حوارمع الدكتور هشام أبو ميزر"الفلسطيني المقدسي"

حوارمع الدكتور هشام أبو ميزر"الفلسطيني المقدسي"
رام الله - دنيا الوطن
في حوارمع الدكتور هشام أبو ميزر رئيس فدرالية المنظمات الاسلامية بسويسرا:

" تكوين الأئمة في الجامعة السويسرية مشروع طموح 

يحتاج إلى تظافر الجهود و إشراك الهيئات الاسلامية الفاعلة ".



ربع قرن أو نزيد قليلا كانت كافية لتخرج تلك الصلوات من السر إلى العلن، ومن الفوضى إلى النظام، ومن الأقبية إلى المساجد والمنابر.

الإقبال المتزايد على التدين، وعودة الروح إلى جسدها، أخرج الأئمة من الظل إلى الضوء، ومن الظلمة إلى النور، ليقيموا الصلاة كل يوم، وكل جمعة، وكل رمضان.

في حوارمع الدكتور هشام أبو ميزر رئيس فدرالية المنظمات الاسلامية بسويسرا:

" تكوين الأئمة في الجامعة السويسرية مشروع طموح 

يحتاج إلى تظافر الجهود و إشراك الهيئات الاسلامية الفاعلة ".

ربع قرن أو نزيد قليلا كانت كافية لتخرج تلك الصلوات من السر إلى العلن، ومن الفوضى إلى النظام، ومن الأقبية إلى المساجد والمنابر.

الإقبال المتزايد على التدين، وعودة الروح إلى جسدها، أخرج الأئمة من الظل إلى الضوء، ومن الظلمة إلى النور، ليقيموا الصلاة كل يوم، وكل جمعة، وكل رمضان. 

واليوم وبعد أزيد من خمس سنوات من التفكير والتدبير، خلصت الحكومة السويسرية إلى ضرورة تكوين أئمة ومدربين اجتماعيين متعاونين مع الجالية الوافدة والمقيمة ذات الأصول أو التوجه الإسلامي، في مؤسسة جامعية جديدة اطلق عليها إسم" المركز السويسري للإسلام و المجتمع" كان ذلك في ندوة بجامعة فرايبورغ أشرف عليها منسق البرنامج الفدرالي، بمعية عميد عمداء الجامعات السويسرية البروفيسور " أنطونيو لوبريينو " الذي يشغل أيضا منصب رئيس جامعة بازل، رفقة البروفيسور "قيدو فيرقوفن" عميد جامعة فرايبورغ.

ومنذ إعلان جامعة فريبورغ قبولها استضافة "المركز السويسري للإسلام والمجتمع"، في ندوة أفريل الماضي التي حضرنا جانبا منها، والجدل محتدم بين مؤيّد ومعارض، وانهالت التساؤلات حول مصادر التمويل، وبرامج التدريس، والجدوى من هذا التكوين أصلا، خاصة إن كان المدرسون من تخصصات ومعتقدات مسيحية. ولئن حاول المؤتمر الوطني الثاني الذي احتضنته جامعة والذي حضرنا جابنا منه في فريبورغ يوم 13 مارس 2014،حاول تبديد بعض الغموض، فإن تعارض الآراء والأجندات كان من أبرز سمات ذلك اللقاء ، أطرافا متعددة تدلي بدلوها في سجال تكوين الأئمة في الجامعة السويسرية، رجال السياسة الحاكمون والمعارضون، ورجال الدين الكاثوليكيون والبروتستانتيون، واللادينيون حراس قلعة العلمانية، ورؤساء المنظمات الإسلامية، والخبراء في الظاهرة الإسلامية والدول الأصلية التي جاء منها المهاجرون. أقاويل كثيرة حول مضمون التكوين، ومدته، ومن يقوم به، وتمويله، وعن مصير المتخرجين. 

رغم ذلك بدا يومها أنطونيو لوبريينو، عميد جامعة بازل، ورئيس فريق العمل الذي أشرف حتى الآن على تطوير هذا المشروع سعيدا بما أنجز، وقال مخاطبا الحضور: "نحن محظوظون إذ قبلت جامعة فريبورغ، ذات التقاليد العريقة في الدراسات الدينية، هذا التحدّي، ومن اليوم انتقلنا من مرحلة وضع التصوّر إلى طور التأسيس والإنجاز". وبولوج عتبة هذه المرحلة، انتقلت الوديعة إلى جامعة فريبورغ التي إن توفرت لها كل الشروط تنطلق عملية التدريس في غضون الاشهر القريبة المقبلة بحول الله، ولفهم تجليات الموضوع كان لنا الحوار الشامل التالي مع أبرز ممثلي الجالية المسلمة أخونا الدكتور هشام أبو ميزر، رئيس فدرالية المنظمات الإسلامية بسويسرا.

