"بيت قاد للزراعة المستدامة" بتوقيع مركز معا الجمع بين الاصالة والحداثة في الطرق الزراعية

رام الله - دنيا الوطن
حين تدخل مزرعة بيت قاد المسماة على اسم القرية التي تقع شرق محافظة جنين والمعروفة بطابعها الزراعي، حتى يلفحك  هواء البيوت البلاستيكية الساخن، وسرعان ما  تستشعر بعضاً من رطوبة ذرات المياه المتطايرة من أحواض الاستزراع السمكي، ومن تحت قبة البيت ترى اصنافاً متنوعة وعديدة من الخضروات تغريك لالتقاطها وتذوقها، وقضمة من ثمرة تشعرك بالمعنى الحقيقي للكلمة الرائجة في عالم الغذاء "عضوي"  أو BIO.

"زراعة العضوي في كل حيز متاح" هي ثورة مزرعة بيت قاد -التي تشكل جزءاً من مركز العمل التنموي /معا للزراعة المستدامة- ضد اتساخ تربتنا الفلسطينية وغذائنا بالكيماويات لسنوات طويلة بدأت منذ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والانفتاح على سوق المحتل. فالعضوي الذي أصبح اجبارياً تواجده في أسواق دول العالم المتقدمة،  وبالرغم من دخوله السوق الفلسطيني بخطوات جداً خجولة، لكن أصداءه آخذة بالانتشار مع ازدياد الأمراض المرتبطة بالغذاء الملوث بمتبقيات الأسمدة والمبيدات، ما خلق صحوة لدى الكثيرين بضرورة البحث عن العضوي لارتباطه بالصحة والقيمة الغذائية.

القاعدة الذهبية في بيت قاد

هذا التقرير المعد من قبل الصحفية ربى عنبتاوي،  تحدث عن  المنظومة الزراعية المعدية في أثرها الايجابي على مختلف القطاعات التنموية في الوطن، تعمل وفق القاعدة الثلاثية الذهبية الخاصة بالمياه والتي تستند على ترشيد استخدام المياه، وتطوير آليات متعددة في الحصاد المائي، والتدوير، جميعها يجري تطبيقها بشكل ابداعي ومحفزّ لكل المهتمين بالتطبيقات في مجال الزراعة.

وحول اهتمام مركز معا بهذا المشروع بالذات الذي يعد حديث الفكرة وفريداً مقارنة بالزراعة الرائجة بين أوساط المزارعين، فقد وصف مدير عام المركز السيد سامي خضر المشروع بالملهم والفريد من خلال بحثه الدؤوب والمتجدد عن الخضرة في التربة والمياه والحجارة، وبحثه عن البقاء والاستمرارية في نظام زراعة مختلطة لعشرات الأصناف، بهدف إنتاج غذاء بلدي عضوي في زراعات أصلية، وكل ذلك على مساحة 11 دونماً على أرض سهل مرج إبن عامر الخصيب.

وأشار خضر الى أن المركز يسعى من خلال المزرعة التي كانت تزرع سابقاً فقط بنبات البصل، الى تعزيز أهمية المنتجات الزراعية العضوية وقيمتها الغذائية والصحية لدى المواطن الفلسطيني، وضرورة استغلال كل رقعة من الأرض بهدف الزراعة، وهي أيضاً محاولة لتشجيع المستثمرين من التجار الفلسطينيين للاهتمام بهذا النوع من الزراعة لما لها من فوائد في تشجيع العضوي والبلدي الأكثر أمناً من الناحية الصحية والزراعية".

 قصة مزرعة بيت قاد

 "تم البدء بإنشاء المزرعة في آب من عام 2012، في وقت تزامن مع تدمير الاحتلال الاسرائيلي للبئر الوحيد المغذي لأراضي المنطقة، ما هدد المشروع  والأراضي المحيطة باستدامة الإنتاج الزراعي وجدواه، الأمر الذي دفع معا للتفكير العملي في طرق تجميع الماء وتخزينها ومن ثم توزيعها".

