"اللامكان" لبشار الحروب .. المخيم المذهب والحكايات البيضاء !

رام الله - دنيا الوطن
هي مساحة للتناقض مفعمة بالرموز، فلا يمكن أن يكون المخيم مذهباً، ولا حيوات من يعيشون فيه، كما أن البياض في اللوحات على تنوعها يبدو كبوّابات غير محددة بزمكان، ومفتوحة ليس فقط على السماء، بل على تأويلات عدّة .. هذا ما يمكن الاستهلال به عند الحديث عن المشروع(المعرض) الجديد للفنان الشاب بشار الحروب، بعنوان "اللامكان"، وينطلق في "جاليري 1"، بمدينة رام الله، مساء الثلاثاء، ويتواصل لقرابة الشهر.

جولة في مرسم الحروب، مؤخراً، وقبل إنجاز اللوحات بشكل نهائي، كانت كفيلة بأن أشعر أنني أمام عمل مهم، واطلع على المخيم الذهبي برؤية فنان مبدع عاش تجارب مختلفة في بعضها داخل فلسطين وخارجها، فكان للأزقة المحشوة بالمآسي والآمال، فعل السحر على الساحر أصلاً، وكانت اللوحات التي ترافقها ما يشبه الصور الجوية، وفيديوهات تجعلك، دون أية كلمات، أو حكايات ترصدها، داخل أحشاء المخيم الذي لا يزال يرافق الفلسطيني أينما حلّ، بل وربما يحتله في العمق أيضاً، فالخيام البيضاء كما هي مساحات لوحات الحروب، تدق أوتادها في دواخلنا.

ولعل ثمة تقاطعات بين ما قلته وما قالته سوزان سلافيك، الناقدة الفنية الأميركية حول "لامكان الحروب": ان الذهب ثمين, وكذلك الحياة، أو هكذا نفترض.ولكن, ما الذي يمكن أن نفترضه في مشروع اللامكان لبشار الحروب؟... ان الذهب حاضر في كل صورة,ما يستدعي متابعة الخيميائي مادياً ورمزياً, فعملية التحويل والتحول هي في صلب التقاليد الخيميائية، سواء بما يتعلق بحجر الفلاسفة أو تطوير المعادن النبيلة أو إكسير الحياة.هذا مزيج من فلسفة العلم والتصوف.. أصبحت الكيمياء كناية عن العمل الإبداعي الذي يسعى ممارسوه لتحويل المعادن الرخيصة إلى معادن ثمينة مثل الذهب والفضة. كذلك هو حال الفنانين، فهم يسعون إلى التحول ويقومون بعملية تحول المواد والأفكار والعلاقات، وبشار الحروب يصارع على تخوم هذه السلطة.

وأضافت: في اللامكان نجد بنىً بيضاء بسيطة تشكل أبراجاً أو تطفو وحيدة في حقول من ذهب. هذه البنى هي بنى مؤقتة، مقتلعة ولا تستقر على الأرض. ومع كل ذلك فهي "الوطن" – البيت الوحيد المتاح لما لا يعد ولا يحصى من اللاجئين الذين يتكاثرون على مدى عقود, وأصبح تكاثرهم الآن سريعا بطريقة مخيفة,و في ظل ظروف لا يمكن وصفها للفلسطينيين الواقعين تحت الإحتلال وفي المنافي. إن التوسع  في إستخدام الذهب قد يكون إصراراً على القيمة، بحيث أن الحيوات التي أوجدت في هذه المقامات تستحق أن تعاش, بل وتستحق ما أكثر من ذلك. وفي أعمال أخرى فإن الذهب يتكلم على خلفيات أخرى من المجالات الفارغة، عازلاً المتع الصغيرة وواقع الحياة اليومية للمهجرين. طفل يتوازن على أرجوحة مؤقتة ترتكز على حاويتين من الذهب, وطفل ينتعل صندلاً من الذهب يرقد على وسادة من طوب الذهب؛ وآخر يحتمي أو ينام في صناديق من الورق المقوى. صبي يعتمر خوذة من صندوق جولف من الورق المقوى. طفل يستحم في حوض بلاستيكي قدمته المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة. حمار ذهبي يحمل أطفالاً برزم ملفوفة بالذهب؛ وأطفال يقفون بلا مرافق يلتحفون بمعطف طويل أو يسيرون بممتلكاتهم الضئيلة. كل واحد من هؤلاء مرسوم بالذهب.ان الأشياء المهملة المنتشرة تصبح وسائلا للراحة، ملاجيء وألعاب في الظروف الصعبة؛ حيث تصبح الحاجة أم الإختراع.

وفي وقت اختصر الحروب حديثه عن مشروعه الفني الجديد بأنه "حول اطفال المخيمات"، قال البروفيسور والقيم الفني أندرو جونسون اليس: إن مصدر الصور في مشروع بشار الحروب "اللامكان" هو أطفال المخيمات التابعة للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة، وهي صور مألوفة في كل مكان. إن هذه المخيمات ولأهداف النفعية والضرورة وتصميمها الاقتصادي تكتسب مظاهراً عامة، بالإضافة إلى أن أماكنها تتسم بالغموض.  ومن المفترض أن لا يكون لهذه المخيمات مكاناً في عالمنا.

 

وأضاف: لا يوجد أحد مسؤول عن هذا "اللامكان" بشكل خاص، فالأطفال غير مسؤولين على وجه التأكيد، فليس لهم يد في وجودهم في هذا "اللامكان". إنهم يقفون في "اللامكان" أمام عدسات الكاميرات ويقومون بتمثيل صامت للفتات عالمية، مثلهم مثل أي أطفال آخرين. فإن كانت صورهم صريحة يتم تجهيزها، وإذا كانت أنشطتهم بريئة يتم تركيبها. وإذا كانت إحتياجاتهم ملحة يتم تأطيرها وإن كانت المناشدات شائعة كثيرة يتم التحكم بها. إنهم يقدمون أنفسهم إلينا بدون لائمة. إننا أحرار بأن نتعاطف، نساهم، نتبرع وندعم. ومن الأفضل أن نساعدهم "بالشفاء واللعب" من خلال كرمنا ومشترياتنا. إن مساعدتنا لهم لا تمحو تآمرنا كما أنها لا تصدمنا بنفاقنا. إن ضمائرنا تبقى سليمة وغير قلقة، وعلى النحو المنشود.

التعليقات