اللواء كامل ابو عيسى لدنيا الوطن : الوزير عمر سليمان وقصه اتصالي الأخير مع الرئيس عرفات قبل اغتياله

اللواء كامل ابو عيسى لدنيا الوطن : الوزير عمر سليمان وقصه اتصالي الأخير مع الرئيس عرفات قبل اغتياله
بقلم: اللواء الدكتور كامل ابو عيسى

من قتل ياسر عرفات؟ ومن قتل عمر سليمان؟

 أبو عمار استشهد في رام الله ومات في باريس وعمر سليمان استشهد في القاهرة ومات في امريكا، تفاهمان علاقة الموت الغامض والقتل الرحيم بين فرنسا والولايات المتحدة الامريكية لا تشبه وبالتأكيد العلاقة الجدلية التي كانت تربط بين القائدين الشهيدين، كان عمر سليمان بمتابة الصديق الحميم والحليف المؤتمن للرئيس أبو عمار وكان أبو عمار رفيق وحبيباً متعباً في غموضه المراوغ بالنسبة للوزير عمر سليمان.
العلاقة القدرية التي ربطت بين الشهيدين كان لها توابعها الغامضة ، لم يدر في خلد أبو عمار ولا في أحلامه أن الوزير عمر سليمان سينقله من القاهرة جثماناً ملفوفاً بعلمي مصر وفلسطين إلى متواه الأخير في رام الله ، ولم يدور في خلد أبو عمار بأن هذا العملاق المصري الفلسطيني الهوى والعربي الإنتماء سيترجل يوماً عن صهوة الغموض بفعل الموت المريب، فرنسا قالت: أن أبا عمار مات لاسباب تتعلق بمرض غامض وأمريكا قالت: أن عمر سليمان مات لاسباب تتعلق بمرض نادر، وبين المرض الغامض والمرض النادر ودعت مصر وفلسطين والأمة العربية العملاقان بالدموع والحسرة والفزع والخوف من المجهول تحت وقع ضربات وجرائم ربيع الفوضى الخلاقة الأمريكية والاحتلال الاسرائيلي البغيض.

كان ابو عمار المحاصر في رام الله يحاول ان يجعل من مقره الرئاسي في المقاطعة مركزا للسيطرة على كافة أوجه النشاط المتعلق بالسلطه الوطنية الفلسطينية وبشكل خاص في قطاع غزة والذي بدأ يشهد حاله غير مسبوقة من الفلتان الأمني والفوضى الاجتماعية وهي الحاله التي دفعت الجانب المصري في
حينه ولاسباب تتعلق بالامن القومي وفي اطار من الحرص الاستراتيجي على مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني وعلى اساس التصدي بالممكن والمتاح للهجمة العدوانيه الإسرائيلية وتعزيز الصمود في مواجهتها ولدرأ كافة الاحتمالات المؤشرة عن احتمالية وقوع نوع من الحرب الاهلية على الصعيد الداخلي الفلسطيني تحت ضغط التدمير الاسرائيلي المدروس لكافة المؤسسات السيادية الفلسطينية وحيث تم تدمير مراكز القيادة والسيطرة الميدانية للاجهزة العسكرية والأمنية ومقرات الشرطة المدنية وبعض الوزارات بالإضافة الى المطار والمنتدى أي المقر الرئاسي الفلسطيني على ساحل بحر غزة ولكل هذه الأسباب وفي مجموعها قدم الجانب المصري رؤيته لعملية اصلاح اداري شامل وبشكل خاص على صعيد المؤسستين العسكريه والأمنية للرئيس عرفات وعلى قاعدة احالة العشرات من القيادات الامنية والعسكرية والشرطية المتنفذه للتقاعد واستبدالها بقيادات شابه اكثر التصاقا بالمشروع الوطني الفلسطيني واقل استجابة للضغوطات الاسرائيلية والإقليمية والدوليه والأمريكية على وجه التحديد وعليه فقد شهدت المقاطعة العديد من الزيارات المتكررة والمتتابعه للوزير الشهيد عمر سليمان مدير المخابرات العامه المصريه في حينة وهي زيارات كانت بهدف التاكيد على شرعية ومكانه الرئيس ابو عمار القيادية من جهة ولمطالبته بالشروع الفوري في تنفيذ بنود عمليه الإصلاح الإداري على الصعيدين الأمني والعسكري من جهة أخرى .


