ما بعد بيان ابو عبيدة

ما بعد بيان ابو عبيدة
كتب غازي مرتجى
انفجرت الاوضاع في قطاع غزة في لحظة قصيرة خطّطت لها إسرائيل بعناية فائقة وأخرجتها جيداً بوتيرة إعلامية عسكرية مترابطة فادعّت ان صواريخ ثلاثة انطلقت من قطاع غزة الى بئر السبع ولسوء الحظ لم تُطلق صافرات الانذار في المدينة وسقطت الصواريخ ايضاً في مناطق مفتوحة .!

لم يعلن اي تنظيم مسلح في قطاع غزة مسؤوليته عن عملية اطلاق الصواريخ التي زعمت اسرائيل سقوطها وحتى لو كانت اطلقت من قطاع غزة فلا اعتقد انها ستكون من فصائل المقاومة بل ستكون أطلقت بأوامر إسرائيلية بحتة لتنفيذ .. ما بعد !

اسرائيل خططت لنهاية دراماتيكية لعدوانها على غزة فاستهدفت رأس حركة حماس العسكري محمد الضيف واستشهدت زوجته وطفله الصغير في القصف العنيف الذي هزّ أرجاء مدينة غزة واستخدمت فيه نوعية جديدة من الصواريخ .

نجاة قائد القسام إن كان في المنزل أصلاً شكّل ضربة قاصمة للحكومة اليمينية المتطرفة وكان من الواضح ان التكتيم الاعلامي الكبير على العملية وتحدّي كتائب القسام لاسرائيل بالاعلان عن هدف قصف المنزل كان فشلاً استخبارياً كبيراً لاسرائيل وبان في خطاب نتنياهو يعلون المشترك يوم الاربعاء .

سبق خطاب نتنياهو يعلون بيان مصوّر من الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة , وحمل خطاب ابو عبيدة عدة رسائل يمكن تلخيصها بالتالي :

*أطلق ابو عبيدة رصاصة الرحمة على المبادرة المصرية ووصف مفاوضات الاسبوعين التي سبقت محاولة اغتيال الضيف بانها "عبثية" وطلب من الوفد المفاوض المغادرة فوراً من القاهرة وأكد انه لا مجال للعودة الى "القاهرة" . 

*استخدم ابو عبيدة تحذيراً قانونياً للمستوطنين والاسرائيليين في بلدات الغلاف وحتى الاجانب المقلعين عبر مطار بن غوريون بتحذيرهم باليوم والساعة بأنّ كتائبه ستبدأ بتكثيف هجماتها من الساعة السادسة صباحاً .

*وضع بيان القسام استراتيجية المرحلة المقبلة بأن المفاوضات يمكن ان تستمر -لكن عبر وسيط غير مصر- دون وقف لاطلاق النار , أي مفاوضات تحت النار .

اما المؤتمر الصحفي الخاص بنتنياهو ويعلون فيمكن استخلاص التالي :

*يظهر من حديث نتنياهو مدى صعوبة الفشل في قتل "الصيد الثمين" بالامس , وانصب خطاب نتنياهو بمجمله على تسويق انجازات وهمية كتدمير الانفاق لحماس مدعيا ان حماس تخفي خسائرها , يبدو ان نتنياهو لم تصله احصائية الصواريخ التي اطلقت على اسرائيل خلال اقل من ساعتين بالامس .

*من حديث يعالون يبدو وانه تعرّض لانتقادات داخلية شديدة وهو بالفعل خسر مستقبله السياسي -كل وزير حرب يصبح فيما بعد رئيسا لحزب او رئيسا للوزراء- وهو يحاول تجميل الصورة القائمة ويهدد بصوت خافت بانه سيجتاح قطاع غزة واعتقد انه تحدث بذلك كنوع من رفع العتب فقط .

ما بعد ابو عبيدة :

كما اسلفنا فقد انهى ابو عبيدة امكانية ان يكون هناك جهود مصرية قادمة لكن هذا يرتبط بمدى موافقة الاطراف الفلسطينية على ذلك فالجهاد الاسلامي ترفض اي دور غير الدور المصري , والباب فُتح واسعاً لتدخل تركي قطري الآن .

خلال فترة العدوان الاسرائيلي كان رئيس الوزراء التركي السابق رجب اردوغان منشغلاً بانتخابات الرئاسة التركية وما ان نجح في رئاسة الدولة التركية فإنّه سيجد نفسه وسيطاً فعلياً بين حماس واسرائيل نظرا لعلاقاته المميزة مع الطرفين , أردوغان يعمل على تحويل بلاده الى النظام الرئاسي بدلاً من البرلماني وطموح أردوغان لا يحده حدود .. لذلك هو يحاول ان يكون "عرّاب" الشرق الاوسط الجديد بديلاً عن مصر .

قطر لا تبتعد كثيراً عن تركيا بل ستدعم الجهود التركية بكل ما أوتيت من قوة , لكن العائق الوحيد الذي يواجه التدخل القطري التركي سيكون موقف السلطة الفلسطينية وحركتي فتح والجهاد الاسلامي حيث ترفض كل الاطراف تدخل تركي قطري وابعاد الدور المصري .

في حال استمرار اطلاق الصواريخ على العمق الاسرائيلي وبلدات الغلاف ستبدأ الجهود الديبلوماسية وبتدخل أمريكي جاد هذه المرة لابرام اتفاق وقف نار شامل , لن نشهد تهدئة قصيرة المدى كالتي شاهدناها خلال الاسبوعين الماضيين ولكن سنجد اتفاقاً شاملاً خلال فترة قصيرة في حال استمرار الميدان على حاله .

اما لو تمكنت فصائل المقاومة من تنفيذ عمليات واسعة وكبيرة واستطاعت مثلاً أسر جندي جديد او تنفيذ عمليات تسلل نوعية للعمق الاسرائيلي فقد نشهد تطوراً ميدانياً اسرائيلياً ونكون أمام اجتياح بري جديد .

وعلى الجانب الآخر في حال قامت اسرائيل باستهداف شخصيات من المستوى الاول في المقاومة الفلسطينية فقد نكون امام عمليات مقاومة جديدة واسلحة مختلفة ومفاجآت تعيدنا الى اليوم التاسع من العدوان على غزة والبدء بهجوم بري على القطاع .

دوماً نؤكد انّ كل التوقعات ناتجة عن تحليل لحظي وقراءة المشهد السياسي المحلي والاسرائيلي والدولي , لكن كل تلك المشاهد تذوب في الميدان وتطوراته ولا يمكن معرفة ما تخبئه تطورات الميدان في الثواني التي تلي كتابة المقال .

التعليقات