الاعتماد الحقيقي للمزرعة يأتي من آبار تجميع مياه الأمطار المتدفقة من أسطح البيوت البلاستيكية والتي تروي بشكل مستمر النباتات والأشجار، ومن ثم يمتلئ الفائض في بركة الاستزراع السمكي. اضافة الى خزان ماء تم بناءه لتجميع المياه من المركز الزراعي المبني من الكرفانات.

كما أن هنالك مصدراً آخر لتجميع مياه الأمطار، عبر حصاد مياه الوادي القريب من الأرض شتاءً والتي تكون جداً غنية بالمغذيات العضوية. ومع ذلك فكمية الامطار التي شهدها العام الحالي لم تكن كافية لري المزروعات ما استلزم شراء الماء بأسعار عالية.

بستان الأشجار المتنوعة

في مزرعة التنمية المستدامة الوحيدة المقامة في محافظة جنين،  زرع  مركز معا انواعاً مختلفة من الأشجار بما يقارب الـ 300 شجرة، بهدف إنتاج نظام ايكولوجي مستدام تصبح فيه التربة اكثر رطوبة وخصوبة عاماً تلو عام، كما يصبح الإنتاج مجدياً أكثر، من خلال اغناء التربة بمغذيات مخلفات النباتات، ما يحافظ على التوازن البيئي مقللاً من أمراض النبات، كما يتم تغطية ما حول ساق النبتة بالقش وأوراق الشجرة العريضة حتى لا تتبخر مياه الري بل تساعد هذه الطريقة في تتغلغل المياه للجذور اسفل التربة. وقد اختير في الحقل أنواع شجرٍ ذات الأوراق كبيرة الحجم لتساعد في حصاد مياه الامطار فتقلل من تبخر المياه المروية.

بركتا تجميع مياه الأمطار

بركتان دائريتان محاطتان بحوضين مائيين مزروع فيهما بعض الأعشاب الطبية، تعيش في كل واحدة مئات من الأسماك من نوع المشط والكارب على عمق ثلاثة أمتار وسعة مائية تصل لـ 1350 كوب،  تعتمد هذه الأسماك في غذائها على الزبل العضوي ما يجعل المياه مليئة بالسماد المغذي، وبالنسبة للتهوية فتتم من خلال حركة المياه أعلى سطح البركة، تساهم هذه البركة في ري المزروعات لما تحويه من مغذيات عضوية من مخلفات السمك.

  الدفيئة البلاستيكية

في مدخل المزرعة، أقيمت دفيئة بلاستيكية على ارض مساحتها دونم،  تزرع فيها مختلف أنواع الخضار والأعشاب الطبية ونبتة الفراولة، مئات الشتلات تم زراعتها على الطريقة المائية أو التقليدية بحيث توفّر العديد من الاحتياجات الغذائية المنزلية.

جوهر الدفيئة نظام "الأكوابونيك" أو الاستزراع السمكي عبارة عن بركتين معدنيتين دائريتين اضافة الى عدة خزانات كل واحد منها مملوء بالماء والسمك بما مجموعه 150 سمكة في كل خزان، توصل هذه البراميل بأحواض فلترة تقوم بتنقية المياه وإعادتها للسمك بعد ان تذهب لتروي النباتات بحيث تحتوي على عنصر النيتروحين المغذي والمتركز في مخلفات السمك، فتروي نبات الملوخية والفلفل والبندورة والبقدونس والملوخية والباذنجان...وغيرها من الأصناف الزراعية. والايجابي في هذه الطريقة أنها لا تحتاج الى مياه عدا الكمية المستخدمة.

من مزايا نظام الزراعة المائية أنه يعد أكثر كفاءة لنمو النبات، وذلك باستخدام ما يصل في بعض الحالات إلى  95٪ من الماء أقل من البساتين القائمة على التربة. ومن المزايا الأخرى: زراعة أكثر كثافة قليلا، مما يتيح استفادة أكبر من المساحة المتوفرة، إنتاج أفضل ويدوم أطول، كما ويتم تقليل الإجهاد المائي في ظروف مناخية حارة، تناسب هذه الزراعة المناطق التي تكون تربتها غير صالحة للزراعة، وفيها تصل النباتات إلى مرحلة النضج في وقت أقصر بكثير، وتتضاءل إلى حد كبير الآفات والأمراض التربة، كما أن الحدائق المائية تتطلب صيانة أقل.

