ماذا أحدثت طلقات "الخطاط الأحمر" وقذائفه في الشجاعية؟ حكايات تروي معاناة المواطنين..صور

ماذا أحدثت طلقات "الخطاط الأحمر" وقذائفه في الشجاعية؟ حكايات تروي معاناة المواطنين..صور
غزة - خاص دنيا الوطن-محـمد الخالدي 
هي الشجاعية أو كانت الشجاعية, هو حي لم يصبح بحي فدماء سكانها مازالت مرسومة على جدران منازلها أو مدفونة تحت ركامها أو في نهرٍ يجري في شوارعها.

فعندما بدت تتضح معالم مجزرة الشجاعية صباحاً, وبعد أن إنقشع دخان القذائف والصواريخ والركام عنها بدأت أعيننا تبصر شيئاً وكأنه ما أخبر به الأجداد عن مجازر دير ياسين و قانا و صبرا شاتيلا,  وإذ نشاهد 48 جديدة , قصة الهجرة الكبيرة, نعم إنها النكبة, لقد عشناها,  رأيناها بأم أعيننا لكن هذه المرة كانت في الشجاعية.

الناس كانوا يهربون  من القذائف المتساقطة عليهم كالمطر وكأن تحت أقدامهم صفيح ساخن يركضون عليه, محاولين أن ينجوا بأطفالهم ونسائهم وشيوخهم من قذائف الموت العشوائية.

ففي ليلة واحدة بل في ساعات معدودة خلفت هذه المجزرة  بحسب المصادر الطبية 85 شهيد وأكثر من 350 جريح, فهذا ما تم معرفته حتى هذه اللحظة, فمازال هناك العشرات من المفقودين الذين لم يعرف لهم حال أومصير, هل هم من الأموات أو من الأحياء, وذلك بسبب إغلاق الاحتلال هواتفه في وجه الصليب الأحمر الذي يحاول التنسيق معهم من أجل دخول طواقم الاسعاف والدفاع المدني إلى تلك المنطقة وإنتشال من فيها من شهداء ومصابين.

دنيا الوطن حاورت بعض من ارتكب الاحتلال بحقهم مجزرة من مجازره كي تعرف تفاصيل تلك الليلة التي تعتبر كابوساً لم تنتهي فصوله في هذا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة .

عطية سعيد علي سكافي (54 عام), أحد من مروا فصول هذه المجزرة على حي الشجاعية, والذي لجأ الآن في أحد مدارس الوكالة "الأونروا" في مدينة غزة, حيث فقد 9 من أفراد عائلته,هم, ابنه عصام عطية سكافي (26 عام ), وابن أخيه مصعب صلاح الدين سكافي (27 عام), وابن أخيه مجاهد مروان سكافي( 21عام), وابن عمه أكرم محمد علي سكافي( 65 عام ), ونجليه التوأم أنس أكرم سكافي( 18 عام ) وسعد أكرم سكافي (18 عام ), بالاضافة إلى نجل ابن عمه محمد حسن محمد سكافي (54 عام) و ولده علي محمد حسن سكافي( 26 عام) .

بعد السلام على عطية بدأ الحديث وأول الحديث كانت الدموع التي سبقت كل شيء فالألم والمصاب جلل عليه

الساعات الأولى للمجزرة
يقول عطية : " في فجر الأحد تسحرنا كعادتنا فنحن مازالنا في شهر رمضان ثم قرأنا القرآن وأوينا إلى الفراش للنوم, وإذ بفاجعة تحدث في الشجاعية , القتل في كل مكان , القذائف تنهال في كل بقعة , الناس يهربون,فنحن عائلة تسكن في في ثلاث بيوت من أخوة وابناء عمومة بجانب بعضنا البعض في حي الشجاعية  بشارع النزاز  ,خشيت أن نصاب بهذه القذائف, فأشرت على أولادي وأخوتي بالخروج من البيت, فالقصف اشتد كثيراً لكنهم رفضوا قائلين, أن نموت تحت سقوف الركام أشرف من أن نتشرد في الشوارع".

وبعد أن قرر عطية وعائلته أن  يصمدوا ويبقوا في بيوتهم, قسموا أنفسهم بالتساوي في البيوت الثلاث  كل بيت به 15 فرد, لأن هناك أسرة أكثر من أسرة, فإذا أصيبت إحداها لا تكون الخسارة كبيرة ويستطيع الباقون إسعاف من يصابون .

وتابع عطية, "أذن الظهر وصلينا معاً ثم ذهبنا للنوم وفجأة وإذ نرى أن البيوت الثلاث تسقط مثل البسكوت, لم نعرف إذا كان بفعل قذائف الدبابات أو صواريخ الإف 16, لكن الأكيد أن قوة الانفجارات كانت هائلة وضخمة ربما تزن 3 أطنان, استشهد من استشهد وأصيب من أصيب , استطعنا انتشال 6 شهداء دفناهم على الفور وبعد ثلاثة أيام ارتقى سابع متأثراً بإصابته الخطيرة وبقي إثنان أو ثلاثة لا أعلم بالتحديد بسبب تشتتنا وعدم تواصلنا  فهم على الأغلب مازالوا تحت الأنقاض في عداد المفقودين".

