اختتام أعمال مؤتمر "الطائفية وصناعة الأقليات في المشرق العربي"

رام الله - دنيا الوطن
 أسعد العزوني
اختُتمت أمس الإثنين أعمال مؤتمر "المسألة الطائفية وصناعة الأقلّيات في المشرق العربي الكبير" الذي عقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في البحر الميت – الأردن (13-15 أيلول / سبتمبر 2014)، بعقد مائدة مستديرة نقاشية بعنوان "العروبة والدولة الوطنية في مواجهة التمزقات الأهلية والسياسات الطائفية وقومنة الهويات .. إشكاليات وقضايا، تحديات وآفاق".

وقد أسهب المحاضرون والمتدخلون في جلسات المؤتمر طوال الأيام الثلاثة التي امتد عليها جدول أعماله في تحليل الخطاب الطائفي في المشرق العربي وسبر جذور الطائفية وتحوّلها إلى صراع طائفي وعوامل تأجيجه. وأكدت العديد من أوراق الباحثين المشاركين على أدورا الاستعمار والأنظمة التسلطية التي تلته في إحداث النقلة الكارثية من الطائفية الاجتماعية إلى الطائفية السياسية، كما أشار باحثون إلى العلاقات المدمرة بين بعض التيارات المتشددة ومسألة الطائفية، فتحدث الباحث حسن أبو هنية في جلسات اليوم الثاني عن "السلفية الجهادية والمسألة الطائفية: صراع هويات في مشرق جديد - داعش نموذجًا". وأكد أغلب الباحثين على ضرورة انتقال المجتمعات العربية إلى الدولة المدنية، دولة المواطنة التي تضمن التعدد والمساواة.

الاعتراف بالمشكلة بداية التفكير بحلها

توجه العديد من المتدخلين في النقاش خلال المائدة المستديرة التي اختتمت بها أعمال المؤتمر بالثناء على المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات لتنظيمه هذا المؤتمر الذي اعتبره الدكتور حيدر سعيد عتبة حقيقية في مواجهة الخطر الطائفي لأنه يؤسس لمسار لو جرى مواصلته بإعمال البحث العلمي والدراسة العلمية للمسألة الطائفية فإنه سيفضي في النهاية إلى تقديم حلول مهمة لها. وقال إن مواجهة الظاهرة لا يأتي بإنكارها وإنما بفهمها لوضع سياسات لمواجهتها. وأكد وآخرون على أن أبرز ما قدمه المؤتمر هو وضع المسألة الطائفية تحت الضوء وبين أيدي الباحثين للتعامل معها بالأدوات العلمية. وقال الدكتور حبيب أفرام إن أخطر ما في المشكلة هو أن ننكر وجودها.

وفي الاتجاه ذاته ذهبت مداخلة رئيس المائدة المستديرة الدكتور علي محافظة، حين أكد على أن الأقليات والإثنيات موجودة في تاريخ منطقتنا، وليست هي المشكلة، إنما كيف تعاملنا معها منذ الانتداب الاستعماري على المنطقة وبعده أيضا، وقد فرض الانتداب التقسيم الطائفي، وبعد الانتداب "تجاهلنا هذه الحقيقة". وعدّ عقد المركز العربي هذا المؤتمر إنجازا لأنه أول مرة يفتتح المجال لتدارس هذه المسألة دراسة علمية يمكن أن توفر لصانع القرار أدوات لوضع السياسات الملائمة لحل هذه المشكلة.

وميّز الدكتور كمال عبد اللطيف في تدخله أثناء النقاش بين "التعدد الإثني الطائفي الموجود والمقبول في تاريخنا" و"صناعة الإثنيات" التي غدت اليوم أدوات حرب جديدة. وأكد على أن المجتمعات العربية لما تصل بعد مرحلة المجتمعات القائمة على هوية جامعة هي المواطنة، فهي لا تزال على عتبة ما قبل المجتمع تتجاذبها نزعات الهويات الناسفة والطوائف المفرقة.