 وللأسف فإن الحالة النفسية المرتبكة للرئيس ابو عمار بسبب تداعيات الحصار الاسرائيلي والأمريكي المفروض علية كانت تجعلة أكثر تردداً في هذا المجال فهو يوافق من جهة ويرجئ الموضوع لفتره وجيزة من الوقت من جهة اخرى وبدون ان تكون لدية الاسباب والمسببات المقنعة لهذا الارجاء ، ومع كل زيارة كان يقوم بها الوزير عمر سليمان للمقاطعة في رام الله كان الهامسون وكتبة التقارير المفبركة يسارعون وقبل الزيارة بتقديم توليفة من المعلومات المدعومة من قبل بعض وسائل الاعلام عن خطط ومقترحات وشيكة ستتقدم بها اطراف اوربية واسرائيلية وامريكية صديقة لانهاء ازمه حصار الرئيس ابو عمار . وللامانه وانصافا للحقائق التاريخية فقد وقع الرئيس ابو عمار في شراك الفخ الاستراتيجي الاسرائيلي والذي تم نصبة اليه منذ زياره الثعلب شيمون بيرس العاجلة الى غزة وعرضه على ابو عمار مشروع اسرائيلي لقيام دوله فلسطينية في قطاع غزة والعريش وشمال سيناء عموما في مقابل تحجيم وتقزيم المطالبات الفلسطينية المتعلقة بضرورة الانسحاب الاسرائيلي التام والشامل من جميع مناطق الضفة الغربية والقدس الشرقية ، رفض الرئيس ابو عمار بشدة هذا المشروع وابلغ الجانب المصري بالعرض الاسرائيلي الخبيث ومنذ رفضة لهذا المشروع بدأت اسرائيل بوضع خططها الخاصه بها للخلاص من حكم الرئيس عرفات ، رفض الرئيس عرفات للمشروع كان يجب ان يتزامن مع اعداد حقيقي لاعلان قيام دوله الامر الواقع الفلسطينية في عموم الاراضي الفلسطينية المحتلة منذ عدوان الرابع من حزيران لعام 1967 م ومع نهاية اليوم الاخير من عمر اتفاقية اوسلو أي بتاريخ 25/5/1998 م ومع انه استعد لهذا الحدث وقام بجولات مكوكية لعشرات من الدول الصديقة والمؤيدة للحق الفلسطيني وحصل على مباركتها الا انه وبعد عناء وتعب الستة شهور المذكورة من حركتة بهذا الاتجاه تراجع عن المشروع في اخر 72 ساعة وهي الساعات التي تعرض فيها لضغوطات هائلة بالاضافة الى وعود كاذبة بإجبار اسرائيل على التفاوض الجاد وصولا الى حل الدولتين .


