الكرافانات .. الحل الأخطر

الكرافانات .. الحل الأخطر
كتب غازي مرتجى
دأبت المؤسسات الحكومية والدولية والمحلية على حصر أضرار العدوان على القطاع , اختلفت الارقام وتنوعّت فوصلت الى 8 مليارات وهبطت في احداها الى 3 مليارات , لكن يمكننا اعتبار التقرير الأقرب للواقع هو تقرير بكدار نظراً لعدم اعتمادها فقط على حجم الاضرار وانما حساب الخطط التطويرية للقطاع بعد العدوان واثناء عملية الاعمار .

تقرير للأمم المتحدة يقول ان اعادة غزة الى حالتها الطبيعية التي كانت عليها قبل الحرب يحتاج الى 18 عاماً بالتمام والكمال ,وفي تلك الفترة لن تبقى المنازل على حالها ولا الشوارع كذلك وسيكون التطور العمراني والمدني وصل ذروته في العالم , وهذا ما قامت بحسابه "بكدار" واعتمدت على الخطط التطويرية المنصوص عليها لقطاع غزة , اما قصة الثمانية عشر عاماً فالأمم المتحدة اعتمدت على انها الوحيدة التي ستتمكن من ادخال مواد البناء والاعمار وسيعمل معبر كرم ابو سالم بنفس مقدار مدخولاته حالياً .. وهو ما يتم حتى اللحظة ولا يوجد حتى بادرة لزيادة عمليات التصدير للقطاع ولا تزال الشروط الاسرائيلية ذاتها والتعنت الاسرائيلي سيد الموقف .

اما في الحلول الجزئية والسريعة التي يُسوّق لها البعض في الفترة الحالية ومنها موضوع انشاء "الكرافانات" واقامة مخيمات جديدة في الاحياء التي تم تدميرها بشكل كامل كما حصل في حي الشجاعية وشرق رفح وبيت حانون وخزاعة , إن التفكير بهكذا حلول -رغم سرعة تنفيذها وامكانية توفير الاموال التي تمكن السلطة من تجهيزها- تعتبر جريمة وطنية تاريخية .

في العام 1948 كان المهاجرون من اراضينا في الـ 48 لا ينوون البقاء سواء في غزة او الضفة او لبنان وسوريا والاردن , لكنّ اختراع "وكالة الغوث" هو أساس النكبة الفلسطينية فلو رفض المهاجرون يومها الخيام والحلول الجزئية لتفاعلت قضيتهم بشكل أوسع ولما "صمت" العالم  .. وصمته كان بسبب خلق "أونروا" فاستمرّت الخيام حتى يومنا هذا وبعدها قام المهجرّون ببناء منازلهم على حسابهم الخاص ودون مساعدة الاونروا حتى ! .

تجهيز الكرافان لا يختلف كثيراً عن تجهيز منزل من طابق واحد , فقط الاختلاف صغر مساحة الكرافان لكن التكاليف تقارب الـ"7 آلاف دولار" أضف اليها مبلغ آخر لتجهيز المنزل باحتياجاته الضرورية التي تُمكّن العائلة من العيش بحياة شبه كريمة .. لكن إيواء النازحين والمدمرة منازلهم في كرافانات له ما بعده , وسيخف الضغط الدولي لإيواء النازحين , وسيعتبر العالم نفسه "منصفاً" بعد أن آوى المهدمة منازلهم في كرافانات !

لو كنت مكان المهدمة منازلهم لرفضت بشكل قاطع استلام "الكرافان" فحساب ما بعد "الكرافان" يؤدي بك الى النتيجة ذاتها -التي حصلنا عليها بعد الـ 48-  انّ اعمار منزلك المهدم سيكون على حسابك الشخصي او ستبقى الى الأبد في "الكرافان" .

على الحكومة والجهات المختصة التوجّه الى الحل الاسهل وهو العمل على استئجار منازل وشقق للمهدمة منازلهم خاصة وان لدى الحكومة مدن في خانيونس والشمال جاهزة للسكن , يمكن تأجيل تسليم تلك الشقق لمستحقيها الى ما بعد البدء باعادة الاعمار الحقيقية .

هذا  في جانب المواطن , أما على جانب الدول الداعمة والحكومة فلو كانت الدول الداعمة تريد خيراً بالنازحين لما أقدمت على فكرة الكرافانات ولقامت بتوفير الأموال التي ستُرصد لاقامة الكرافانات بمرافقها كاملة لإعمار ربع ما تم تدميره خلال العدوان .

الأخطر من "الكرافانات" هو حالة اللامبالاة والاستهتار بالمتضررين واعتبار تقديم "كوبونة" هو الحل .. والأدهى أن حالة "الغزل العذري" التي تميزّت بها حركتي حماس وفتح قبل العدوان تحولّت إلى حالة "نكد عام" ولم ينس المواطن مآسي الحرب ليبدأ بعدها بمتابعة حلقات خاصة من "الردح المتبادل" .

ارحموا غزة وأهلها  .. 

التعليقات