ما خفي في رحلة الاجهزة الامنية الفلسطينية في مطاردة العملاء

ما خفي في رحلة الاجهزة الامنية الفلسطينية في مطاردة العملاء
بقلم: عبدالله عيسى

واجهت الأجهزة الأمنية الفلسطينية مشكلة كبيرة حقا بعد إقامة السلطة تتعلق بملف العملاء في مناطق السلطة في الضفة وغزة .. ملف كبير وخطير ومعقد فاتخذ أبو عمار القرار بمكافحة نشاط العملاء بلا هوادة فانشغلت كل الأجهزة بهذا الملف.

في البداية طلبت الأجهزة الأمنية من الفصائل تزويدها بما لديهم من معلومات عن العملاء وتعاونت الفصائل وقدمت معلوماتها ثم بدأت المسالة تأخذ بعدا استخباريا اخر بعد اعتقال عدد منهم اعترفوا على آخرين .

وعندما تسلمت الأجهزة الأمنية مهامها في غزة أولا ثم الضفة كانت المعلومات التي تمتلكها الأجهزة عن العملاء شحيحة وعامة بدون تفاصيل أمنية .. بدأت الأجهزة بلا إمكانات تذكر ولكنها فرضت وجودها وكرست نشاطها واعتمدت على خبرات أمنية فلسطينية عائدة من الخارج في جهاز المخابرات العامة ممن عملوا مع أبو اياد وأبو الهول وعاطف بسيسو وغيرهم وأجهزة أخرى كانت خبرتها نشطاء الانتفاضة الأولى فقط وكان الأوفر حظا جهاز المخابرات من حيث الخبرات ولكن الخبراء كانوا قلة أيضا وباقي منتسبي الجهاز جرى تدريبهم بسرعة وبشكل عام ..

أخطاء وتجاوزات كثيرة سجلت على مدى السنوات الأولى في تعامل الأجهزة الأمنية مع هذا الملف من حيث الإفراط في استخدام القوة والتعذيب وقضايا أخرى إضافة لتنافس مشروع بين الأجهزة كما هو الحال في كل دول العالم ولكنه خرج عن أحيانا عن السيطرة .

وخلال السنوات الأولى من 1994 -2000 كانت فترة شديدة على العملاء اعتقل منهم الكثير ولا يوجد أرقام " لدي على الأقل " حول عدد المعتقلين ولكن التقديرات بان الرقم كبير يفوق التخيل .

كان يعتقل عميل فيعترف على آخرين والآخرين على آخرين وذات مرة اعتقل جهاز المخابرات بغزة عميل واحد فاعترف على عشرة وخلال أيام وضل العدد إلى 180 معتقل .. عندها أمر رئيس الجهاز  طارق أبو رجب المختصين بوقف الاعتقال وقال " السجن لم يعد به مكان والمعتقلين ينامون في أروقة الجهاز بين المكاتب ".

لا نريد تهويل الموضوع ولا نريد التهوين منه أيضا او الاستخفاف به بكلام إنشاء وشعارات .. هنالك مشكلة حقيقية وكبيرة وحلها ليس سهلا أبدا .

شعب يرزح تحت الاحتلال منذ عام 1967 خضع لكل الممارسات الإسرائيلية ومن الطبيعي طوال هذه المدة وهي عشرات السنين أن تضعف البعض من الناس وان يتم إفساد أخلاق ووطنية آخرين وهكذا .. ولكن حتى نحدد الأمور أكثر هنالك فئة ضعفت وتعاملت مع الاحتلال الإسرائيلي وتم قتل عدد كبير منهم خلال الانتفاضة الأولى والتي انتهت بإقامة السلطة الفلسطينية عام 1994 .. وهذه الفئة ارتكبت كل الموبقات  والي يصعب تخيلها من انحطاط أخلاقي ووطني ولا استطيع وصفه للقارئ فهو يبعث على الغثيان ولكن ليست هنا غايتنا نشر تفاصيل وأسماء وإنما استعراض مراحل في معالجة هذا الملف .

اعتقال هذا الكم من العملاء لدى الأجهزة الأمنية كشف عن قضايا كثيرة ومخيفة وفكت رموز اغتيالات وجرائم قتل لمناضلين خلال الانتفاضة الأولى وملاحقة مناضلين ومجاهدين والعالم السفلي لفئة العملاء .

