السدود التلية المنجزة بأودية الجبال المطلة على اكادير بنيات تحتية وقائية رائدة وطنيا، لحماية المدينة

السدود التلية المنجزة بأودية الجبال المطلة على اكادير بنيات تحتية وقائية رائدة وطنيا، لحماية المدينة
رام الله - دنيا الوطن
تابعت جمعية بييزاج للبيئة باهتمام بالغ الظروف المناخية الدولية
والكوارث الطبيعية عبر العالم، وكانت الجمعية في السنوات الثلاثة الأخيرة نبهت السلطات والمنتخبين والمصالح الخارجية و المسؤولين المحليين والحكوميين إلى تنامي الكوارث الطبيعة للفيضانات وحرائق الغابات، بناءا على رصدها وتتبعها المباشر عبر وسائل الإعلام الوطنية والدولية وكذلك تقارير دولية صادرة من منظمات غير حكومية او منظمات أممية تكشف بالملموس ارتفاع مؤشرات الكوارث وما يترتب عنها من خسائر في الأرواح والخسائر المادية خصوصا بالبلدان النامية، والتي أخذت منحا تصاعديا إذ لا يمر يوما دون حدوث فيضانات وتساقط أمطار طوفانية استثنائية وفجائية في كل بقاع العالم، لم نسلم منها كذلك على مستوى جهة سوس ماسة درعة من خلال فيضانات تارودانت الأخيرة وتأثيرها على الساكنة والبيئة حيث قطعت الماء الصالح للشرب على أزيد من نصف ساكنة اكادير الكبير

وقد قدر تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة، أن الخسائر الاقتصادية التي سببتها الكوارث الطبيعية للفيضانات وحرائق الغابات منذ عام 2000 قد بلغت ما يقرب من 2.5 تريليون دولار، وهو ما يعد مرتفعاً بما يزيد عن 50% عن التقديرات الدولية السابقة، وقد حذر مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث في ذات التقرير أن الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الفيضانات والجفاف ستستمر في التصاعد وهو ما تمت معاينته مؤخرا بسبب تنامي كوارث الفيضانات، إذا لم تتخذ الحكومات والشركات الملوثة للهواء إجراءات وقائية وصديقة للبيئة من أجل الحد من التعرض لحدة تلك المخاطر على المستوى الإنساني والاقتصادي والتنموي. 

واجمع جل الخبراء والمتتبعين للشأن البيئي والتنموي، ان خسائر الأرواح ناتجة بشكل أساسي عن انعدام مشاريع وتجهيزات أساسية وانحراف التنمية بالمناطق المتضررة، التي تفتقر الى الحماية والوقاية القبيلة، وليس الى عوامل الطبيعة الاستثنائية فقط، وهو ما يضع المسؤولين وصناع القرار في مجال التنمية أمام محك حقيقي، مقارنة في ذلك حجم الكوارث بين الدول المتقدمة من جهة، والدول النامية حيث تكون نسب الخسائر البشرية مرتفعة جدا في البلدان النامية بمقارنة مع دول
أخرى بأوربا او أمريكا، وذلك نظرا لنجاعة الخطط و البنية التحية والتجهيزات الأساسية حيث تقلل من حجم الأضرار البشرية والمادية نسبيا التي تكون في اغلب الحالات الكارثية متوسطة الخسائر المادية مع تسجيل حالات وفيات قليلة جدا،
ويعزي الخبراء ذلك الى الفوارق الشاسعة في التنمية والبنيات التحتية التي تلعب دورا وقائيا ومستداما للحد من مضاعفات تقلبات المناخ الفجائية، والتي تثقل كاهل الدول بميزانيات غير متوقعة للطوارئ لتجاوز تلكم الخسائر وهو ما يجعلها
تعاني أعباءا إضافية، وتعقد مشاريع التنمية وتغير مساراتها وتعطيل انطلاقتها، لعدم اعتماد مخططات وتصاميم مستقبلية فيما يخص حماية المدن والقرى المعرضة للكوارث خصوصا الفيضانات جراء انتشار الأودية والأنهار وضعف بنيات قنوات الصرف الصحي ومجاري المياه وخلق بنيات حماية ووقاية.

1- فيضانات كشمير بالهند و البنجاب بباكستان دليل صارخ عن حجم الأضرار البشرية والمادية،عكس فيضانات أمريكا واستراليا وأوربا حاليا، فهي دروس وعبر لتعزيز الوقاية والحماية القبلية.