 فكانت الدعوه بعد ذلك الى مؤتمر ومفاوضات كامب ديفد والتي انتهت في حينه بتقديم الرئيس الامريكي بيل كلينتون لمبادرته الشهيره للحل وهي المبادرة والتي وعلى الرغم من بعض الملاحظات عليها كانت تعبيرا عن اقوى واخر موقف امريكي رسمي داعم لحل الدولتين ولتخليص الشعب الفلسطيني من براثن الاحتلال الاسرائيلي ولقيام دولته المستقله وعاصمتها القدس الشرقية وبعد الاخد ببعض المطالبات الاسرائيلية المتعلقة بحاره المغاربة وحائط المبكى وتوسيع عمليه تبادل الاراضي من ثلاثه الى خمسه بالمئة ، وعموما فالمبادرة كانت تتحدث عن استرجاع 95 في المائة من الاراضي الفلسطينية المحتله منذ عدوان الرابع من حزيران لعام 1967 م ، وعلى اساس منطق العداله التاريخية فإن ذلك لا يستجيب لكل حقوق الشعب الفلسطيني ولكنه وبلغة البرغماتية السياسية والمبنية على اخذ الممكن والمتاح للسيطره العملية على الواقع كان يشكل نوعاً من الانصاف الامريكي للشعب الفلسطيني على حساب الاطماع الاستعماريه والصهيونيه لكيان الدوله الاسرائيلية ، وفي تقديري فإن قبول الجانب الفلسطيني لهذه المقترحات كان سيؤدي عمليا الى احداث شرخ عميق على صعيد المجتمع والجبهة الداخلية الاسرائيلية وكان سيضع اسرائيل تحت سيل من الضغوطات الامريكية والدوليه لعدم استطاعة قياداتها على تنفيذ المطلوب في بنود المبادرة وكان سيخلصنا من عبئ ومشاكل الانتفاضة الثانية والباسلة التي قام بها ابناء الشعب الفلسطيني دعما لمواقف الرئيس ابو عمار والتي انتهت بوصول اليمين الاسرائيلي المتطرف بزعامة الجنرال ارئيل شارون للحكم وحيث تم عمليا القاء المشروع الوطني الفلسطيني في سلة الممنوعات الاسرائيلية المدعومه امريكيا طوال ولايه الرئيس الامريكي الاحمق جورج بوش الابن للبيت الابيض .

ومع اقتراب ولاية الرئيس بيل اكلنتون من نهايتها وصعود نجم اليمين الاسرائيلي الصهيوني واليمين المسيحي المتصهين والداعم للمرشح الجمهوري في الانتخابات الامريكية بدأت تتسلل عوامل اليأس من اللعبه السياسية عند الرئيس عرفات والذي كان المهندس الفعلي للانتفاضه الفلسطينية الثانية ، وكما يبدو فان الصراع بعوامله الدفينة والمتراكمة بين الرئيس عرفات والجنرال شارون ومنذ حرب وعدوان اسرائيل على الثوره الفلسطينية في لبنان صيف عام 1982 م والصمود الاسطوري والبطولي للقياده الفلسطينية وللشعب الفلسطيني في بيروت وعلى ارض الجنوب اللبناني والذي انتهى بمجزره الحقد الصهيونيه في مخيمي صبرا وشتيلا ومن ثم اعتكاف مناحيم بيجن وسقوط الجنرال شارون وادانته بالتسبب بجلب الكوارث على الشعب الاسرائيلي وتعريضة لمكانه وسمعه الجيش الاسرائيلي للاهتزاز والمطالبات الاسرائيلية بتقديمه للمحاكمة كمجرم حرب القت بالجنرال شارون الى سله المهملات الاسرائيلية ولفتره مديدة من السنوات في حين حافظ الرئيس عرفات على صموده الاسطوري عبر سلسله من النشاطات السياسية واعمال المقاومه الناجحة وصولا الى اندلاع الانتفاضه الاولى في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة وهي الانتفاضة التي جعلت من ابو عمار نجما لامعا في ضمير وعقول قادة العالم ورمزا من رموز الحريه المستباحة دوليا بفعل استمرار الاحتلال والقمع الاسرائيلي للملايين من ابناء الشعب الفلسطيني .


الانتفاضة الفلسطينية الاولى حملت القيادة الفلسطينية الى مؤتمر مدريد للسلام وهو المؤتمر الذي كرس نوعا من الاعتراف التفاوضي والعملي بالقيادة الفلسطينية وكرس نوعا من المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية عبر العديد من الجولات في واشنطن وبرعاية امريكية وهي المفاوضات التي حجبت الاضواء عن قنوات التفاوض السري بين وفد فلسطيني يمثل منظمة التحرير الفلسطينية ووفد يمثل الحكومه الاسرائيلية وانتهى بالتوقيع على افاقيات اوسلو الشهيره وعلى قاعدة من الاعتراف المتبادل بين الجانبين .

