السلاح الخفي الرادع لإسرائيل

السلاح  الخفي الرادع لإسرائيل
بقلم  السفير / خالد محمد النجار 

كما تمنى الإسرائيليون إعادة الفلسطينيون الى مربع الصفر بالحرب على غزة والضفة معاً ، أعادوا أنفسهم بالزمن، ويهود العالم ، إلى مربع الصفر أيضا اللذي كان سائداً في الحرب العالمية الثانية بكل مناحيه وسلبياته ؛ وظهرت يد الوحش المدفون في التاريخ المعروف" بكراهية ومعاداة السامية اليهودية" والذي خَلق( الهولوكوست (مذابح اليهود ؛ ومن قبل ذلك مذابح اليهود في اسبانيا عام 139 م وعام 1366م.

منذ أكثر من نصف قرن يردد اليهود عبر وسائل الفضاء المفتوح ويوجهون اللوم والتوبيخ لدول العالم بمقولة أن العالم وقف "صامتاَ ومتفرجاَ" على مذابح اليهود في الحرب .

في المقابل يأتي "قبطان" الشعب الإسرائيلي- الذي يطالب الفلسطينيون والعالمبالاعتراف) بإسرائيل ( كدولة يهودية بعد أقل من سبعون عاماَ- مسحوراَ مغروراَ بمدد من السماء والدنيا من مختلف أسباب القوى والثروة ؛يشن ثلاثة حروب متتالية على المستضعفين من أهالي غزة ويحاصر كافة أرجاء الوطن الفلسطيني وشعبه لأكثر من عقد من الزمن .

وتأتي الصدمة والدهشة للمجتمع الدولي في مشاهدته لفيلم نازي يفترض أن يكون وثائفيا من الحرب العالمية الثانية ، ليتجسد أمامه ويخرج الى الدنيا بكل مقاطعه الحية في مذبحة تاريخية لأهل غزة . بل ويستمع المشاهد الى نفس "صدى الأصوات" والشعارات النازية العنصرية  من إسرائيل والمتحالفين معها مستخفين بأرواح الأبرياء والمبادئ الإنسانية، ومتفاخرين بإلقاء آلاف القنابل من السماء على أجساد الأطفال الفلسطينية ... ثم حرق المزارع بهدف تجويعهم !!

صحيح أن هناك حوالي مائتين وخمسين شخصاً من الناجون من المحرقة النازية اطلقو بياناً يتهمون ويدينون إسرائيل بجرائم حرب . لكنه جاء متأخراً  . كذلك ، رددوا شعارهم التاريخي بان "المحرقة وإبادة اليهود لن تعود أبداً " ،وأضافوا إليها عبارة " ولا أحد غيرهم أيضاً  " . لكن الصمت كان طويلاً خلال الحروب السابقة . والرضى على الاحتلال قائماً . 

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة . ما السبب في أن هذه الصدمة والنقمة الشعبية الدولية ، سكبت بحُممها اليهود في شتى أنحاء العالم ؟

-المجتمع الدولي بأطيافه، ظن أن تأسيس الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية وكافة مؤسساتها التابعة لها ومحكمة العدل الدولية ومحكمة جرائم الحرب وتطور المجتمع والدول الغربية من دول نازية أو فاشية ، الى دول يفترض بأنها ذات مؤسسات ديمقراطية ومجتمعات حرة ؛ لا يمكن أن يرى بعدها جرائم مشابها لجرائم النازية مرة أخرى !

-أن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ارتكبت على يد من يمثل الشعب اليهودي( إسرائيل) المطالبة بدولة يهودية ! ،بل وطيلة ثلاثة حروب في أقل من ستة أعوام ، وخاصة دعم المؤسسات اليهودية في العالم مثل "ايباك" و "رابطة مكافحة التشهير " في الولايات المتحدة الأمريكية مستخدمة نفوذها في الدول الغربية لإكمال مشروع الإبادة للشعب الفلسطيني وأطفاله .

ومما زاد إشعال وقود الاحتقان والهبة في المجتمعات الدولية ضد الجاليات اليهودية، أن هذه المجتمعات ضاقت ذرعا لعقود من اتهام كل من ينتقد سلوكيات إسرائيل السياسية أو العسكرية المتطرفة عند أي انتهاك لحقوق الإنسان ، يلاقي أشد العداء والهجمات التي تطال مستقبله ومصيره في مجال عمله من قبل المؤسسات اليهودية .

لذلك كانت موجة العداء أكثرانتشارا.
ووصلت حتى استراليا طبقا لتقريرصحيفة)ألهيل(  التي بينت تصاعد المعاداة للسامي ين اليهود شملت تهديدات المراهقين بقتل طلبة)اليهود(في الحافلات المدرسية الابتدائية.
وفي فنزويلا أيضا الرئيس "مادورا" صرح في تجمعل أتباعه أن اليهود الذين يعيشون على أرضناعليهم واجب ومسؤولية بوقف قتل الأطفال الذكوروالإناث الأبرياء في غزة .