شهود عيان من رأوا المجزرة أكدوا لدنيا الوطن روايةً تطابقات مع روايات أخرى, أن الناس  كانوا يشاهدون طلقات نارية تسمى "الخطاط الأحمر" تسقط في مكان معين, فإن هذا المكان تتبعه عشرات القاذئف والصواريخ لتباد المنطقة عن بكرة أبيها, فحينها علم الناس أن أينما تسقط هذه الطلقات الحمر تعتبر منطقة محروقة سرعان ما يفرون منها.

وأحد الشهود قال أن شعاع ليزر أحمر سلط داخل غرفة أحد أقربائه عبر الشباك  لتنهال بعدها عليه القذائف الاسرائيلية مباشرة مدمرةً المنزل.    

توأم بتوجيهي وعريس.. لم تكتمل فرحتهم
الحديث مع عطية كان مليء بالجروح والدموع والألم, فمن ممر أحد مدارس الوكالة بمدينة غزة استمر عطية  في الحديث وسط زحمة أبنائه وأبناء اشقائه وعائلته المشردين في تلك المدرسة فمنهم المصاب ومنهم المصدوم ومنهم المنهك , حيث بدأ يستذكر اللحظات الأخيرة من حياة ابنه عصام الذي حصل على دبلوم في السكرتارية ليحصل بعدها على بطالة 6 شهور لم يقتضي منها إلا راتب شهر واحد منه, حيث أنه وقبل نصف ساعة من استشهاده قام بحلق ذقنه ثم استحم ليلبس ملابسه الجديدة قائلاً لأخته: " أنا اليوم بدي أفطر في الجنة إن شاء الله يختي" وبالفعل أفطر في الجنة بحسب ما سرد والده.

  وأضاف عطية أن ابن اخيه مصعب صلاح الدين سكافي(27 عام), كان من المقرر أن يتزوج بعد العيد من خطيبته لكنه استشهدا ورحل, حتى أن خطيبته لم تراه ولم تودعه بسبب القصف العنيف وتشتت الناس وانقطاع الاتصال بينهم.     

ولأن غزة لا تخلو فيها بيت إلا و وجدت به من تقدم إلى الثانوية العامة  " التوجيهي",  فقد كان لنجلي ابن عمه الشهيد أكرم , وهما التوأم أنس وأسعد نصيب من نتائج هذا العام في الثانوية العامة, حيث حصل سعد على نسبة 91% عملي وأنس 88% علمي ,حيث كان مشهود لهما بالتدين والعلم والثقافة وأنهما أبناء مساجد,  فهما لم يفرحا بنتائجهم بسبب العدوان الإرهابي على قطاع غزة ولن يفرحا لأنهما رحلا مع والدهم في هذا العدوان على حد وصف عطية.

يقول عطية وهو يتنهد ويعتصر ألماً : "عائلة أخي المهندس الشهيد أكرم متميزة بالتفوق العلمي فنجله الشهيد عبد الرحمن الذي استشهد معهم أيضاً في هذه المجزرة  كان قد حصل سابقاً على المرتبة الثانية في الثانوية العامة على مستوى القطاع بالإضافة إلى أختهم التي كانت سابقاً واحدة من أوائل القطاع, هاهم الآن  حصلوا على شهادة عليا من الله عز وجل و أكرمهم بالإستشهاد على أرض هذا الوطن".

الإتصال الأخير
أما عاهد محمد حجاج (35عام) الذي يقطن في حي الشجاعية بشارع المنصورة, روى لمراسل دنيا الوطن مدى سرعة الموت في هذه المجزرة التي أخذت اثنين من أشقائه وهما شحاته محمد حجاج (29) عام ولديه أسرة من 7 أفراد بالإضافة إلي أخيه الثاني يوسف محمد حجاج (25عام).

  يسرد عاهد, "  عندما بدأ الاحتلال في مجزرته الساعة الخامسة صباحاً والقذائف تنهال كالمطر علينا خرجت أنا وأسرتي وأسرة أخي حاملاً أبني المعاق نركض مسرعين وأنا أرتدي ملابسي الداخلية و بيوتنا وممتلكاتنا  تحترق أمام أعيننا محاولين أن ننجو من هذا الموت المحتم"

وأضاف عاهد ," وصلنا إلى أحد مدارس الوكالة و قمت فوراً بالاتصال بإخوتي الإثنين اللذين لم يستطعا الخروج معنا, لأنهما حوصرا في البيت من شدة القاذئف, فبحمد الله أجابا على اتصالي وقالا أنهم لا يتستطيعان الخروج , فقلت لهم اصبرا حتى نحاول إخراجكما , لكن ثاني يوم وصلنا خبر أن الاحتلال قتل عدد كبير من الناس في الشجاعية في مجزرة جديدة بها , فقمت بالاتصال فورا بأخوتي لكن هذه المرة لم يجيبا على الاتصال أدركت حينها  أنهما استشهدا, فعدم الاجابة على الاتصال كانت دليل معتاد لدى أهل الشجاعية أن المتصل عليه هو ميت تحت الأنقاض".