عوده شارون للحياه السياسية بإقتحامه لباحات المسجد الاقصى على رأس المئات من المتطرفين الصهاينة ووصول الرئيس عرفات لحاله من اليأس والاحباط من النتائج المتوقعه للعمليه السياسية كان السبب المباشر لاشتعال نيران الانتفاضة الثانية .
وعمليا وللامانه واذا كان لا بد من اندلاع الانتفاضة الثانية فقد كان الاجدى بالرئيس عرفات والقيادة الفلسطينية اشعالها بتاريخ 25/5/1998 م وبالترافق العملي مع اعلان دوله الامر الواقع الفلسطينية وعلى اساس برنامج كفاحي وسياسي وتفاوضي واضح يستند الى ديباجة نص اتفاقيات اوسلو وكامب ديفد والتي تحدد الوصول لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني في انتخابات حره بعد انقضاء المرحله الانتقالية ، وكان ذلك يضع ادارة الرئيس بيل كلينتون في البيت الابيض الامريكي امام تعهداتها والتزاماتها قبل ان تضيق عليها فسحة الوقت المتاح للتحرك دوليا وعلى الصعيد الفلسطيني بسبب اقتراب مواعيد الاستحقاقات الانتخابية الامريكية ، الخطأ في استغلال الفرصة المتاحة والخطأ في تقدير الفسحة المتاحة من الوقت للادارة الامريكية كان سبباً في سلسله كبيره من الاخفاقات على الصعيد الفلسطيني وعليه فإن تحرك الوزير عمر سليمان ومطالباته الملحة بالقيام بسلسله من الاصلاحات الادارية والسياسية وبشكل خاص على صعيد المؤسستين العسكرية والامنية كان يعكس نوعاً من التوجهات الاستراتيجية المصرية الهادفة الى تحصين وتوحيد البيت الفلسطيني وتحسين قدرتة على الصمود في مواجهة مرحلة من التغول الاسرائيلي المجنون والمدجج بكافة قطعان اليمين والمستوطنين والهادفة الى تدمير والغاء المشروع الوطني الفلسطيني برمتة .

في ظل هذه الاجواء الملبدة وبكل انواع التدمير والقتل الاسرائيلي ضد ابناء الشعب الفلسطيني بدات حكومه الجنرال ارئيل شارون في مخططها الاجرامي الهادف الى اغتيال وقتل الرئيس عرفات الا ان الرئيس جورج بوش الابن وعلى الرغم من دعمه الواسع للعدوان الاسرائيلي والذي وصل حد القبول بقصف المقاطعة وحصارها بالدبابات الاسرائيلية وهي المقر الرئاسي للاخ الرئيس ابو عمار في رام الله وتقييد حركته وفرض حصار ورقابه صارمه على اتصالاته وعلى نوعية الاطعمه المقدمه للمحاصرين معه في المقر لم يمنح الاذن والغطاء لحكومه اسرائيل باستهداف حياة الرئيس ابو عمار وقتله وبحسب المنقول عن وسائل الاعلام والمصادر الامنية الاسرائيلية قال جورج بوش الابن للجنرال شارون : دعه حتى يأخذ الله روحه فرد عليه شارون بالقول : احيانا يكون الله بحاجة الى مساعدتنا في تنفيذ هذه المهام .