الدكتور هشام أبو ميزر، رئيس فدرالية المنظمات الاسلامية بسويسرا:
س1:

مرحبا بكم دكتور هشام أبو ميزر، بداية لو تكرمت تقدم للقارئ العربي خصوصا والمسلمين عموما، نبذة عن شخصكم الكريم؟



الدكتور هشام:


بالنسبة لي كشخص فإني من مواليد بيت المقدس الشريف. كانت عائلتي تقطن آنذاك في سكن قرب المسجد الأقصى وهو في ما يطلق عليه أيضا بالبلدة القديمة. نشأت وترعرعت الى جانب 3 اخوة و 5 أخوات، كلهم كانوا أكبر مني سنا ما عدا أخت واحدة.

أما والداي (رحمهما الله ) فأصلهما من مدينة الخليل، أو ما يطلق عليها أيضا مدينة خليل الرحمان وتقع على بعد 25 ميلا عن القدس الشريف. باختصار عائلتي كانت والحمد لله محافظة على الدين الإسلامي الحنيف والخلق الحميد. 

درست مرحلتي الابتدائية و الثانوية في القدس وتخرجت في أواخر الخمسينيات. توجهاتي المدرسية كانت أدبية أكثر منها علمية. لكن عندما بلغت العاشرة من عمري، مرض والدي مرضا عضالا، توفي على إثره رحمه الله و عمري 12 سنة. لقد حزنت حينها حزننا شديدا، فكرت بعدها دراسة الطب، لأكون مثل هؤلاء الذين يضحون بأنفسهم و أوقاتهم في سبيل الآخرين. بعد تخرجي من الثانوية فاجأت إخوتي برغبتي دراسة الطب البشري لا غيره ..

و لما كانت يومها ظروف عائلتي المادية صعبة و غير ميسرة، اضطررت الصبر بضعة أشهر حصلت بعدها على منحة للذهاب الى يوغسلافيا اثناء عهد الرئيس تيتو آنذاك. ومن حظي السعيد أرسلت عندها الى مدينة سرايفو. و كانت سرايفو بلدة بوسنية جميلة جدا، جل سكانها كانوا من المسلمين. لذا لم أشعر هناك بأية غربة كانت. بعد تعلمي اللغة الصربو كرواتية جيدا، أشار علي أحد أساتذتي أن لا أبقى طويلا في يوغوسلافيا حرصاً على عدم ضياع الوقت ونصحني بالذهاب الى أرقى الجامعات، أي الى مدينة هايدلباغ الألمانية وكانت نصيحته في محلها. فبعد دراستي للغة الألمانية بإتقان، بدأت دراسة الطب.. و لما كانت تكاليف الدراسة تزداد بمرور السنين، حاولت العمل ليلا والدراسة أثناء النهار، لكن مشقتها كانت كبيرة. بعدها انتقلت الى مدينة انسبروك النمساوية، وتخرجت منها بتقدير جيد جدا. ثم أتيت الى سويسرا للتخصص في الطب الباطني، المتعلق بأمراض الكلى. عينت رئيسا للأطباء في مركز الطب في مدينة سانت جالين واصبحت احد المعتمدين فيه. بعد سبع سنوات في ذلك المركز قررت فتح عيادتي الخاصة، حيث بقيت أعمل فيها لمدة ثلاثين سنة. كان عمري آنذاك قد قارب السبعين سنة. عندها فضلت التقاعد وجئت الى مدينة سانت-قالين حيث أقطن الآن.

س2:

- وما هي الاقدار التي جعلتك تحط رحالك في سويسرا بعد هذه الدراسات و التجارب، علما أن فلسطين في حاجة إلى كفاءات رجالها أمثالكم؟

الدكتور هشام:

عند انتهائي من التخصص العالي كانت القدس و للأسف الشديد داخل الأراضي المحتلة من قبل إسرائيل، فأصبحت في حكم المضطر..


س3:

- تطالعنا الصحافة العربية عموما أن هناك نزيف حقيقي للأدمغة العربية عموما والفلسطينية خصوصا، عدد كبير من العقول المهاجرة فضلت البقاء في الخارج، في الوقت الذي تفتقر فيه جامعاتنا لأمثالكم، هل لك أن تشرح لنا بعض أسباب ذلك ؟ ولماذا أنت لا تعود للعمل في بلدك أو اي بلاد عربي آخر ؟ وهل تزور عائلتك في فلسطين ؟

الدكتور هشام:

أزور عائلتي بشكل مستمر لأني حريص جدا على عدم هدم الجسور ما بيني و بين عائلتي و بيني و بين وطني . 