البحث في الحلول

وسبق المائدة المستديرة الختامية في اليوم الثالث للمؤتمر جلسة هي السابعة في سلسلة جلسات المؤتمر وسارت على مسارين اثنين، أولما عن "المواطنة مقابل الطائفية" والثاني عن "المسألة الطائفية في بلاد الشام". وقد تطرق الباحث محمد سعيدي في المسار الأول إلى أزمة دولة المواطنة بعد الحراك العربيّ متسائلا: هل الفيدرالية حلّ أم مأسسةٌ للطائفيّة؟ فأوضح أن الحراك العربيّ أزاح الغطاء عن عمق المسألة الطائفيّة والقبليّة التي أصبحت تتقاطع مع المجال السياسيّ، ممّا يمكن أنْ يتسبّب في انفجار العديد من المجتمعات من الداخل. وعرض الآراء المختلفة بشأن الإجابة عن السؤال الذي طرحه بين من يرى النظام الفدراليّ أصبح يشكّل ضرورةً حتميّةً لعلاج بعض مظاهر الطائفيّة، ولإدماج مختلف الجماعات والأقلّيات والطوائف داخل الدولة بصورةٍ ديمقراطيةٍ، في حين يحذر البعض من أن الفدراليّة مدخل للتقسيم وخلق مزيدٍ من الضعف في اللحمة الوطنيّة عبر إعلاء الهوّيات المتنابذة في أبعادها الإثنيّة والقوميّة والمذهبيّة، ويعتقد اتّجاهٌ ثالثٌ أنّ مشكلة الطائفيّة هي في العمق سياسيّةٌ والإشكال ليس في التنظيم الإداريّ للدولة ولا في انتعاش الانتماءات الأوّليّة بل في انتشار الفساد السياسيّ واختلال توزيع الثروة وفي احتكار البعض للسلطة واستخدامها للحصول على منافعَ ضيّقةٍ على أسسٍ عائليّةٍ، عشائريّةٍ، ومناطقيّةً.

وتلا هذه الجلسة عرض قدّمه فريق البحث في مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية في الجزائر عن مشروع بحثي حول المسألة الطائفية في "غرداية"، وهي مدينة في جنوب الجزائر تشهد منذ أشهر نزاعا وأحداث شغب على خلفية تصادم بين مكونين اجتماعيين في المنطقة يتمايزان من الناحية المذهبية (مالكية/إباضية) واللغوية (عرب/ميزابيين – أمازيغ) وحتى من ناحية النمط العمراني.

وشهد اليوم الثاني من المؤتمر تقديم محاضرتين رئيسيتين لكل من الدكتور وجيه كوثراني والدكتور طارق متري. تحدث الدكتور وجيه كوثراني في موضوع "الميثاقية الطوائفية وأزمة بناء الدولة: دروس من المخبر اللبناني"، وقال إن من أهم النتائج التي ترتبت على خمس وثلاثين سنة من التجربة التاريخية الموزعة على ثلاثة فصول: فصل الحرب الأهلية، وفصل الوصاية السورية، وفصل اغتيال الرئيس الحريري وسلاح حزب الله، أنّ الطوائف اللبنانية أصبحت تؤمن أن الطائفة تحتاج إلى من يحميها، والحماية تتم عن طريق تعزيز دور ممثليها في مواقع سلطات الدولة وبالتالي تصبح الحماية إحدى أهم مهمّات التمثيل السياسي الشعبي. وأكد على ضرورة تطوير الصيغة الميثاقية وصيغة الديمقراطية التوافقية في لبنان، لكي لا تصبح هذه الأخيرة ديمقراطية طوائف، وللتخفيف أو الحد من الحمولة الطائفية للميثاق، والعمل من أجل تطوير قانون الانتخاب باتجاه تمثيل وطني، لا طائفي، أي تمثيل المواطنين.

يذكر أن مؤتمر "المسألة الطائفية وصناعة الأقلّيات في المشرق العربي الكبير" الذي نظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الأردن، هو النسخة الثالثة من المؤتمر العلمي في قضايا التحول الديمقراطي الذي ينظمه المركز سنويا. وقد شمل برنامج المؤتمر سبع جلسات ألقيت فيها 54 ورقة بحثية محكمة، إضافة إلى خمس محاضرات رئيسة مركّزة تناقش مواضيع ذات صلة أساسية بقضايا المؤتمر.

التعليقات