وكعادتها ولكي تجبر اسرائيل الولايات المتحدة الامريكية على الموافقة قامت بتدبير العمليه الامنية البشعة والتي استهدفت موكبا للضباط الامريكيين في منطقة ايرز اثناء عودتهم من قطاع غزة وبالتأكيد فان مقتل الجنرالات الامريكيين الثلاثة وفي انفجار عن طريق عبوه ناسفة شديدة الانفجار وضعت في طريقهم اثناء العودة اثار زوبعه من الهرج والمرج والارتباك على الصعيد الفلسطيني وقدرا كبيرا من الغضب والحنق الرسمي الامريكي ، اسرائيل من جهتها وجهت اصابع الاتهام باتجاه المجموعات الفلسطينية المسلحة وادارة البيت الابيض الامريكي التي ترضع معلوماتها من المصادر الامنية الاسرائيلية صدقت الرواية وبدأت في تحميل الجانب الفلسطيني والسلطة الوطنية الفلسطينية المسؤولية عن هذا الحادث وحتى سارعت بعض اجهزة السلطة الوطنية الفلسطينية وبدون تفكير الى القيام بسلسله من الاعتقالات بحق بعض المنتسبين الى المجموعات المسلحة الفلسطينية وهو اجراء كانت تعتقد بصوابيتة لتهدئة خواطر الامريكيين ولكنها لم تدرك خطوره عواقبة على الصعيد الاستراتيجي امنيا وسياسيا فهي بذلك وبقصد اوبدون قصد تقدم صك براءة على بياض للجانب الاسرائيلي وتضع الشعب الفلسطيني والسلطة والقيادة الفلسطينية في دائرة الاتهام وهو الامر الذي كانت تسعى اليه الحكومه الاسرائيلية من وراء تخطيطها الامني الدقيق لهذه العملية المرعبة وبهدف وبغرض نزع الغطاء الامريكي والدولي عن حياة الرئيس عرفات تمهيدا لاغتياله غدرا وبالاسلوب الذي يناسبها ، وعليه وبدون تردد قمت باعداد تقرير مختصر عن العمليه للاخ ابو عمار وطالبته بعدم الوقوع في الفخ الاسرائيلي وان لا يضع نفسه في دائرة الاتهام وان يتعامل مع هذه العمليه على اساس انها وقعت في المربع الامني التابع للسيادة الاسرائيلية وان يصدر اوامره وتعليماته للافراج الفوري عن المعتقلين ، وقد كانت استجابته فورية وعاجلة ومن خلال تأشيرته الواضحة على التقرير والمعنون لكافة الاجهزة وبدون استثناء بالافراج الفوري عن المعتقلين على خلفيه هذه العملية وقد تم ذلك الا ان حنق وغضب بعض الاجهزة بلغ حداً لا يطاق وهو الامر الذي دفع بي لمغادرة قطاع غزة الى القاهره فورا حتى تهدأ النفوس والخواطر ، وفي القاهره ابلغني مصدر امني سيادي بضرورة البقاء في مصر والى ان تهدأ الامور تحسبا لردات الفعل التي قد يقوم بها بعض المحسوبين على الطرفين الامريكي والاسرائيلي .

وبعد فتره وجيزة عدت من القاهره الى غزة واخدت في ممارسه عملي الإداري كالمعتاد ومع مرور الوقت تنبهت الى قضية لا تخلو من الغموض فالتقارير التي كنت بحسب عملي ابعث بها للاخ ابو عمار حول بعض المسائل الامنية او السياسية الهامه لم تعد تظهر في بريد الاخ الرئيس المؤشر عليه من قبله ولم اجد تفسيرا منطقيا لذلك كما لم اجد التفسير المقنع للخطوه المفاجئة التي اقدم عليها الاخ ابو عمار باعتمادة لكشف الترقيات المثير للحيره والارتباك والذي شمل معظم من كان الوزير عمر سليمان يطالب باحالتهم للتقاعد في اطار مشروع الاصلاح الاداري والامني للاجهزة .