أما فيما يخص العودة والعمل في دولة عربية، أقول لك، لا، و بأسف شديد، بل بأسى أن معظم بلادنا العربية ما زال ينطبق عليها المثل القائل " لا كرامة لنبي في وطنه" .. أغلبهم تسوده المقولة القائلة " الفرنجي برمجي" فطالما ترى معظم رؤساء بلداننا مصرين على الذهاب للخارج، لا فقط عندما تصبهم الأمراض المستعصية مثل السرطان وغيره بل حتى عند الوعكات الصغيرة، عندها علينا تصور الواقع الأليم الذي يقول إن الثقة ما زالت مفقودة تجاه عقول أبنائنا، الذين أضحوا وللأسف سلعة للتصدير بدل التشبث بها.

س4:

- وأنت مقدسي، يناقش هذا الأسبوع في الكنيست الاسرائيلي، مشروع خطير لتهويد القدس، وتقسيمه، بل وسحب البساط من تحت أقدام المسلمين، كيف تنظر لذلك ؟

الدكتور هشام:

إن إسرائيل تستغل سباتنا العميق وتشتت مواقف دولنا وعدم اهتمامنا بأولوياتنا الحقيقية. فيا أسفاه!!!


س5:

- وما الذي دفعك للعمل التطوعي الاسلامي وأنت تخصصك علوم طبية لتصبح رئيسا لفيدرالية الجمعيات الاسلامية؟

الدكتور هشام:

إن العمل في المجال الديني لا يتعارض بشكل من الأشكال مع العلم. أليس تاريخنا الإسلامي مليء بمن كانوا علماء وأتقياء؟


س6:

- دكتور هشام، لو تكرمت تقدم للقارئ العربي بطاقة تعريف عن فيدرالية الجمعيات الاسلامية، التي تعد مولودا جديدا للجالية المسلمة في سويسرا مقارنة بباقي الدول الاوروبية ؟

الدكتور هشام:

فيدرالية الجمعيات الاسلامية بسويسرا هي أكبر المنظمات الإسلامية في سويسرا. أسست بعد فترة زمنية وافرة في أواخر شهر نيسان في عام 2006. انضمت اليها من البداية 12 منظمة إسلامية كانتونبة (ولائية) من جميع أرجاء سويسرا التي تتكلم اللغات الرسمية الـ3 الألمانية والفرنسية وإيطالية. اما المهام الرئيسية للفيدرالية فهو التمثيل الاسلامي لدى المؤسسات سياسية، إدارية أو كنسية. و التحدث معها في المصالح الاسلامية و توضيح أمورنا للجهات المختصة.. طبعا نجادل فيها أهل الكتاب بالتي هي أحسن و نمثل فيها الوسطية الإسلامية بعيدا عن كل أنواع التطرف المفرط. ضمن الإطارات الحقوقية المشروعة في هذا البلد المضياف، بحيث نطالب بحقوقنا كمواطنين مسلمين، يريدون التعايش مع الآخرين من السكان الأصلين. أنتخبت منذ تأسيس الفدرالية الاسلامية بالشكل الديمقراطي وأعيد انتخابي مرتين. كما أخترت من بداية هذا العام رئيسا لمجالس الديانات السويسري لمدة العامين المقبلين كأول مسلم يتسلم زمام هذا المجلس الأعلى على المستوى السويسري بشكل عام.


س7:

- بصفتك أيضا رئيسا لمجلس الديانات السويسري (2014 - 2016) ما هي فلسفة التعايش بين مختلف الأديان، علما أن الدين الاسلامي غير معترف به رسميا، كديانة ذات النفع العام، كاليهودية و المسيحية بشقيها؟

الدكتور هشام:

كنت عضوا مؤسسا في مجلس الديانة منذ تأسيسه في عام 2006، فيه يجتمع أعلى مسؤولو الديانات السماوية إضافة لـ3 خبراء إضافيين، نساء أو رجال، مختصون أومختصات في الشؤون الدينية مثل حقوق المرأة و الديلنات أو وسائل الحوار بين الديانات. إضافة لذلك هناك لقاءات مع أعلى ممثلي الدولة المدنية في قضايا التعايش السلمي في المجتمع أو تأمين السلام في البلاد. طبعا اللقاءات تتم على أعلى مستويات الاحترام و التقدير المتبادل. 


