الصورة والدلالة في خطاب المقاومة

الصورة والدلالة في خطاب المقاومة
بقلم الكاتب: د. زهير عابد

لقد أضحت الصور الحية المتحركة أو الصامتة المبثوثة عبر وسائل الإعلام أو الاتصالات هي الأكثر قدرة على تفجير الدلالة لدى المتلقي، باعتبارها لغة الخطاب الثقافي في القرن الحالي، وأضحت الصورة مرسلاً.‏

قال "أرسطو" قديما إن التفكير مستحيل من دون صورة، وقال "آبل جانس" إننا نعيش بالفعل في عصر الصورة، والصورة حاضرة في كل مكان  نعيش فيه الآن، ولا يمكن تصور الحياة المعاصرة من دون صورة، فأصبحت الصورة تطغى على ثقافة الإنسان، حتى كاد التلفزيون يحل محل الكلمات التي مدونة في الكتب التي قل قراؤها.

وكما قال "إدوار هربو بأن ثقافة الصورة هي ما يتبقى للإنسان عندما ينسى كل شيء. ولا أحد يشك بأن الصورة لها السحر في التسلل والإقامة الطويلة في الذاكرة، فقد ينسى أحدنا كتاباً قرأه قبل عدة أعوام ولكنه بالتأكيد لن ينسى مشهداً بصريا أو صورا لاسيما تلك التي تحفل بجرعة عالية من الجاذبية والدهشة مثل: صور أشلاء الأطفال، وركام المنازل والمساجد، والزهور المحروقة.

فالصورة كانت دائماً عنصراً تحريضياً في الانشغالات الفلسفية ومدخلاً حتمياً للإجابة على سؤال الماهية، ناتج عن خواص الصورة في قدرتها على التوصيل الناجح بتأثير أكبر من تأثير الكلمة، وهو ما يستخدم في الدعاية عموماً، وفي الحرب النفسية والإعلام والاتصال الجماهيري. بحيث جاءت الصورة لتكسر الحاجز الثقافي والتميز الطبقي بين الفئات الجمهور، فصار الجميع سواسية في التعرف على العالم واكتساب معارف جديدة والتواصل مع الوقائع والثقافات.

إن تحليل الصورة يتقارب مع تحليل النص عند المقاومة الفلسطينية فهي ما تقوله من كلمات يستخدم نفس القواعد في الصورة التي تعرضها على شاشات فضائيات المقاومة، وهذا مخالف تماما ما يقول العدو الصهيوني وما يعرض من صور، وهذا يكشف عن إيديولوجية المقاومة فالمقاومة تعرض كامل الصورة بصدق لأن هذه هي الأيديولوجية التي تتبعها، والعلاقة بين الصورة والكلمة علاقة تبادلية في خطاب المقاومة، في حين العلاقة بين الصورة والنص علاقة تضاد فقد لا تعبر الصور عن الكلمة، وهذا يتفق ما يعرضه الكيان من صور مزيفة وغير حقيقية وكلمة كاذبة، وهي تتفق مع أيديولوجيتهم المريضة نفسياً فهم يختاروا جزءا من الحدث ليوجه إليه كميراته. مستعينا بالإضاءة لإبراز ما يريد أو حجب ما يريده أيضا.

فالصورة التي يحاول العدو رسمها للعالم على أنه المنتصر، حتى يستطيع أن يملي شروطه على المقاومة، وهذا ما شاهدناه في تعززه في قبول أي مبادرة، وفي إطالة المفاوضات، وهذا ناتج عن  حالة نفسية مريضة بأنه البقرة المقدسة، في حين صورته الحقيقية هي الانكسار  والهروب إن كان على مستواه العسكري أو السياسي وهذا ما عرضته شاشاتهم وكيف تهرب جنوده من أرض المعركة، وكيف يختبأ سياسيه في الملاجأ.

أنهم يهربون في صورتهم الكاره والحاقدة على الإنسانية في قتل وقصف البيوت والأبراج والمساجد وكل الشعب الفلسطيني، وقالوا بالكلمة أنهم سوف يجعلوا كل قطاع غزة في جحيم، وقالوا أن الطفل الفلسطيني عندما يكبر سوف يصبح هتلر، أي أنهم تربوا على صورة القتل، وصورة الفلسطيني المقبول لديهم هو المقبور، لأن منشأهم الحركة الصهيونية القائمة على القتل، ومن أقوالهم ما يمكنك تحقيقه من القتل يمكنك تحقيقه بالمزيد من القتل، فهم يقتلون كل مظاهر الحياة الجميلة بقتلهم الأطفال والشجر ظنا منهم أنهم سوف يجلبون المزيد من الصهاينة إلى فلسطين، ولكن هيهات فهم محاصرون كما نحن محاصرون.

