حماس... وداوها بالتي كانت هي الداء

حماس... وداوها بالتي كانت هي الداء
د نبيل عمرو
افصح السيد موسى أبو مرزوق، الرجل الثاني في قيادة حماس، عن أن المفاوضات مع إسرائيل، ليست حراماً، وأضاف بل إنها مطلب شعبي.
لماذا قال أبو مرزوق ما قال؟ الجواب يكمن في حاجة حركة حماس إلى البقاء على قيد الحياة السياسية، وتدرك أن العامل الإسرائيلي في الأمر هو الاكثر تأثيراً وحسماً في هذه المسألة، وكانت إسرائيل من جانبها بعثت بأكثر من رسالة استدراج وإغراء، حين أعلن قادتها ان تصفية حكم حماس في غزة ليس في بالها، بل ان كل ما تريده منها هو أن توقف إطلاق النار لفترة طويلة وأن تمنع أي طرف آخر من فعل ذلك، ولقد التقطت حماس هذا الاغراء في حينه ووضعته في الرصيد الاحتياطي الذي لابد وأن ينفع في وقت ما، وها هي تضع رصيدها الأساسي والاحتياطي على الطاولة وعلى إسرائيل أن تتصرف.

كان متوقعاً من حماس أن تقدم على انعطافة قوية كهذه، خصوصاً بعد أن أيقنت بأن النتائج السياسية للحرب الأخيرة على غزة، بدأت تصب في خانة سلطة رام الله، فكل ما سيجري تجاه غزة بالجملة والتفصيل، ينبغي أن يتم من خلال سلطة رام الله، وهذا أمر ضاعف من شعور حماس بالحصار وبدا كما لو أنها خاضت كل هذه الحروب من أجل العودة الى نقطة الصفر، تلك النقطة التي بدأت بالانقلاب وتواصلت بانقسام عميق ومدمر، وكانت كل وقائع ما حدث منذ الانقلاب حتى يومنا هذا، تبرر بمقولة أساسية واحدة وهي أن سلطة رام الله تسير على نهج المفاوضات، وهذا أمر محرم تماماً ويستحق أن تخاض أكثر من حرب لمنعه.

إن الحصار الخانق الذي يطبق على سلطة حماس في غزة، والمعزز بحصار أشد يتعرض له الإخوان المسلمون في مصر والعديد من الدول العربية، دفع حماس إلى أن تجرب طرق الباب الإسرائيلي بصورة بدت مفاجئة، إلا أنها متوقعة، وإذا كانت حماس قد اختارت طرق الباب الإسرائيلي، كمخرج من مأزقها المتعمق، فإنها كمن هرب من الرمضاء إلى النار، والرمضاء هي التحالف مع سلطة رام الله حتى لو اضطرت إلى تقديم تنازلات كبيرة لصالحها، أما النار فتكمن في طرق الباب الإسرائيلي، الذي لن يفتح إلا وفق شروط شديدة القسوة وباهظة الثمن. بمعنى أنه يتعين على حماس أن تتساوى مع سلطة رام الله في محتوى وآليات العلاقة مع إسرائيل، فإذا كانت رام الله ملزمة بتنسيق أمني ترفضه حماس وتدين من يمارسه، فإن إسرائيل مصممة على تنسيق في غزة هو في جوهره، أكثر تعقيداً وخطورة، كما أن إسرائيل يمكن أن تدير مفاوضات استخبارية أمنية مع حماس، إلا أنها لن تمنح هذه المفاوضات عمقاً سياسياً إلا إذا اعترفت حماس بحق إسرائيل في الوجود، وهذا يعني بداهة أن حماس المقاومة قد استبدلت نفسها بنفسها.

إن المخرج الأقل كلفة لحركة حماس يكمن في تأبط ذراع سلطة رام الله، والعمل معها والافادة من علاقاتها والتزاماتها، هذا إذا كانت حماس صادقة في عدم الاعتراف بإسرائيل، بما يحمله الاعتراف بعد ذلك من التزامات حرمتها حماس وطنياً ودينياً.

إن الذي دفع أبو مرزوق إلى إعلان الاستعداد للتفاوض في هذا الوقت بالذات، هو الحاجة إلى البقاء ولكن أي بقاء بعد ذلك.

التعليقات