 وسائل زراعية مختلفة

تنتهج المزرعة مبدأ تجريب كل طريقة زراعية حديثة من شأنها ان تنتج غذاءً عضوياً بأقل كلفة وجهد ممكنين ومنها طريقة الزراعة بالأحواض المرتفعة، التي تتميز بأنها طريقة اقتصادية تحدد الكمية المطلوبة من التربة للزراعة وتساعد في ايجاد بدائل للمنازل التي لا تحوي حدائق. كما نرى في بيت قاد ايضاً طريقة الزراعة بالدواليب المطاطية بهدف اعادة التدوير إضافة إلى ملاءمة شكلها لأحواض الزراعة الدائرية، ويلفت انتباهنا في المزرعة اسلوب الزراعة على طريقة تخمير الكمبوست بحيث يتم وضع اسطوانة تحوي المخلفات العضوية تنتصف مجموعة من الأطر المصفوفة بطريقة عمودية، وعندما تتم عملية التخمر وتسيل العصارة يتم تغذية التربة ما يساعد في تكثيف النمو،  كما يوجد أيضا في المزرعة وحدة لإنتاج الكمبوست من مخلفات النباتات لاستخدامها لأغراض التسميد.

جعل العضوي نمط حياة

المهندس الزراعي كمال دعيبس، الذي يعمل مشرفاً على مزرعة بيت قاد العضوية منذ عام، أشار في لقاء مع مجلة آفاق البيئية والتنمية إلى أهمية ادخال الزراعة العضوية إلى نظامنا الانتاجي  كنمط سائد، بعد أن أضحى استخدام المبيدات والأسمدة الكيماوية بغزارة كبيرة مسبباً لآثار على البيئة والصحة، وذلك في ظل ضعف الرقابة على استخدام الكيماوي حيث يقوم المزارع  بقطف الثمار قبل انتهاء فترة الأمان الموصى بها ما بين الرش والقطف، وهنا تكمن الخطورة.

من هنا، أتت الفلسفة من بيت قاد، وفق دعيبس، والتي تنسجم مع رسالة مركز معا كمؤسسة تنموية عبر العودة الى ما قبل ادخال الكيماويات إلى بلادنا، أي طريقة الزراعة القديمة، لافتاً إلى أن واجب معا يتمثل في اعادة احياء هذه الطرق في الزراعة والخروج بمنتجات عضوية نظيفة وخالية من المواد الكيماوية، وهذا الأمر يستلزم حملات توعوية للمستهلك تقودها المؤسسات الرسمية والأهلية أملاً بالتغيير.

فيما يتعلق بالزيارات فتعتبر بيت قاد محطة تجارب ومشاهدة للمزارعين والمهندسين الزراعيين والطلبة والمهتمين لمعاينة طرق الزراعة والتأكد من نجاعتها لإنتاج وافر، وأشار دعيبس إلى أن كثيراً من المزارعين قد تأثروا بطرق الزراعة العضوية، لأنهم لمسوا الفرق بالمشاهدة وتذوق الطعم. وعلى مستوى اقتصادي واسع بدأوا التفكير بها انطلاقاً من المستوى المنزلي والأرضي.

العسل...علامة بيت قاد المميزة

 انتاج العسل الطبيعي 100% في معا، مثال هام يجب التركيز عليه، وكما يقول دعيبس فالمزرعة تتعامل مع 70 خلية نحل تنتج العسل الطبيعي والخالي من الكيماويات والمضادات الحيوية والسكر الاصطناعي، خاصة في هذا الموسم حيث يلجأ الكثير من المزارعين نظرا لجفاف الموسم وقلة الازهار إلى إضافة السكر للعسل، ما يجعل عسلهم يصنف بأنه "عسل مغشوش" لأن الطبيعي يخلو من السكر الصناعي والمتبقيات الكيماوية وتلك المستخدمة لعلاج الأمراض التي تصيب النحل اثناء انتاج العسل. خلطة من الكيماويات في العسل من المرجح كثيراً أنها ستضعف مقاومة الإنسان للأمراض وتعرضه لمشاكل صحية لا يسببها العسل الطبيعي.

