من ذوي الاحتياجات الخاصة .."الشرش" :يسقي قبر أخيه بدمه

من ذوي الاحتياجات الخاصة .."الشرش" :يسقي قبر أخيه بدمه
غزة -خاص دنيا الوطن- ابتسام مهدي 

"ماجد يناديني ...يريد أن أسقي قبرة.. ما بدى يزعل مني", هذه الكلمات كانت أخر ما تلفظ بها الشاب محمد, والذي عانقه صاروخ إسرائيلي من طائرة بدون طيار, ليروي قبر أخيه بدمائه .

 لتبدأ القصة عندما أعتاد الشاب محمد عوض مطر "38عاما" من ذوي الاحتياجات الخاصة زيارة قبر أخية نهاية كل أسبوع, تحديداً عصر يوم الجمعة, في مقبرة بيت لاهيا شمال قطاع غزة, ليسقيه بالماء ويضع الزهور عليه.

ماجد الأخ الأكبر لمحمد استشهد في صيف 2007م برصاص الاحتلال شرق مدينة غزة, كان متعلقا به كثيرا قبل استشهاده, فكان يرعاه ويهتم به ويتابع كل أموره ويلبي مطالبه, وبعد أن سكن بباطن الأرض, ضل محمد يزور أخية طوال تلك السنوات, دون ملل أو كلل لم يقطعه أي أسبوع حتى لو كان مريضا . 

كانت الزيارة الاخيرة له ليكون اليوم السادس عشر من العدوان على غزة ذكرى جعلت محمد يروي قبر أخيه بدمه بدلا من الماء, بعد أن كان جسده على موعد مع صاروخ ألقته طائرة بدون طيار لتمزقه إربًا.

لم يكن محمد الملقب بين أوساط حيه في مخيم جباليا بـ "الشرش" الأول من ذوي الاحتياجات الخاصة الذي تغتاله (إسرائيل)، فمع الأذان الأول من فجر اليوم الرابع من العدوان على غزة أرتكب الاحتلال مجزرة بحق أربعة فتيات من ذوي الاحتياجات الخاصة بعدما أسقطت طائرة حربية من نوع F16  صاروخين على جمعية مبرة فلسطين للمعاقين في بيت لاهيا.

ورغم مرور عدة أسابيع على استشهاد الشرش, ألا أن أبو عوض الأخ الأكبر لمحمد, لا يستوعب فقدان أخيه ولا الدواعي التي جعلت إسرائيل تستهدفه وقال لدنيا الوطن" كان مسالما يحبه الجميع... لم يكن يتبع لأي تنظيم ولم يحمل بندقية أو صاروخ ... كان يزور قبر أخية فقط.. لماذا قتلوه؟؟" هكذا قال .

وأضاف والألم يعتصر قلبه ويظهر على ملامحه :" للمرة الثانية نفقد أخ لنا بسبب المحتل فأخي ماجد تم قنصه برصاصة غادرة في صدرة, وفي هذا العدوان نفقد من كان يرسم الابتسامة في وجه الجميع, حسبي الله ونعم الوكيل عليهم".

ويذكر أبو عوض (45 عامًا) أنه حاول منع أخيه من الذهاب لتلك المقبرة، خوفا عليه من استهداف إسرائيل وخاصة أن الاعتداءات كانت لا تفرق بين أحد, لكن كانت تقابله عبارة محمد التي رددها له: "ماجد بستنا بده مية لازم أروح له ليزعل مني".

استطاع الأخ منع أخيه لفترة من الزمن ولكن أصرار محمد على الذهاب جعله يغافل الموجودون في المنزل ويخرج ويأخذ معه جالون الماء وحفنه من النعناع والورود ليسقي ويزرعها على قبر أخيه ماجد.

ليفقده الأخ ويسأل عنه, ليخبروه أنه خرج وأخذ معه ما أعتاد على اصطحابه أثناء الذهاب للمقبرة, ليسمع بعد دقائق صوت انفجار, ويعلن عن استهداف شخص في مقبرة بيت لاهيا, ليقف الأخ أبو عوض على قدمية ويقول :" محمد هناك.... لقد قتلوه".

ويخرج مسرعا باتجاه المقبرة ويجد المسعفين يلملمون بقايا جسد محمد والتي تناثرت على قبر ماجد, ولتكون القبور شاهدة على جريمة إسرائيلية أرتكبت بحق شاب أحب أخيه, ليكون جارا له في القبر, وليحمل نفس صفته ماجد في الدنيا بأنهم شهداء.

الشهيد محمد, وفق جيرانه وأصدقائه, كان شخصية محبوبة من جميع سكان الحي، وكان الجميع يتعاطف معه ويساعده.

فتحت العائلة في داخل منزل الشهيد بيت عزاء صغير، لاستقبال أهالي الحي المعزيين، سيما أن طائرات الاحتلال المتلبدة في السماء بأنواعها كافة لا تفرق بين بيت عزاء ولا غيره.

من بين من بكى على فراق محمد كثيرا جاره الطفل مروان أسعد "13 عاما " فهو لا يصدق خبر استشهاده, ومازال يسأل والديه لماذا تم استهدافه, ومن سيزور قبره هو وأخوه ليسقيهم الماء, لماذا المحتل يسرق من يجعلنا نبتسم؟؟.

أسئلة عجز والديه عن الإجابة عنها, ولكن في كل مرة كانت الدموع تسبق انتظار الرد من قبل مروان ليخرج مسرعا من منزله ويقف أمام منزل محمد, ويقول :" اشتقنا له أنه شابا مرحا, كان يحب الجميع ونحبه كذلك, لعب معنا كثيرا, كانت له حركات أذا فاز تجعل الجميع يضحك حتى لو كنا مهزومين, شارك في كل أفراح أبناء الجيران كان يرقص معنا بشكل جميل سنفقده كثيرا".

بسمة محمد التي رسمها على وجوه أفراد عائلته وكل من عايشه خلال حركاته العفوية، ستختفي تدريجًيا، لآن دمعات الفراق وألمه تمحو كل مواطن الابتسامة.

التعليقات