غزّي: آلمني اقتلاع اشجار الزيتون اكثر من هدم بيوتنا

غزّي: آلمني اقتلاع اشجار الزيتون اكثر من هدم بيوتنا
رام الله - دنيا الوطن
المزارع على عبد الله السميري ( ابو فريد) رجل في السبعين من عمره, يعيش في منطقة (سريج) شرق القرارة على مسافة تبعد كيلو متر واحد من الحد الفاصل بين قطاع غزة  ودولة الاحتلال الاسرائيلي, له من الابناء (6)  وبنت واحدة, معظم ابنائه متزوجين, وكل واحد منهم يعيش في بيت مستقل عن الاخر, ولديه اثنان من ابنائه في سجون الاحتلال الاسرائيلي, الاول حكم عليه سبعة وثلاثون عاماً اما الثاني فحكم عليه اربعة عشرعاماً قد امضى من حكمه سبعة سنوات,.

حياة المزارع ابو فريد مع اسرته حياة هادئة ومستقرة, كما ان شخصيته وملامحه تدل على انه رجل عصامي ورجل قد مر عليه الكثير من متاعب الدهر لكنه دائماً كان يقوى على مواجهتها بصبره وجلادته وحكمته, حقاً انه رجل الشدائد هذا اقل ما يمكن وصفه حينما التقيناه وسمعناه وهو يروي لنا بعض من محطات عمره الذي مر بها.

يملك ابو فريد (12) دونم معظمها مزروعة بأشجار الزيتون ويقوم وابنائه واحفاده بالعناية بها, كما انه واسرته يقومون بزراعة المساحات الفارغة بين الاشجار بالخضار في محاولة منهم لتحسين دخل اسرتهم من ناتج الارض. ويصف ابو فريد اوضاعهم واهتمامهم بالأرض, فيقول "نصحوا من الصباح الباكر انا واولادي وننطلق الى كرم الزيتون ونمضي معظم اوقاتنا فيه بالعمل, نحتسي الشاي سويتاً مع العائلة ونتناول فطورنا وغدائنا هناك, وحينما نأخذ قسطاً من الراحة نتناول الاحاديث العائلية ونتابع اطفالنا وهم يمرحون ويلعبون امام اعيننا في الكرم".

 يستذكر ابو فريد الايام  الجميلة التي كان يقضيها مع اولاده ولم يكن يعلم ابو فريد هو وغيره انه على موعد مع اعداء اشرار لا يعرفون للرحمة مكان, اعداء للبشر والشجر والحجر, اعداء يتربصون له ولعائلته ليخطفوا كل الذكريات واللحظات الجميلة من عمره, ويدمروا له ولعائلته شقاء السنين الطوال التي امضوها لإحياء كرم الزيتون الذي يعتمد عليه في تغطية نفقات اسرته والتزاماتها الى جانب رواتب ابنائه المعتقلين.

بهذه الكلمات البسيطة يصف ابو فريد حاله وحال اسرته فيقول  "كنا نعيش حياة متواضعة هادئة وهانئة, ونشعر بسعادة تامة ولا يوجد ما يعكر صفو حياتنا, لم نعادي احد ولا احد يعادينا, علاقتنا مع الجيران والاهل علاقة طيبة وحميمية, نتراحم ونتزاور ونتجالس في اوقات المساء, الى اللحظة التي اعلن الاحتلال الاسرائيلي عدوانه على قطاعنا الحبيب, وفي بداية الحرب شعرنا بالخوف, لكننا اصرينا على البقاء في بيوتنا, وفي الاسبوع الثاني من شهر رمضان اعلن الاحتلال الاسرائيلي عن بدء المعركة البرية, وخفت على الشباب من ابنائي حينما خرجوا يبحثون عن مكان اكثر امناً , واثناء خروجهم اطلقت الطائرات الاسرائيلية المحلقة في سماء غزة بقذيفة عليهم رمت احد اولادي الى مسافة لا تقل عن 50 متر من المكان الذي كانوا يسيروا فيه.