س8:

- رغم تجاوز تعداد الجاليات المسلمة في سويسرا لـ 450 ألف نسمة تقريبا، لا زالت الهيئات الممثلة لها تسعى إلى الاعتراف الرسمي بها من قبل السلطات المحلية في الكانتونات كمؤسسات لها صبغة منفعة عامة، وهو ما سيتيح لها (على عكس الوضع الحالي) اقتطاع رسوم من أعضائها تستخدم لبناء دور العبادة أو توظيف الأئمة أو تدريس الإسلام في المؤسسات التعليمية أو إنشاء مقابر خاصة بها،...؟

- بما أن الكانتونات في سويسرا هي المُخولة حصرا لإدارة الشؤون الدينية في إطار النظام الفدرالي القائم، طلبنا نحن "فدرالية المنظمات الإسلامية في سويسرا" و"تنسيقية المنظمات الإسلامية في سويسرا" استشارة قانونية من 3 خبراء حول حق الجاليات المسلمة في المطالبة بالإعتراف بها على غرار معظم الكاثوليك والبروتستانت والإنجيليين وبعض الجاليات اليهودية. في إجابتهم، أكد الخبراء أن هذا المطلب مشروع ولا يتنافى مع مقتضيات الدستور الفدرالي، واستنتجوا أن الديانة الإسلامية تستجيب للشروط المؤسساتية والقانونية لكي يتم الإعتراف بها من قبل الكانتونات ، وكما تم اعتراف السلطات في كانتون بازل المدينة بالطائفة العلوية التركية قد يفتح الباب بخطوة مماثلة تجاه الجاليات المسلمة في نفس الكانتون، لما لا.


س9:

-على ضوء ذلك ما علاقتكم بالحكومة السويسرية قبل و بعد " زوبعة" منع المنارات؟

الدكتور هشام:

زوبعة حظر المآذن في سويسرا لم تجد تأييدا من قبل الحكومة. وجعلها مكتوبة في الدستور يعني أنها ستبقى كذلك للأبد. عندما يزيد تآخي المسلمين بين بعضهم البعض ويزداد وعيهم في التعامل مع الدولة والمجتمع، عندها سوف يكون تقديم مبادرة ضد إزالة المنع للمآذن من الدستور أمر هين وغير مستحيل. 


س10:

- ما تقييمكم لحد الساعة لمشروع تكوين الأئمة في جامعة فرايبورغ ؟

الدكتور هشام:

أنا سعيد جدا أن أرى هذا التطوّر في مشروع تكوين الأئمة بجامعة فرايبورغ.. لا تنسى أن المسلمين موجودون في سويسرا منذ ما يزيد عن نصف قرن، والأجيال التي تعاقبت خلال هذه الفترة لها مطالب وتطلّعات مستقبلية، وعلينا أن نوفّر لها جسورا للتواصل مع المجتمع والسلطات المختلفة. ومنذ البداية اخترنا الحوار طريقا للتواصل، وهذا المركز الجامعي لتكوين الأئمة سيكّرس هذا النهج ويعزّزه، و بحضورنا عبر كل مراحله كإطارات إسلامية أردنا أن نثبت من خلال انخراطنا في هذا العمل أنه لا تعارض بين أن تكون مسلما و مواطنا سويسريا في نفس الوقت.


س11:

- ما تقييمكم للوضع في دول الربيع العربي كمصر وتونس، وما هي علاقاتكم بالدول الاسلامية عموما و مؤسساتها الدينية كالأزهر في مصر و رابطة العالم الاسلامي في السعودية وغيرهما ؟

الدكتور هشام:

نأمل من كل دولة عربية أو إسلامية أن تأخذ بعين إلإعتبار ما تطلب شعوبها منها مراعاته من جعل العدالة و الحرية حقوقا شرعية. إن شعوب دولنا العربية قد سئمت من الظلم و الاستبداد والفساد واستعباد البشر. في الوقت ذاته نرى أن العنف لا يولد إلا العنف. ها نحن نرى بلداننا تدمر و شلالات الدماء اليومية لا تنقطع و البعض منا يتغنى بالربيع. الم يأتِ الوقت للسؤال أيها الحكومات و أيها الشعوب الى أين نحن ذاهبون؟


س12:

- يقال أن " التربية في الصغر كالنقش على الحجر"، من هو الشخص الذي كان له الأثر الأكبر في تربيتك، عدا والديك ؟ وما هي التحديات التي تواجهكم في تربية الأجيال القادمة؟

الدكتور هشام:

إضافة إلى والدي رحمهما الله و أسرتي بشكل عام لا بد لي من شكر الله تعالى على فضله والعرفان بالجميل الى أساتذتي طبقا للقول المأثور "من علمني حرفا كنت له عبدا". إن الجري وراء تربية أولادنا و بناتنا على الوجه الصحيح أمر مطالبون به من الله أولا ثم من نبينا محمد(ص) ومن أجيالنا الصاعدة.


س13:

- كلمة ختامية؟

أشكرك على هذه المقبلة وأتمنى لدولنا و شعوبنا كل وعي و يقظة، سائلين الله تعالى سبل الهداية و الرشاد كما يريده رب العباد.. والسلام عليكم و رحمت الله و بركاته

التعليقات