تابعت بييزاج الفيضانات التي شهدتها قرى ودواوير بتارودانت، خصوصا القريبة من الأودية التي نشطت فصل الصيف الأخيرة باهتمام بالغ، وتأسفت لسقوط ضحايا ولانعدام الإغاثة في الوقت اللازم للمتضررين الذين يعانون نتيجة تهدم المباني ووعورة المسالك، وهو ما اشرنا إليه في تقارير سابقة الى عدم انتظام
التساقطات واختلال التوازن البيئي للمناخ وضرورة اخذ الحيطة والحذر وتقوية ادوار الإعلام والسلطات ومحطة الأرصاد الجوية مع سكان المناطق المعنية بتلك الحالات المتقلبة للجو.

لكن الجمعية تابعت بشكل متواصل فيضانات كاشمير وباكستان حاليا والتي تعتبر أسوأ فيضانات منذ أكثر من عقدين، حيث حصدت الأمطار الأخيرة المزيد من الضحايا في أنحاء باكستان من جراء الأمطار الموسمية الغزيرة والسيول وارتفاع نسب الفيضانات لمستويات قياسية أغرقت قرى ومدن صغيرة وولايات عن كاملها، كما عاينا ذلك من خلال الصور والفيديوهات، بالاظافة إلى خسائر مادية تقدر بعشرات الملايين الدولارات، وسط توقعات باستمرار وتفاقم تلك الأوضاع، حسبما ذكر
مسؤول حكومي هندي. وقال المتحدث باسم الهيئة الوطنية لإدارة الكوارث،إن 61 شخصا لقوا حتفهم في ولاية (البنجاب) شرقي البلاد. و أن 38 شخصا لقوا حتفهم في الشطر الباكستاني من (كشمير)، بينما قتل 11 شخصا في إقليم (جيلجيت بالتستان)
شمالي البلاد . و معظم الضحايا قتلوا جراء تحطم أسطح منازلهم او جرفتهم السيول القوية. وتخشى السلطات أن يرتفع عدد القتلى وسط توقعات بالمزيد من الفيضانات والأمطار خلال هذه الفترة من السنة في باكستان، وعانت الهند سيول وفيضانات واسعة النطاق خلال موسم الرياح الموسمية السنوي.وفي عام 2010، قتلت السيول 1700 شخص في باكستان. وارتفع عدد ضحايا الفيضانات الشديدة في شطر كشمير إلى 116 قتيلا على الأقل، وطلبت السلطات المساعدة من مسؤولي هيئة الإنقاذ
الفيدرالية مع استمرار هطول الأمطار على معظم مناطق الإقليم الواقع بجبال الهيمالايا، ما اضطر الآلاف إلى ترك منازلهم بحثا عن مأوى.

أضاف خبراء ان الأسباب المساهمة في ارتفاع عدد الضحايا ليست الكوارث الطبيعية بل ضعف التجهيزات الأساسية للسدود التلية والسدود الكبرى وقنوات الصرف الصحي مبرزا في الآن ذاته ان استراليا وأمريكا عانت مؤخرا من فيضانات طوفانية وأعاصير مدمرة، لم تحصد أرواحا بالشكل الذي يحدث بالبلدان النامية بالهند وباكستان وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وشمال أفريقيا.

مشكل التغيرات المناخية من منظورنا كجمعية بيئية، لا تعنى بمناطق دون أخرى وهو ما يدعونا الى أخذ العبر والاستمرار في المخططات المديرية لحماية المدن بالمغربية من الفيضانات والتقلبات المناخية للأمطار الغير منتظمة وحماية السواحل من أخطار موجات المد البحري نتيجة الأمطار العاصفية . 

2- جاهزية السدود التلية بالمحيط الجبلي لاكادير الكبير وانتهاء الأشغال بها في وقت وجيز عمل وطني جبار لحماية المدينة ومحيطها من الفيضانات.

اكادير مدينة انشئت في منحدر، وسط أرخبيل من الأودية والروافد التي تخترق وسط المدينة وأطرافها، وبغية معرفة مصير تدبير مخططات الحماية من الفيضانات، تنقلت جمعية بييزاج لحماية البيئة لمعاينة سير الأشغال بالعديد من السدود التلية التي أعطي انطلاق بنائها في أبريل 2011 من طرف صاحب الجلالة، وذلك استمرارا لسياسة السدود التي يشرف عليها شخصيا، بمختلف أرجاء المملكة في وهذا المخطط الرباعي فقد امتد من (2011إلى 2014) و يروم حماية اكادير الكبير من الفيضانات التي تتسبب فيها سيول وخمولة أودية وروافد قادمة من جبال الاطلس الكبير المطلة على المنطقة وذلك من خلال برمجة مجموعة من التجهيزات الاساسية الهيدرولوجية على المدى المتوسط والطويل. كسد الغزوة الذي اغرق فيما مضى
المرينا وتضرر منه ميناء الصيد البحري لاكادير ومقاهي توادا...