هذه الحملات التي قامت بها أجهزة الأمن الفلسطينية منذ عام 1994 وحتى العام 2000 تاريخ اندلاع انتفاضة الأقصى لم تكن طريقها مفروشة بالورود بل قوبلت بإجراءات وممارسات إسرائيلية ضد السلطة وأجهزة الأمن لان اتفاق اوسلو ورد فيه بند غامض حول مصير العملاء وقيل انه يحظر على السلطة اعتقالهم ولكن ابو عمار أعطى أوامره بوضوح بملاحقتهم باستثناء تنفيذ احكام الاعدام .

ومن هنا أصدرت المحاكم العسكرية الفلسطينية أحكاما متعددة على عملاء بالإعدام بدون تنفيذ لان السلطة لديها علاقات مع إسرائيل وعلاقات دولية واسعة تجعلها عرضة للضغوط والابتزاز في حال تنفيذ أحكام الإعدام .

بينما حماس يختلف وضعها السياسي فهي لا تقيم أدنى علاقات مع إسرائيل او أمريكا وبالتالي لاتكون عرضة لاي ضغوط مباشرة في حال تنفيذها لأحكام الإعدام بحق العملاء وهذا ما حصل فعلا سواء خلال حرب غزة أو ما قبل ذلك .

رغم الحملات التي قامت بها السلطة الآن انه لم يتم وضع أي برنامج لاعادة تأهيلهم وطنيا لان مثل هذا البرنامج يحتاج لإمكانات ذاتية ولن تساهم به أي دولة باعتبار مثل هذا البرنامج يتعارض مع المصالح الأمنية الإسرائيلية والسلطة لم تأخذ الفرصة الكافية فاندلعت انتفاضة الأقصى ودمر الطيران الحربي الإسرائيلي معظم المقرات الأمنية وبالتالي انخفضت عمليات ملاحقة العملاء الى اقل درجة باستثناء الحالات الخطرة ممن ارشدوا الأجهزة الإسرائيلية لكوادر وقادة من المناضلين والمجاهدين وتسببوا في اغتيالات .

كان هنالك كم كبير من العملاء الهامشيين الذين لم يتسببوا في اغتيالات او أعمال خطرة وكلفوا بجمع معلومات عامة ولم يتم تفعيلهم من قبل إسرائيل فكان العقاب بقدر الضرر الذي أحدثه العميل .

انتفاضة الأقصى فرضت وضعا امنيا مختلفا بعد تدمير مقرات أجهزة الأمن الفلسطينية واضطرت الفصائل لحماية أمنها في ظل غيا عملي لأجهزة الأمن بمحكمات فصائلية وإعدام في الشوارع .

واجهت السلطة ضغوط كثيرة خلال فترة حملات ملاحقة العملاء ولإسرائيل وسائل ضغط متعددة على السلطة وأجهزتها غير مرئية للعامة .. فإسرائيل لم يكن لتتدخل عسكريا للإفراج عن عميل ولكن كان لديها وسائل ضغط أخرى في مجالات عديدة .. وأحيانا كانت إسرائيل تطلب من السلطة تسليم احد العملاء المعتقلين وترسل لهم كلمة السر التي تقف السلطة أمامها عاجزة " المعتقل  الفلسطيني يحمل الجنسية الإسرائيلية وبالتالي هو مواطن إسرائيلي ويجب تسليمه لإسرائيل ".

هذه مسالة في اتفاق اوسلو لا نقاش فيها لأنه يمنع على السلطة اعتقال مواطن إسرائيلي ومع هذا لم تكن السلطة تسلمه على الفور فقد كانت تماطل لحين استكمال كل اعترافاته لان إسرائيل كانت تطلبه مع بداية اعتقاله وبعد أشهر عادة من المماطلة والتسويف من قبل السلطة كانت تسلمه للجانب الإسرائيلي بمقابل ولم يكن التسليم مجانا .

الحادثة الأهم في هذا المجال عندما اعتقل موسى عرفات رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية عميل كبير " بدون ذكر الأسماء " فطلبته إسرائيل بإلحاح باعتباره مواطن إسرائيلي حسب الطلب الإسرائيلي .. وكان ابو عمار في تلك الفترة قد طلب من إسرائيل السماح للشاعر محمود درويش بالعودة الى ارض الوطن وهي ترفض الطلب .. فقال ابو عمار :" عليهم ان يسمحوا للشاعر محمود درويش بالعودة إلى ارض الوطن ونسلمهم عمليهم وما حاجتنا به ".

وفعلا تمت الصفقة وعاد محمود درويش وتم تسليم العميل الفلسطيني وهو الآن في إسرائيل ويخدم في الجيش الإسرائيلي .


التعليقات