عسل السدر...من اليمن إلى فلسطين

حرصاً من معا على انتاج أجود أصناف العسل من خلال استغلال وجود شجر السدر في فلسطين ذات القيمة الغذائية المرتفعة، تم نقل عدة خلايا نحل إلى منطقة اريحا، حيث تزهر الشجرة في شهر تشرين أول، فيتم  ترك النحل لمدة شهر  يمارس دوره الطبيعي في صناعة العسل من السدر لإنتاج عسل مماثل لليمني بجودته العالية. وحول جدوى الزراعة المائية التي يهاب منها بعض المزارعين مرددين بعض المعلومات بأنها مكلفة مادياً، ف "على العكس" يعتبر دعيبس بأن هذا النوع يعدّ مبشراً من هذه الناحية، وان لم يكن استرداد التكلفة بشكل فوري، إلا أن التوفير على المدى الطويل يؤكد جدوى هذه الزراعة، لكنها بلا شك بحاجة الى خبرة في الاعتناء بالسمك لضمان إستمراريتها.

مركز للتدريب الزراعي

عند مدخل المزرعة يوجد مركز للتدريب الزراعي تم بناءه من الكرفانات لعدم حصول المركز على إذن ببناء مركز بيئي من الطوب الطيني، حيث أن القانون المكاني الجديد لا يسمح بالبناء على الأرض المصنفة بالخصبة. لقد كان حلم المركز إقامة بناء طيني، يشكل نموذجا معماريا صديقا للبيئة، مثل البناء الذي أقامه المركز في قرية الديوك في الأغوار لصالح جمعية نساء الديوك والنويعمة بالشراكة مع منظمة الأمم المتحدة لتنمية المرأة. يتخصص المركز بإقامة ورش العمل والدورات التدريبية للمزارعين وللنساء والطلبة والمرشدين الزراعيين وفق رزنامة تدريب سنوية تركز على العديد من المجالات الزراعية الهامة.

الصعوبات والرؤى

وحول الصعوبات والعراقيل نوه دعيبس الى أنها تتركز في تكلفة استخدام المياه المشتراة نظراً لأن تجميع مياه الامطار وخاصةً في العام الأخير، كان غير كافٍ ما يحتم شراء الماء بتكلفة عالية، إضافة إلى تكلفة الكهرباء المستخدمة بشكل متواصل في برك السمك. ولكن سيتم خلال الشهر القادم الانتهاء من مشروع الطاقة الشمسية الذي سيزود المزرعة بما تحتاجه من طاقة كهربائية.

وحول أبرز إنتاج في بيت قاد، أشار دعيبس إلى أن العسل في المواسم الجيدة هو انتاج يدعو للفخر، كما ان  الزراعات العضوية من محاصيل الخضار خاصة الورقية منها بالإضافة إلى المحاصيل الأخرى، قيمة صحية لا يقدرها إلاّ الباحثون عن النوعية والمذاق الجيدين.

أما عن مشاريع المركز المستقبلية فأشار السيد سامي خضر أن أجندة مركز معا للزراعة المستدامة مزدحمة وحافلة بالعديد من المشاريع والأفكار التنموية لهذا العام، وفي مقدمتها إدخال الثروة الحيوانية إلى المزرعة، باعتبارها مكونا هاماً ومتداخلا مع الزراعة العضوية بإبعادها المختلفة، وربط المركز والمزرعة بالطاقة الشمسية، والإعلان عن البرنامج التدريبي المختص في الزراعة المستدامة والكثير من الأفكار التي سيعلن عنها تباعا.

وختم خضر حول الرؤى والتطلعات بالقول:  "سنعمل على جعل المزرعة مزاراً للمزارعين وطلبة المدارس والمواطنين ووجهة يتجه اليها كل المهتمين بالزراعة العضوية أملا بقيامهم بتطبيق التجربة في بيوتهم حتى على أصغر المساحات الممكنة، فبيت قاد من خلال المشاهدة والتجربة الزراعية منارة لأساليب الزراعة الصديقة للبيئة"

التعليقات