حرب غزة وانهيار أنظمة عربية

حرب غزة وانهيار أنظمة عربية
بقلم : عبدالله عيسى

على مدى الشهرين الماضيين واجهت معظم الدول العربية تحديات خطيرة تمثلت بانهيار أنظمة عربية أو أوشكت على الانهيار مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن وتهديدات خطيرة لمصر وتونس وتأهب كل من الجزائر والسعودية والأردن تحسبا للتطورات الخطيرة القادمة من العراق وسوريا وليبيا وأكملت إسرائيل الحلقة بشن حرب على  الضفة ثم غزة استهدفت فيها المدنيين وارتكبت مجازر فظيعة حتى الآن .

المثير للدهشة كان الموقف الأمريكي الغامض الذي لم يتحرك بجدية لمعالجة الموقف الخطير الناجم عن انهيار أنظمة وتهديدات خطيرة توجه أنظمة عربية مثل السعودية والأردن ومصر وتونس بل وقفت أمريكا شبه متفرجة وكان تدخلها خجولا جدا لأمر في نفس يعقوب .

ورغم أن امريكا تعتبر المسئول الأول عن كل هذه الأحداث الجسيمة إلا أنها تنتظر وما زالت تنتظر على طريقة بائع الزجاج الذي يقذف زجاج منازل البلدة بالحجارة ليلا ويحطمها طبعا وينتظر صباحا سكان البلدة كي يأتي السكان لإصلاح زجاج منازلهم في محله .

العراق طلب رسميا من أمريكا التدخل منذ حزيران الماضي ولم تتدخل أمريكا ووضعت طلب المالكي في الدرج وطلبت ليبيا كذلك التدخل ولقي طلب ليبيا نفس المصير في الدرج .. والعراق وليبيا هما الحلقة الأساسية في مسلسل انهيار الأنظمة .. وهذا الإهمال الأمريكي لم نره قبل 3 سنوات فقط عندما وظفت أمريكا كل إمكاناتها الهائلة في العالم لإسقاط الأنظمة في ليبيا وتونس وسوريا واليمن ومصر وتدخلت بكل قوة وسرعة قياسية لدعم الربيع العربي بهدف وحيد إسقاط الأنظمة العربية لتتحفنا بأنظمة عاجزة عن توفير الأمن للمواطن على انقاض أنظمة كانت عاجزة عن توفير الديمواقراطية والرفاهية لشعوبها فإذا بنا أمام أنظمة في حالة موت سريري لا تستطيع توفير الأمن والديمواقراطية والرفاهية تحكمها ميلشيات وسيارات الدفع الرباعي .

حرب إبادة تشنها إسرائيل بقطاع غزة بينما تتسلى أمريكا بالمبادرات ظاهريا تريد المبادرة المصرية وعمليا تتسلى مع دول أخرى لإطلاق مبادرات تضييع وقت وفي الوقت نفسه تتحدث مع إسرائيل بلغة غير حاسمة ثم تتبنى الموقف الإسرائيلي في نزع سلاح المقاومة ولا تطرح أمريكا مواقف خبرناها على مدى عشرات السنين .. وإسرائيل تفهم تماما الموقف الأمريكي عندما تريد وضع حد لصراع او قضية ما .. وذكرنا بعض الأمثلة في مقالات سابقة كيف اتصل بوش الابن بشارون وقال له كلمتين فقط :" انسحب من بيت حانون بغزة فورا " فانسحب شارون بدون نقاش وكيف قال بوش الأب لشامير لا تتدخل في حرب الخليج فانصاع شامير وكيف قال له مرة أخرى تأتي لمؤتمر مدريد للسلام وإلا أوقفنا ضمانات القروض لإسرائيل وقيمتها آنذاك 10 مليار دولار فأتى شامير الى مدريد وما حدث في الربيع العربي من تحريك حاملات الطائرات الأمريكية ضد مصر وليبيا وسوريا وتجييش مجلس الأمن وقوات الناتو لإسقاط القذافي وكيف كان يتصل اوباما بالزعماء العرب قائلا كلمتين أيضا " تنحى الآن وإلا ..".

هذه اللغة الأمريكية كدولة تقود العالم منذ انهيار الاتحاد السوفييتي لم نسمعها  وما نراه الآن شغل مخاتير وليس شغل دولة عظمى أولى تقود العالم .

تجربتنا مع السياسة الأمريكية منذ بدء الربيع العربي هي تجربة فاشلة أسقطت أنظمة عربية وهددت أنظمة أخرى وأدخلت العالم العربي في عداوات كسر عظم لن يستطيع العالم العربي التخلص من آثار العداوات والضغينة لسنوات طويلة قادمة بعد أن أقحمت أمريكا دولا عربية مثل قطر وغيرها في هذه العداوات والضغائن وخرجت من المشهد تتفرج عمليا من بعيد لنشاهد توفيق عكاشة يرفع الحذاء في وجه أمير قطر على شاشة الفضائية .. مشهد غريب وشاذ لم نره يوما في حياتنا مهما بلغت الخلافات العربية العربية .. كيف ستستقيم العلاقات العربية العربية أمام هذا المشهد المتكرر في الإعلام العربي وليس المصري فقط  فنراه في سوريا وتونس وليبيا وحتى الخليجي الذي اتخذ قرارا ضد قطر الدولة العضو في مجلس التعاون الخليجي والذي لم يتخذ قرار بقطع علاقات مع دولة خليجية منذ تأسيسه .

السياسة الأمريكية زرعت القطيعة بين الدول العربية ونحتاج إلى كل حكماء العرب لمحو أثارها على مدى سنوات قادمة ولا أرى هدفا أمريكيا في وصول الوضع العربي الى هذه الحالة المؤسفة سوى انهيار أنظمة عربية وتفكيكها بفعل عوامل وفرت  لها أمريكا المناخ من ميلشيات لم نر لها عملا في الدولة والمجتمع سوى التفنن بالقتل.

الحقيقة لا أرى فواصل كبيرة بين ما يجرى في المنطقة العربية الآن وبين لامبالاة أمريكية إزاء كل ما يجري وما أراه واشدد عليه أن تعقد قمة عربية استثنائية تطرح فيها آليات مواجهة التحديات بدون توجيه اتهامات متبادلة بين هذا النظام أو ذاك وانما وضع صيغة عربية عسكرية واقتصادية وسياسية وإعلامية تجمع ولا تفرق ويعتمد العالم العربي على قواه الذاتية وهي كافية تماما للخروج من المأزق ومجرد التوصل لهذ الاتفاق العربي فان قضايا كثيرة ستحل تلقائيا ولن تتجرأ بعد ذلك إسرائيل على أن تستفرد بغزة ولن نجد ميليشيات بأي دولة عربية تصدر الموت للجيش المصري على الحدود ولن يحتاج العرب إلا إلى علاقات طيبة مع أمريكا وروسيا بدون تدخلات خارجية ونحفظ للمواطن العربي أمنه وسلامته وحياة كريمة ونساعده في اختيار أنظمة تعبر عن تطلعاته في الحياة الكريمة بدل جر دول عربية إلى مستنقع الحرب الأهلية .

التعليقات