هذه السدود التلية الصغيرة والمتوسطة تتكفل بانجازها وزارة التجهيز (قطاع الماء والبيئة) بتعاون مع وزارة الداخلية والمصالح المختصة في اجل حدد في سنتين خاصة بالأشغال بعد الدراسات التقنية، وبعد الزيارة الميدانية لجمعية بييزاج والاطلاع على وثيرة الأشغال: تبين أن السدود الأربعة أشرفت على
الانتهاء كليا، بل وانتهت في ثلاث مشاريع مسطرة في المخطط المديري المندمج لحماية اكادير الكبير من الفيضانات على الأودية المستهدفة بهذه السدود التلية، وذلك بكل من السد التلي المنجز على واد (يغزر العرباء) بمقربة من دوار (تاملاست)، وذلك لحماية أحياء تيليلا، والحي الصناعي تاسيلا، ومدينة الدشيرة،
انزكان، والقاعدة العسكرية والمطار العسكري،وبنسركاو واغروض، والسد التلي المقام على واد الحوار بمقربة من دوار (ايغيل اوضرضور)، لحماية الحي المحمدي وإحياء إيراك، والداخلة والقدس والمسيرة، وحي الرجا فالله، وحي مولاي رشيد، وحي أمسرنات، وحي سيدي يوسف، والحي الصناعي، حيث تسبب هذا الوادي النشيط في فيضانات سابقة في ثمانينيات القرن الماضي، وانتهاء أشغال السد التلي المنجز على ضفاف واد تلضي ، وتسير الأشغال صوب الانتهاء بالسد التلي على واد الغزوة،الذي تطلب بناؤه وضع 280 ألف متر مكعب من الردوم وإقامة حاجز رئيسي فوق الأساس على ارتفاع 22 مترا، 360 ألف متر مكعب وذلك لحماية الميناء والمارينا والمقاهي
بممر (تاودا)، كما لا يفوتنا ان نشير ان جل مكبات هذا الأدوية تتجه صوب المنطقة السياحية وهو ما نعتبر تهديدا مباشرا للاقتصاد المحلي ومعه الوطني، وكذلك سد تماعيت اوفلا لحماية دواوير (تماعيت إيزدار) و(تاكديرت نعبادو) و(الدراركة) من الفيضانات الجبلية، وكانت هذه الأودية النشيطة باكادير فيما
مضى فيما ما مضى تشكل تهديدا حقيقيا للمدينة، وأحياء بنيت على ضفاف الأودية كما هو الشأن بالنسبة لواد (تناوت) الذي يمر بجانب حي تدارت والشرف، وواد الحوار كذلك الذي يهدد الأحياء الشعبية لسيدي يوسف والفضية، يبقى ان نشير كذلك من خلال معاينتنا المتكررة لهذه التجهيزات الأساسية والبنية التحتية الوقائية، ان سير الأشغال عرف وثيرة متسارعة خلال هذه السنة 2014 نظرا للالتزام القانوني بالآجال المحددة للانجاز بعد الدراسات والأشغال، وهو ما جعل هذه السدود تكون جاهزة الآن لصد أي طارئ متعلق بالفيضانات.

المخطط المديري المندمج هو مجموعة من المشاريع التي تبلغ تكلفتها مليار درهم وتتوزع ما بين تشييد سدود سيدي عبد الله (700 مليون درهم)، وقد أنجز ويزود حاليا نصف المدينة بالماء الصالح للشرب، والسد التلي واد الحوار ( 60 مليون درهم) والسد التلي الغزوة (45 مليون درهم) وسد تملاست (40 مليون درهم) وسد إماون الصغير (عشرة ملايين درهم)، بالإضافة إلى إنجاز خمس عتبات على روافد وادي سوس للتطعيم الاصطناعي للفرشة المائية (عشرة ملايين درهم)، كما تشمل هذه البرمجة سلسلة من العمليات خلال الفترة ما بين 2012 و2014 تشمل بالخصوص بناء 12 حاجزا لتطعيم الفرشاة المائية على روافد واد سوس (30 مليون درهم) وتشييد خمسة سدود تلية، هي أيت أوزاد (35 مليون درهم) وتاوريرت (30 مليون درهم) ونومازير ( عشرة ملايين درهم) وأخفمان (8 ملايين درهم) وتيوارضوين (8 ملايين درهم).

