الهجرة

الهجرة
طفلة يُعتقد انها غرقت في الحادث الماساوي الاخير
كتب غازي مرتجى
قبل أشهر استضافتني قناة هنا القدس في برنامج كان يتحدث عن الهجرة والعمل خارج الوطن , فكرة البرنامج كانت تقوم على استضافة شخص مؤيد للفكرة وآخر يرفض ويحاول مذيع البرنامج الشاب المميز "سامي مشتهى" تقريب وجهات النظر وإن لم يستطع فيحاول تلخيص النقاط المشتركة بين الطرفين .

كنت انا في وقتها الطرف المؤيد لفكرة العمل خارج الوطن دون التنازل عن الجنسية الفلسطينية واستبدالها بجنسية مختلفة , وفي المقابل كان الاعلامي المميز "أيمن العالول" طرفاً يرفض النقاش في أمر العمل بالخارج متأثراً بحياة والده وحياته وعملهم خارج البلاد , وعلى الرغم من التضاد في الافكار الا اننا وصلنا في النهاية إلى امكانية الالتقاء في حال توفرّت الارض الخصبة التي تمنع الفلسطيني من الهجرة من بلاده للعمل خارجاً واتفقنا انّ انهاء الحالة الشاذة "الانقسام" وتهيئة ظروف العمل للشباب والخريجين في الوطن سيمنع الكثيرين من التفكير بالهجرة وليس الاقدام عليها حتى !.


ما اكتشفته بعد هذه الشهور انّ الوضع الشاذ انتهى على الورق , لكن لسان حال الخريجين والشباب ليته لم ينته ..!؟ وباغتنا عدوان اسرائيلي ماحق ساحق لم يُبق ولم يذر وأثّر على كافة مناحي الحياة ولآثاره امتدادات لعشرات السنين طالما استمرّ الوضع على ما هو عليه ..!

إن الحالة التي يعيشها الشباب في قطاع غزة لا يمكن وصفها بحال من الاحوال بـ"حياة بشر" وإنما حياة متقلبّة بلا أمل ولا مستقبل , وما أصعب أن يفقد أحدنا المستقبل ويتخلّى عن احلامه .. عندها لا يمكن ان نلوم أي شخص أقدم على التفكير بالهجرة واتخاذ قرار إما الموت او الحياة بكرامة .

الهروب من الموت إلى الموت هو التوصيف الأدق لـ"حال" المهاجرين اليوم  , ففي غزة مقومّات الحياة انتهت وجفّت ولاستعادتها نحتاج عشرات السنين خلالها قد نشهد عدوان اسرائيلي أشّد ..

المصالحة الفلسطينية تراجعت إلى ما دون الصفر واقتصرت عند طرفي الانقسام على "رواتب الموظفين" فقط .. ونسي الطرفان أنّ الخمسين ألف موظف والسبعون ألفاً الآخرون التابعون لرام الله نسبتهم في المجتمع 20 % فقط وبقية أطياف المجتمع وطبقاته من عمال وخريجين لا يجدوا قوت يومهم ولم ينص على انقاذهم من براثن الهجرة اتفاق القاهرة ولا الشاطيء بعده !

في تفاصيل الهجرة لفت نظري ما تحدث به أحد الناجين انّ المهرّب يقوم بالاتصال بـ"الصليب الأحمر الدولي" على الحدود الاقليمية لإيطاليا لابلاغهم بوجود مهاجرين غير شرعيين يواجهوا الموت , فيقوم الصليب الاحمر بابلاغ الجهات الرسمية الايطالية لتقوم السفن بانقاذهم .. وهذا برؤية أرباب الهجرة ميزّة اضافية لترغيب المهاجرين بالاقدام على تلك الخطوة استناداً إلى حالات كثيرة تمّت سابقاً .. ما قصدته في الأمر أنّ الحال يعتبر تبادل أدوار فقط وبامكان ايطاليا فتح باب الهجرة عبرها الى اوروبا رسمياً بدلا من حالات الموت اليومية والغرق في كل رحلة طالما أنّها في النهاية تنتظر من المهاجرين الوصول الى حدودها الاقليمية لانقاذهم .

حديث الساعة منذ اسبوعين هو حالات الهجرة الجماعية ويتناقل المواطنون قصصاً يومية وبحسب أكثر من رواية فإن "أرباب" التهجير في القطاع معروفين وعملوا في الفترة السابقة وكأنّهم يقوموا بأعمال "عادية وشرعية" .

حالة "البروباغندا" التي حظي بها موضوع "الهجرة" جيدة من ناحية وسيئة من نواح أخرى .. لكن مهما تحدثنا ونقلنا قصص الغرق والموت وخاطبنا العقول والقلوب .. فلن تجد آذاناً صاغية لك ممن قرّر العيش بحرية وكرامة بدلاً من الموت البطيء في غزة .. وبدلاً من حالات التوعية تارة والترهيب تارة أخرى فيمكننا اختصار كل تلك الساعات بالبدء بمصالحة جديّة وحقيقية بين طرفي الانقسام والبدء بتنفيذ خطّة تنمية مستدامة لقطاع غزة تشمل كافة الجوانب الاقتصادية والحياتية والسياسية بدلاً من حالات "الردح" المتبادل الذي لن يسمن ولن يغني من هجرة !

التعليقات