدولية، أبرزها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

وبعدما قدم خليفة عرضا للأوضاع في الأراضي الفلسطينية، خصوصا إثر العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، وتطلُع الفلسطينيين الى مساعدة بولندا في الوصول الى حل يلبي طموح الشعب الفلسطيني، لما بات من ثقل لبولندا اقتصاديا، وتمتعها بعلاقات جيدة مع طرفي الصراع، وأخيرا تولي بولندي رئاسة الاتحاد الاوروبي، قال لاتينسكي 'أوافقكم الرأي بان انتخاب بولندي لرئاسة الاتحاد الاوروبي اعتراف بصحة السياسة البولندية تجاه الشرق الاوسط. أعدكم بنقل وجهة النظر هذه الى الرئيس الجديد للاتحاد الاوروبي، وكذلك الى رئيس الجمهورية'.

واعتبر ان 'سياسة الحكومة الاسرائيلية الحالية لا تقود إلّا الى طريق مسدود، فيما قدرة المجتمع  الدولي على حل النزاعات سلميا انهارت، وهناك خيبة أمل كبيرة من ولايتي الرئيس الاميركي باراك اوباما، التي استعجلت مؤسسة نوبل بمنحه جائزة نوبل للسلام'.

 وأضاف 'اتفاق اوسلو أثار تفاؤلا كبيرا، لكن لسوء الحظ اغتيل (رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق) اسحاق رابين، وهذا مؤشر على الآثار التي يمكن ان تنشأ عند إعطاء السلطة لهؤلاء المتطرفين. التجارب التاريخية تقول ان الدولة التي تحتل دولة اخرى فانها ستتفكك داخليا'.

في وزارة الخارجية، كرر خليفة، في لقاء مع مسؤول دائرة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا في الوزارة بيتر فوخته ومسؤول وحدة فلسطين واسرائيل في الوزارة اركاديوس رومان، تطلع الشعب الفلسطيني وقيادته لدور بولندي فاعل في حل المسالة الفلسطينية، استنادا الى علاقاتها المميزة مع الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي واستغلال حضورها القوي على صعيد الاتحاد الاوروبي الذي فرضته بنجاحها الاقتصادي وكرسته باختيار بولندي رئيسا للاتحاد.

وقال فوخته 'نسعى لتوحيد سياسة الاتحاد الاوروبي تجاه الشرق الأوسط، لكن المؤشرات تقول إن هذا يحتاج الى بعض الاصلاحات داخل الاتحاد'.

وأضاف: صحيح أن الاتحاد الاوروبي يخصص مساعدات مالية واقتصادية وانسانية، لكنه على صعيد العملية السياسية يقف جانبا ويكتفي بالنظر. من الصعوبة بمكان التكهن بما سيحدث لأن هناك تغييرات جارية في بروكسل، لكن الثابت ان بولندا ستعمل على التوصل الى نوع من الإجمال حول القضية الفلسطينية'.

اوليخوفسكي وصف تاسك بانه 'سياسي مبدع'، وهو عضو في مجلس الاتحاد الاوروبي منذ سبع سنوات والآن اختير رئيسا للمجلس، معتبرا هذا الاختيار 'إشارة من كل اوروبا بأن هذا الجزء من العالم (بولندا) مهم للغاية، وهي الدولة الأكثر نجاحاعلى الصعيد الاقتصادي'.

وأعرب اوليخوفسكي عن أمله في أن يساهم اختيار تاسك رئيسا للاتحاد الاوروبي في مسألتين 'الأولى زيادة الثقة بأن بولندا نموذجا للنجاح الاقتصادي، والثانية تعزيز الوحدة الأوروبية وجعلها أكثر قوة'.

وأضاف: الوحدة الأوروبية مهددة حاليا بريطانيا تدرس إمكانية الخروج، كما أن  أوروبا منقسمة الى عدة أجزاء من حيث العملة، وهناك تباين في وجهات النظر من القضايا الخارجية، وخصوصا من القضية الأوكرانية، حيث هناك تكتلات سياسية ترفض فرض عقوبات على روسيا، لهذا نرى ان الوحدة الأوروبية بحاجة الى تقوية.

آدم ميخنيك، رئيس تحرير جريدة 'غازيتا فينواررستشا' أو 'الصحيفة الانتخابية' بالعربية، الأوسع انتشارا في بولندا، وهو أحد أبرز الناشطين في 'حركة التضامن' ويوصف حاليا بأنه الشخص الأكثر تأثيرا في الراي العام البولندي، يرى أن الوضع على الجبهة الروسية الاوكرانية 'مقلق جدا، وليس أسهل من الوضع في الشرق الأوسط، حيث ظن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان انهاير الاتحاد السوفيتي أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين، وهو يسعى الآن الى إعادة بناء الامبراطورية الروسية'.

وأضاف: نعتقد ان هذه السياسة خطيرة للغاية في أوروبا، ولا بد من وقف بوتين، لكن هذا صعب علينا، فنحن تعودنا في المفوضية الاوروبية على التعاون المشترك وليس الكفاح المشترك.

بحسب ميخنيك، فان الكثير من الدول الاوروبية تعتبر اوكرنيا بلدا نائيا، 'ودول تفكر الاتحاد الأوروبية بالبزنس ولا تريد الدخول في نزاع مع روسيا'، ويرى أن السياسة الأوروبية تجاه روسيا، القائمة على ضخ الاستثمارات لاحتواء الدب الروسي 'سقطت، وبدلا من احتواء روسيا أصبحنا معتمدين على روسيا في امدادات الطاقة'.

ورغم المخاوف التي تسمع في الشارع البولندي من 'حرب عى الابواب'، قال ميخنيك 'لا نخشى الحرب في بولندا'، مستدركا 'لو سالتني هل تخشى الحرب قبل يوم واحد من الحرب العالمية الثانية لكانت الاجابة لا، غير أن مجنون صربي أطلق شرارة الحرب، كذلك لو سئلت نفس السؤال قبل يوم واحد من استيلاء روسيا على جزيرة القرم لكانت الاجابة أيضا لا'، مقرا في النهاية بان 'الوضع مفتوح على كل الاحتمالات'.

ميخنيك انفعل بحدة حين ذكرت أمامه مقولة وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر بان اوكرانيا حديقة خلفية لروسيا، ووصفه بأنه 'غبي واحمق'، وقال ميخنيك، اليهودي البولندي معلقا على مقولة كيسنجر، اليهودي الأميركي، 'أنا لا أفهم نخبة يهود أميركا'.

وسواء كانت مخاوف البولنديين تجاه 'الخطر الروسي' محقة أم لا، فان الحرب في أوكرانيا تشكل الشغل الشاغل لهم، وهي محور سياستهم الخارجية، سواء على الصعيد الوطني، أم على صعيد الاتحاد الأوروبي.

التعليقات