ومع مرور الوقت وتفاقم الاوضاع شعر الاخ ابو عمار بأن المساومه التي اقدم عليها في موضوع كشف الترقيات لم تساهم في فك الحصار عنه كما كان يوحي له وسطاء السوء وادت في المحصلة الى حدوث نوع من البرود في علاقته المصيريه والتاريخية مع الجانب المصري ومع الرئيس حسني مبارك والوزير عمر سليمان بشكل خاص ، وعشية احد الايام حضر الى منزلي عدد من نشطاء الانتفاضة بصحبة احد العاملين في مكتبي وبشكوى ان فلان والذي تربطني به صداقة وعلاقة مديدة ذهب الى رام الله وعاد وهو يحمل دعما ماديا لهم من قبل الرئيس الا انه هذه المره يصر على عدم تسليم هذا الدعم لهم وهم في امس الحاجة اليه ، وعدتهم بالعمل على حل هذه الاشكالية بطريقة ودية وبعيدا عن المشاكل وفي صبيحة اليوم التالي ذهبت الى منزل الاخ والصديق المذكور وقبل ان احتسي معه فنجان قهوه الضيافة ابتسم مرحبا وهو يقول : اسمع يا دكتور انا رجل امن مخضرم وقد افنيت عمري كله في خدمه الثورة وفي العمل مع صاحبك الاخ ابو عمار وبالتأكيد ان بعض الاخوه قد اشتكوا لك مني وهم على علاقه طيبه معك وهم على حق في شكواهم ولكنني وعلى امتداد الشهور الاربعه القادمه سأعمل على جمع اكبر كميه من المال بأي اسلوب او طريقه كانت ولا تسألني كيف ؟! ولماذا ؟! اريد ان احمي حياتي ومستقبلي فنحن مقدمون على احداث كبيره وخطيرة . ودعته والهواجس تأكل رأسي فهذا الغموض الصريح في فصاحتة يحمل مؤشرا خطيرا وكبيرا وكما يبدو فإن صاحبي فلان المشهود له على الصعيد الامني قد احس بأن هناك شيئ ما يدبر للمساس بحياه الرئيس ابو عمار . وقبل انقضاء مده الأربعة اشهر وتحديدا في 25 من سبتمبر ايلول توجهت الى القاهره لاجراء بعض الفحوصات الطبية وبنيه السفر الى موسكو اذا اقتضى الامر وحيث كانت لدي تأشيرة على جوازي للسفر الى روسيا وهي صالحه الى نهاية اكتوبر ، وبعد مرور أربع وعشرون ساعه على وجودي في الفندق اتصل بي الوكيل اللواء مصطفى البحيري مهنئا بالسلامه وبغرض الاطمئنان على صحتي ثم طلب مني الانتظار في الفندق لأنه ارسل سيارة مع بعض العاملين معه لاصطحابي للمقر وللحديث والحوار في بعض الامور الخاصة بالشأن الفلسطيني وبعد ان وصلنا كان على عادته المعهوده عنه ودوداً وطيباً وعلى درجة كبيره من الاهتمام بالمستجدات المتعلقة بالوضع الفلسطيني وبالمعاناه الخاصة التي يتعرض لها الرئيس عرفات كنتيجه مباشرة للحصار الاسرائيلي المفروض عليه في المقاطعة وبعد تبادل عبارات المجامله واهتماهه بحالتي الصحية بعد شفائي من حاله التسمم التي اصابتني وبعد ابداء اعجابه بكفاءة الاطباء الروس الذين اشرفوا على علاجي قال : حياة ابو عمار يا دكتور في خطر ونحن نحاول وكما تعلم بالممكن والمستطاع مساعدته على الخروج من مأزق الحصار ولدينا اسباب كثيره تستوجب القلق على حياتة وحياته غاليه علينا وعليكم وعلى مستقبل الشعب والقضية الفلسطينية وبالمناسبة فان بعض المشبوهين المحسوبين على اسرائيل وامريكا اتخدوا قراراً ومنذ اربع اشهر بمنع أي تقرير او ورقة سياسية موقعه بأسمك من الدخول عليه ونحن ننظر لهذه القضية بخطوره بالغة وبأعتبار ان ما تقدمه اليه هو الموقف الوطني الصادق والأمين وعلمت بان الوزير عمر سليمان وفي اول لقاء قادم معه سيبلغة بالامر ثم نظر نحوي وهو يبتسم وقال : لا تندهش ولا تنزعج فأنت تدفع ثمن وطنيتك التي نعتز بها اما بالنسبة لحالتك الصحية فأنني انصحك بالسفر الى روسيا ومتابعتها هناك وقد سبق لهم وان عالجوك بشكل ممتاز . ودعته وعلى امل اللقاء ثانية بعد عودتي من موسكو وقبل التوجه الى المطار بساعات كتبت تقريراً على هيئة رسالة للاخ ابو عمار وطالبته فيه : وبصريح العبارة : بعدم اعطاء الفرصه لمن يريد عزلك وابعادك يا اخ ابو عمار عن مصر وبغرض وبهدف الاستفراد بك والفتك بك ، وانني لمست قلقا كبيرا لدى الجهات السيادية المسؤوله عن الملف الفلسطيني بسبب ما تتعرض له من ضائقة الحصار وانني استهجن لماذا لا تقوم القوي الوطنية والاسلامية بالدعوى الى عصيان مدني شامل في عموم المناطق الفلسطينية والى ان تستجيب القوى الدوليه لمطلب فك الحصار الاسرائيلي الظالم المفروض على الاخ الرئيس في المقاطعة . وفي موسكو تم اعلامه بان هناك رساله هامه وشخصية من الدكتور كامل ستصلك على الفاكس وبفطنته المعهوده استلم الرئيس عرفات الرساله المرسله بالفاكس شخصيا ولم يترك المجال لأي كان مساعدته في الامر . 