ويتابع المزارع ابو فريد حديثه حول ما حدث له من مواقف صعبه اثناء الحرب فيقول " اتصلت في احد ابنائي وكانت الساعة الثانية عشر ليلاً وقلت له علينا ان نخرج قبل ان يشتد الوضع وابقينا العائلة ومعظمها من النساء والاطفال في البيوت خوفا عليهم لنرى اولاً كيف تسير الامور, وما ان خرجنا وعلى بعد 200 متر من بيتنا ضربتنا الطائرات الحربية الاستطلاعية بصاروخ انفجر بجانبنا وتطايرت شظاياه علينا ومن حمد الله لم نصب بأذى, وعندما وصلنا الى البيت الذي قصدناه ومكثنا به ليلة كاملة, ولم يدم هذا البيت فقصفته الطائرات الاسرائيلية مع الفجر, و دمرت الطابق العلوي فيه ونحن كنا بالطابق السفلي, واعتقدنا ان اليات الاحتلال تجرف البيوت التي حولنا, ولم نتمكن من معرفة ان البيت الذي نحن فيه هو الذي تم استهدافه في ظل عتمة الليل واصوات الانفجارات العالية, وفي الصباح وعندما علمنا ما حدث بالبيت الذي نحن فيه وشعرت بمدى الخطورة قمت بالاتصال بباقي اسرتي وقلت لهم ان يخرجوا من البيت وهم رافعي الراية البيضاء وخرجوا في اجواء مرعبة وقد حوصرت بيوتنا بالدبابات الاسرائيلية والفرق الخاصة التي تعتلي بعض منازل المواطنين, والقذائف والرصاص الاسرائيلي لم يتوقف لحظة واحدة ولولا رعاية الله لهم لم سلم واحداً منهم.

ويتابع ابو فريد" لقد شتتنا هذه الحرب التي لم نشهد لها مثيل منذ العام 48 وجزء من عائلتي ذهب الى المدارس واخر ذهب الى الاقارب, وقبل انتهاء الحرب وفي الهدنة الاخيرة لوقف اطلاق النار التي استمرت  مدة خمسة ايام عدنا الى البيت الوحيد الذي تبقى من بيوتنا وبقينا محاصرين من الدبابات الاسرائيلية, وقد دمرت الاليات الاسرائيلية ستة بيوت لأولادي جميعها مسلحة بالباطون تدمير شامل ولم يتبقى منها شيء".

ومع كل هذا الدمار الذي لحق بأسرة ابو فريد واولاده, اكثر ما يؤلمه ويحزن قلبه تدمير وتجريف اشجار الزيتون مع خزان المياه الذي كان يروي به  ارضه وشبكة الري حيث بلغت خسائره 60 الف دولار, فيقول " لقد دمروا اعدائنا كرم زيتوننا ودفنوا فيه سنوات عمرنا وعرقنا وشقائنا, ومسحوا سعادتنا وقضوا على رزقنا – حسبي الله ونعم الوكيل.

ويتخوف المزارع ابو فريد من تراجع في خصوبة التربة بعد ان داستها اليات الاحتلال الاسرائيلي وامطرتها بالقذائف ويؤلمه في ذلك انه كان ينتظر نهاية موسم الزيتون على احر من الجمر حيث خصاب هذا العام في عادته لم يتكرر مثله, وقد تبددت احلامه واحلام اسرته  في جني خيرات زيتونهم.  الذي يشكل لهم دخل رئيسي يعتمدون عليه لقضاء حاجاتهم.

وحول أي من المساعدات قد تلقاها من جهة ما, اجاب المزارع ابو فريد " لم نرى احد قدم الينا ولم يسأل عنا احد, ولا نريد استجداء احد والله هو الذي يعوض الجميع" .  

ومن رحم المعاناة التي عاشها ابو فريد يولد الامل لقد راح منه الكثير لكن امله في الله كبير ان يتم الافراج عن ابنائه الاسري في سجون الاحتلال وهذا ما يثلج له صدره ويخفف عنه مصابه".  

 

التعليقات