في هذه المجزرة, عاهد فقد اثنين من أخوته واثنين من أبناء عمه هما أحمد زياد حجاج (20 عام)  وطارق فايق حجاج (22 عام)  اللذان لا يزالان تحت الأنقاض بالإضافة إلى 12 مفقود يعتقد أن 6 منهم قد استشهدوا لكنه لا يعلم حالهم بسبب انقطاع الاتصال وعدم قدرتهم على الوصول إلى تلك المنطقة, حيث أنه استطاع بإعجوبة أن ينتشل أخويه شحاته ويوسف بعد أن قرر4 من أفراد عائلته أن يضحوا بأنفسهم  كي ينتشلوهم و يدفنوهم , فالصليب الاحمر أخبرهم عدم قدرتهم على التنسيق للدخول إلى هذه المنطقة لأن الاحتلال الإسرائيلي أغلق هواتفه أمامهم ولم يعد تواصل بينهم  في اشارة إلى رفضهم التنسيق معهم.
 
أوضاع مزرية في مدارس"الأونروا"
الحديث انتهى مع عطية وعاهد انتهى لكن العدوان لم ينتهي بعد وقصص المجزرة لم تنتهي, فهناك 1300 فرد يشاركون عطية  في هذه المدرسة التابعة "للأونروا" من أصل عدة مدارس, و الذين أووا إليها هرباً من قذائف الموت, فهم شهدوا تلك المجزرة دقيقة بدقيقة ولحظة بلحظة, فالمجزرة لحقت بعائلات كثيرة منها عائلة ظاهر وعياد وشمالي وحبيب والحلو وعنيزي وغيرها.

ومن خلال استطلاع مراسل دنيا الوطن على بعض مدارس "الأونروا" والذي كان يعتقد بعض الناس أنه يحمل أخباراً عن عائلاتهم راكضين نحوه ليطمئنوا على من فقدوه ولم يعرفوا أخباره, رأى المراسل أن حال الناس في مدارس " الأونروا" سيء للغاية, فالمساعدات ما زالت شحيحة والمياه لا تكفي ساعات من الوقت ولا فراش ينامون عليه ولا غطاء يتغطون به, وفطورهم في رمضان علبتي تونة وعلبة جبنة وعلبة لحم وكيس به 3 حبات من الخيار والطماطم لكل أسرة, أما الخبز فهو من بواقي ما يخلفه المخابز المبيت والذي لا يصلح للبيع بحسب ما وصف أحدهم والذي كان يعمل في أحد المخابز سابقاً, اما العلاج فلا يوجد علاج لمن يعانون من السكر والضغط والأمراض المزمنة.

و أوعز تيسير قدادة مدير موقع  هذه المدرسة,  إلى أن أسباب قلة المساعدات تعود للأزمة المالية التي تعانيها "الأونروا" بالإضافة إلى الأعداد الكبيرة التي تأوي إلى هذه المدارس التي لا تستطيع استعياب هذه الاعداد, ففي كل فصل يوجد أكثر من 35 شخص من عدة عائلات لا يفصلهم عن بعضهم إلا قطع من القماش لعلها تعطيهم بعض من الخصوصية بحسب ما شاهده مراسل دنيا الوطن.     

الموت والتشرد والعذاب والدمار هو عنوان هذه المرحلة في قطاع غزة  وكأن الاحتلال الإسرائيلي ما زال يصر أن لا يمر جيل من الشعب الفلسطيني إلا و أن يريه مجزرة من مجازره التي ارتكبها عبر التاريخ,  لعله يعتقد أنه سوف يردعه أو يجزعه بها, لكنه نسي ما تعود عليه دائماً من الشعب الفلسطيني, نسي أقوى سلاح في البشرية لا يمتلكه إلا الفلسطينيين ألا وهو " الصمــــــــود". 

 فبعد هذا كله اعترف الاحتلال وبلسان مسؤول في وحدة "جولاني"  بجيش الاحتلال الإسرائيلي في مقابلة  مع موقع "روتر" الإسرائيلي, أن القتال الحاصل في قطاع غزة ضارٍ جدًا وأكثر شراسة مما حصل في حرب لبنان عام  2006, ففي تصدي المقاومة في حي الشجاعبة لوحدها في يوم واحد قتل 13 جندي إسرائيلي وعشرات الإصابات من لواء النخبة "جولاني" بالإضافة إلى أسر الجندي  شاؤول آرون. 


























التعليقات