وعلى الفور وفي المساء اتصل الاخ ابو عمار مع القاهره ومع مصر وتحدث مع الوزير عمر سليمان وكان للعتاب دوره في اجلاء القلوب وتم الاتفاق على ارسال طائرة رئاسية مصرية مع طاقم طبي بحجة معاينه وفحص الاخ الرئيس ومن ثم اصطحابه لاستكمال الفحوصات في القاهره على وجه السرعه وبعد اربعه ايام من وصولي الى روسيا وبينما كنت اجهز نفسي للموعد مع الطبيب المعالج حضر احد الاخوه وهو يحمل ورقه هامه عن خبر مفرح بالنسبة له فالخبر وحسب وكالات الانباء تحدث عن خطه أوروبية لفك الحصار عن الاخ الرئيس ابو عمار في غضون شهر وعبر ضغط اوروبي سيمارس على إدارة الرئيس جورج بوش الابن في امريكا وعلى رئيس الوزراء الاسرائيلي ارئيل شارون في اسرائيل ، امسكت بالورقه ورميتها بغضب بعد ان قرأتها ومن ثم عدت وأخذتها ووضعتها في جيبي ، فسأل الزميل ببراءة عن اسباب غضبي فهو خبر جيد ومفرح فقلت له : قدر الله وما شاء فعل وعلى الرغم من الحاحه الشديد لمعرفه سبب غضبي لم أشأ ابلاغه عن أي شيئ عن الامر وفقط طلبت منه تأكيد الحجز للعوده الى القاهره بتاريخ 8/10 للاهميه والضرورة ، وفي اليوم التالي من عودتي الى القاهره التقيت مع الوكيل مصطفى البحيري وبعد ان اطمأن على صحتي قال بصوت لا يخلو من الحزن والغضب : لقد فعلنا كل ما نستطيع لإنقاذ حياه الاخ الرئيس ابو عمار المهددة وقد كان لرسالتك تأثيرها البالغ عليه وبعد ان وافق على الحضور للقاهره عاد وتردد تحت تأثير إغراءات المشبوهين المحسوبين امريكا واسرائيل والذين اوحوا له بأن هناك خطه أوروبية لفك الحصار عنه في غضون شهر وان المصريين وصاحبهم الدكتور كامل يريدون إبعاده عن فلسطين ورام الله وان اسرائيل لن تسمح له بالعوده ثانية بعد المغادرة .

فأخرجت من جيبي الخبر الموزع في الوكالات عن الموضوع وصوره عن الرساله التي ارسلتها للاخ الرئيس ابو عمار فقال وهو يبتسم بغضب وحزن : كان الله في عونكم على الآتي في هذا الزمن الصعب .