هذه السدود الأخيرة لم تطلع عليها بعد بييزاج لتعرف سير أشغالها كما ان تأثيرها الاقتصادي ليس بنفس الحجم كما هو الشأن بالنسبة لاكادير الكبير،كما حدث ذلك خلال موسم 2010ـ2011 الذي اغرق الدشيرة وتسيلا وشارع محمد الخامس ومارينا وهدد المنطقة السياحية باختناق المجاري التي تحولت في أحيان كثيرة الى نفورات، كما لا يفوت بييزاج ان تثني على عمل لجنة اليقظة المتكونة من عدة مصالح الخاصة بهذه الأحداث البيئية، والتي تواصل اجتماعاتها عند الطوارئ، وكذلك العمل الاستباقي خلال فصل الخريف بتنقية المجاري وقنوات الصرف الصحي من الأوحال و الأتربة، لما يناهز 30 ألف بلوعة صرف صحي في الطرقات والأزقة والمدارات بمدينة اكادير لوحدها يسهر على تنظيفها عمال المجاري الذين يستحقون الثناء والإشادة بعملهم الايكولوجي والوقائي الذي لا يعيره أحدا أي اهتمام.

3- ندعو إلى ضرورة تعزيز الوقاية بالحراسة والتسييج ووضع التشوير بمنع السباحة في تلك السدود التلية، الفارغة من المياه حاليا. *

وإذ تعتبر جمعية بييزاج انجاز هذه المشاريع في بوثيرة سريعة منذ 2012 وخروجها لحيز الوجود انجازا بيئيا وقائيا محليا كبيرا، وذلك لتعزيز البنية التحتية الوقائية، وحماية المدينة والبيئة الحضرية ومحيطها من الفيضانات والكوارث الناجمة عنها، وتثمين الاستدامة المائية بتطعيم الفرشة المائية الجوفية ، كما لا يفوت بييزاج ان تثني على مجهودات المصالح والأطر والكوادر والمقاولات المغربية التي سهرت على تتبع وانجاز المشاريع بمواطنة صادقة ومسؤولية كبيرة عبر تسريع وثيرة الأشغال لتكون جاهزة لحالات الطوارئ، والتي ندعو فيها العلي القدير ان يلطف بنا عند قضاءه وقدره.

يبقى فقط ان نشير الى ان تلك السدود التلية المنجزة والتي عايناه عن قرب تحتاج الى حراسة أو تسييج محيطها وتشوريها لمنع السباحة واللعب فيها، لأنها تشكل تهديد حقيقي للأطفال، الذين قد يتعرضون للغرق أثناء السباحة في الأوحال، كما حدث مسبقا بمنطقة تماعيت اوفلا وسد تملاست الذي ذهب ضحيته أحد الأطفال القاطنين بدوار (أمونسيس) الجبلي خلال الصيف الحالي، فالتشوير والتسييج والتوعية بالمناطق المحيطة أمر ضروري وذلك بمنع السباحة في هذه المناطق الخطرة مع التذكير بأنه سبق لأطفال ان غرقوا أثناء السباحة مما سيجنب الجميع دخول هذه
المناطق ذات المنفعة البيئية والهيدرولوجية، ووقوع ضحايا من الأطفال، فالسدود التلية بنية تحتية بيئية ايكولوجية ومستدامة تساهم في تطعيم الفرشة المائية لاكادير، حيث تؤكد الأبحاث الخاصة في هذا الإطار الى زحف المياه المالحة للبحر
على المياه الجوفية العذبة، التي تناقصت في السنوات الأخيرة نتيجة الضغط الممارس بسبب حفر الآبار العديدة بالمدينة ومحيطها، ومن شأن هذه السدود التلية تعزيز الفرشة المائية الجوفية عبر حفر آبار جانبية محمية ومعزولة، دون ان نغفل الحاجة الماسة لتنقيتها من الأوحال وهو مجهود كبير، يساهم في طول عمر هذه التجهيزات لمدة قصوى ولأداء أدوارها والاستفادة منها بشكل مستدام، فالأوحال والحصى والأحجار التي تحملها السيول تساهم في ارتفاع نسب الماء، كما يجب منع تلويث مياهها بالنفايات السائلة وتعزيز دور الرصد والتتبع والتبليغ من طرف
المواطنين الدواوير القريبة والجمعيات المحلية كشريك بادوار مهمة في الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة، بأهمية حماية هذه التجهيزات من عبث مخربي البيئة ومجرمي إتلاف وتخريب التجهيزات العمومية للوطن. 


رشيد فاسح






التعليقات