وقد رفعوا من استهداف التجمعات الفلسطيني ظنا بتصعيد هذه الوتيرة التي لم يستعملها هتلر أن يكسروا الشعب الفلسطيني وإرادته، لكي يفرضوا شروطهم وأن يقولوا نحن الذين انتصرنا، لكن الشعب الفلسطيني متمسك في أرضه، وهم الذين سوف يرجعون إلى الأماكن التي أتوا منها، ونحن على استعداد لنروي بدماء أرضنا حتى تحريرها كلها من البحر إلى النهر.

ويتفق مع صورتهم صورة الموقف العربي المخزي الذي لم يرق إلى الدماء التي تنزف في غزة، فالمتأمل في الخطاب الثقافي العربي يراه ينحرف باتجاه سلبي، فقد تحولت الكلمات والألحان إلى صور أنثوية عارية أفقدت المتلقي القدرة على تشكيل دلالة ما، فضاعت صورة الشارع في خضم صور مشبوهة، وولدت الدلالة مشوهة ناقصة.‏

وهذا ما أكده "نتناهو" حول التحالف مع الأنظمة العربية، ولكن نأمل أن تنهض الشعوب العربية، فيا عرب صورة مجازر بحر الغزال والبقر، والسويس، والجنود المصريين في 1967م، فهذه الصورة لم تفارق مخليتنا ولا نعلم إذا مازالت بعض منها في ذاكرتم أم الأنظمة الفاسدة أفسدت ذاكرتكم،  ويجب عليكم أن تشهدوا وتتذكروا صورة المقاوم والشعب الفلسطيني التي يفتخر بها كل حر، وأن تقارنوا مع صورة الكيان المهزوم والهارب والمقهور والمجروح، لأن قضية فلسطين قضية يجب أن يبذل لها كل غالي ورخيص.

على الجميع أن ينظر إلى لون الصورة في غزة أنه اللون الأحمر الآتي من صواريخ الطائرات وقذائف الدبابات والبارجات الملطخة بدماء غزة، ممزوج بقذائف العصف المأكول والبينان المرصوص من قذائف الهاون والكايتوشا التي تحاول ردع صورته من خلال استهداف  جيشه المقهور، لتذيقهم ما أذاقونا من ألم، أنها مفارقة في الصورة بين ما يأتون به وما نصدر إليهم نحن نحذر المدنيين من التجمع في الأماكن العامة وفي أماكن تواجد قواتهم في حين هم يستهدفون كل ما هو رمز للحياة القادمة من أطفال وأشجار وزهور.

فهم قلبوا دلالة اللون الأحمر لون الورد والحب والقلب الذي يشير إلى دلالته العاطفية إلى رمز الدم والهلاك ووميض الصوراريخ الذي يشير في دلالته إلى الموت والحزن والألم.  ومن ثم فمن يحلل خطاب الصورة لهذا الكيان الصهيوني لابد له أن يدرك أولاً أن ثقافة هذا الشعب منذ أن وجد هي ثقافة الموت والقتل فهم من قتل الأنبياء بغير حق، وهم الذين يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس.

وقد استطاعت الصورة التي تبثها المقاومة في حربها في معركة العصف المأكول والبينان المرصوص إثارت الدلالات لدى المتلقي في العالم كله فأصبحت تعمل في ذهن المشاهد وروحه، حيث استطاع المتلقي في أنحاء العالم تشخيص حالة هذا الكيان وتعريته، وهذا ما شاهدناه في وقفت أمريكا اللاتينية وبعض الدول الغربية، فقد كانت الصورة أكثر عمقا في تعرية هذا الكيان وفضحه الأكاذيب الصورية التي تبثها دوائر الإمبريالية ضد الشعب الفلسطيني والتي تديرها أكبر دوائر المال والإجرام والوحشية في العالم.

ونختم بالصورة الخطاب الإلهي الموجه للإنسان في بعض مراحله، قال سبحانه وتعال: «سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم».

أستاذ جامعي

25/8/2014م

التعليقات