-وطبقا للصحيفة، فإن هذه الموجة ممتدة إلى أوروبا حتى سويسرا والسويد متخذة أشكال متعددة بدءاً- من الاعتداء على الأشخاص ومعابد اليهود الى رفض إحدى الأطباء في مدينة "انتوبري" في بلجيكا من معالجة امرأة يهودية أصيبت بكسور في الضلوع قائلا لابنها : أرسلها إلى غزة لبضع ساعات عندها ستتخلص من الألم ! ولم تخلو كذلك جدران المدارس والمعابد اليهودية من الشعارات المعادية .

وصرح أيضا يهودي ألماني لصحيفة "الجارديان" : إننا نسمع مقولات أقتلوا اليهود بالغاز ويجب حرق اليهود .

ما أهمية تأثير هذا كله؟قبل الإجابة على ذلك نقرأ للبروفيسور( مارك بيكر) مدير المركز اليهودي في جامعة ملبورن “موناش” الأسترالية بقوله : الناس يشعرون من خلال مشاهداتهم التلفزيونية أنهم يعيشون تجربة المظاهرات المعادية لإسرائيل وحرب إسرائيل على قطاع غزة .فالكل يتحدث عن هذا باستمرار من أن العالم لم يعد مفهوماَ، ويعيشون في خوف من وقوع كارثة وشيكة فالمجتمع في حالة من الفوضى ويبحث عن إجابات  .

 

البروفيسور" داني بن موشي" يصف أيضا التحول الجاري للجالية اليهودية في أستراليا بانه أقل من “زلزال”  . وبين أن اليهود لم يعودوا يشعرون بالحرية والأمان كما كانوا من قبل هذه الحرب  .   

والكاتبة الصحفية هاليلي"كينشي" تقول: إنني أعيش في أوستراليا منذ 19عاما، وأقر أن هناك تحول. أنها المرة الأولى التي أشعر فيها أن هويتي اليهودية هي مشكلة . أطفالنا يعانون من الخوف.

صحيح أن هناك حوالي مائتين وخمسين شخصاً من الناجون من المحرقة النازية وذريتهم اطلقو عريضة تدين جرائم الابادة الاسرائيلية ضد المدنيين في غزة . إلى أنها جائت متأخرة في الحرب . والتزمت المعابد واالمؤسسات اليهودية الصمت .

مرة أخرى ما تأثير هذا كله؟

ولا شك أن خداع شعوب العالم وفرض وجبات الرؤية الإسرائيلية "النتنة" في طرحها لأسباب الصراع وتكريس الاحتلال أصبحت تسبب " ألمغص” لإنسانية البشرية. وشعوب العالم باتت تحمل اليهود كافة مسؤولية السلوك الإسرائيلي، وخاصةً، أن الدعم اليهودي في العالم مادياً وسياسياَ ومؤسسيا، استمر وبدون تحفظ خلال الثلاثة حروب على قطاع غزة وفي إستمرارالاحتلال بصورة عامة.

إذاً، ليس هناك أدنى شك ، أن الطريق المتفرع عن الحل السلمي المستقيم . وحلول الابادات الجماعية . وبناء جسور الكبرياء  فوق حقوق الشعوب.  وطموحات إستخدام السلاح( من أي طرف كان) . لا يأتي إلى بالأسوأ والمجهول الغير متوقع أوالغير محسوب . الثمن الباهظ ... نتيجةً لنقض الاتفاقيات والمواثيق وأبسط الحلول.

وعليه ، لو كان المجتمع اليهودي في العالم فطنا ،واعيا ومدركا لمصالحه الحيوية الاقتصادية ورفاهيته في الدول الغربية تحديداً  في هذه المرحلة؛ لاتجه ليس فقط لتغيير السلوك الإسرائيلي وجوهر كيانه فحسب ؛ بل تولي حملة ملاحقة ومحاسبة المتورطين في) إسرائيل( في جرائم الحرب بنفسه; لعل هذا التوجه يطهر ماأصابه من تبعات الجريمة التاريخية من فعل )إسرائيل( الدولة بحق المساكين تحت الاحتلال في غزة . وترحمهم هذه المبادرة  في مواجهتهم أمام الرأي العام الدولي.

في نهاية الأمر وبالتأكيد ، إن حبل المشيمة السري بين اليهود والعالم قد بدأ يجف ويتقلص.  

إسرائيل حرقت قطاع غزة ، فكانت النتيجة أن حرقت كل أوراق التعاطف المجتمعي في قضية "الهولوكست" . ومعها حرية اليهود .!وعرضت مصالحهم الدولية للخطر  .فالهمجية )وخروج( إسرائيل عن عقلها في الحرب على الشعب الفلسطيني ؛ بات يقابله )خروج( وحش معاداة السامية اليهودية في العالم ... أمراً واقعياَ .

وسلاح الردع الجديد أمام سلوك إسرائيل مستقبلاً إن فكرت في حروب أخرى في المنطقة ؛ هو أمن وحرية يهود العالم.

التعليقات