القضية الفلسطينية بين الضرورة والتيه – رؤية منهجية

القضية الفلسطينية بين الضرورة والتيه – رؤية منهجية
 بقلم : سفيان المغربي

بدايةً أود التأكيد بأنّ الطرح المقدم لاحقا  ، لا يعبر عن وجهة نظر !! كما أنّه ليس ببدعة . وإنّما أزعم ، وبكل تواضع ، بأنّه قراءة منهجية تخضع لمبدأ النسبية الموضوعية (التي تعني بأن عملية التراكم لمعارف جديدة تكشف عن جوانب إضافية للواقع موضوع البحث ، وهذا الذي يفتح المجال أمام التعديل أو التطوير في الخطط أو المشاريع المستقبلية أو الإستراتيجيات) . حقاً إنّ الأفكار المتضمّنة في الطرح الإستراتيجي منبثقة ومبنية أيضا على محددات قيمية ، إلا أنّ ذلك منطقي ، إذ أنّ موضوع الطرح يندرج بتكييفه العام تحت عنوان الظواهر الاجتماعية التي يتضافر على تكوينها عوامل عديدة متشعبة تندرج تحت إطار العاملان الاساسيان الروحي والمادي . أي أنّه وبالرغم من اعتقادنا بأنّ هذه الظواهر خاضعة لمبدأ السببية ، إلا أنّ نظرية العامل الواحد عاجزة عن تفسيرها . وهذا ما يزيد من صعوبة وتعقيد البحث فيها . ومن باب أولى عندما يتعلق موضوع البحث ليس بالماضي فقط ، وإنما برؤية أو خطط أو مشاريع مستقبلية ، كما هو موضوع الطرح . وعليه فلا بد من التكرار والتأكيد بأنّ الطرح ليس قطعيا بالمعنى الدوغماطيقي . وبذلك فإنّ المجال مفتوح والباب مشرّع للتفنيد أو التعديل ، ولكن بناءً على مبدأ النسبية الموضوعية . لا على أساس مبدأ النسبية الذاتية الذي من خلاله تصبح كافة الطروحات عبارة عن وجهات نظر تتساوى به الحجج العقلية مع الهوى لتعود الأمور تدور في ذات الدائرة المغلقة المشبعة بالضباب . بكلمة أخرى ما نأمله ونرجوه ليس المدح أو القدح وإنما الحوار بناءً على عقلية نقدية.

     أصبح واضحاً لدى الجميع بأّنّ القضية الفلسطينية تمر بمرحلة خطرة . بل إنّ الأغلب يؤكدون بأنّ الاستمرار الزماني بما يشتمل عليه من أحداث متعاقبة ، وما يترتب على هذه الأحداث من وقائع عملية ملموسة يزيدها خطورة وتعقيداً وتراجعاً يوماً بعد يوم . ولتأكيد ذلك يساق ويكرر جملة من المعطيات والوقائع التي تعزز ذلك – القدس التي يهجّر مواطنوها ويتسارع بها التهويد ، الأقصى الذي يتعرض لحملة شرسة للسيطرة عليه أو تجزئته ، ألمقدسات الإسلامية والمسيحية التي تتعرض للتهديد والتدنيس بوتيرة متصاعدة ، الاستيطان المتزايد الذي يقطّع أوصال الضفة الغربية ، قطاع غزة المحاصر الذي أصبح سجناً كبيراً ، الاغتيالات والأسرى ، حياة المواطن الفلسطيني التي تزداد ضيقا وشظفا ، الوضع العام للاجئين الفلسطينيين في الداخل والخارج اللذين يمرون بمرحلة سحق وتفتيت وتكرار للجوء  ويتعرضون للقمع والتهميش على كافة المستويات ، ألنسيج الاجتماعي والروح النضالية اللذان يتعرضان لاهتزازات. كل ذلك شكل ويشكل الأرضية الخصبة لإطلاق الأحكام أو الإتهامات التي تشتمل على نوع  من  تبرير الذات أو الإدانة  أو تحميل المسؤولية لأسباب هذا التراجع  كاتفاقية أوسلو أو المفاوضات أو الانقسام أو الوضع العربي الذي يوصف بالمتردي أو لجميعها وغيرها . في ذات الوقت نشهد من حين لآخر بعض الخطابات الثورية الإنشائية من جانب ، ومن جانب اّخر بعض الخطابات "الواقعية" المستغرقة في " الواقعية" التي لديها  الإستعداد الكامل لإنكار الواقع إذا ما تعارض هذا الواقع  مع "واقعيتها" ، في بعض المهرجانات  أو المقابلات التلفزيونية.

    ولكي يكتمل المشهد الذي يعبّر عن التيه والحيرة والإحباط ، وعن عدم وجود رؤية منهجية لعملية إدارة حالة الصراع  - وهذا يظهر جليا عند التعرض لأزمات خانقة – نجد ثمة حلا / ردا سهلا ، سريعا وسحريا متمثلا "بحل السلطة" تلويحا أو تصميما . والمدهش أنّ هذا الحل / الرد يصدر عن اتجاهات مؤيدة ومعارضة للتسوية على حد سواء .

  حقاً نسمع أحيانا حديثاً له صلة أو داعيا لإستراتيجية وطنية وبرنامج سياسي . بيد أن هذا الأمر يبقى في إطار التعميم الهلامي للاستخدام الإنشائي للمصطلحات دون طرح لمحددات ومضمون هذه الإستراتيجية إذ أنه عندما يتم التعامل مع إحدى التفاصيل المهمة المتعلقة بالقضية الفلسطينية ، نجد أنّ المنظار الذي من خلاله يراد التعامل مع هذا التفصيل يتمركز ويتمحور حول التفصيل ذاته . وهذا خطأ إدراكي منهجي جوهري ,إحدى نتائجه الأركسة . إذ أنّ حل مشكلة التفصيل من خلال التفصيل ذاته ضرب من المحال . فلا غرو ، على سبيل المثال لا الحصر ، حين نعلم بأن الاتفاق على إنهاء حالة الانقسام (مع أهميته) لا يعدو عن كونه اتفاقا على كيفية إدارة حالة الانقسام . إذ أنّ المنظار التفصيلي للتفصيل أنتج اتفاقا على آليات تتعلق بتوقيت وكيفية تشكيل حكومة وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ، وعلى البحث عن آليات مناسبة فيما يتعلق بمنظمة التحرير . بكلمة أخرى ، إنّ هذا الاتفاق لم ينتج كتفصيل ضمن إطار رؤية إستراتيجية وطنية شاملة للقضية الفلسطينية . وعليه سيكون هذا الاتفاق محكوم عليه بالفشل إذا لم يتم استدراكه .

   إنّ الرؤية المنهجية المتعلقة بالقضية الفلسطينية تقتضي تحديد وتعريف المحددات التي بناءً عليها يتم تحديد وصياغة الإستراتيجية الوطنية ، وبالتالي إقراراً  لبرنامج سياسي متغيّر حسب المتغيرات  التفصيلية الجزئية المحدثة ، والمستمد من الإستراتيجية التي لها ثبات نسبي بعيد المدى.

وهذه المحددات هي :

 1 جوهر القضية الفلسطينية ، المتمثل بعملية إبادة (قتل أو تهجير) لشعب واقتلاعه من أرضه ، وإحلال جماعات عضوية وظيفية منبوذة (فقدت وظيفتها في دولها) مكانه . وهذه العملية تمت نتيجة قرار ورعاية قوى دولية غربية إستكبارية إمبريالية في محاولة للتخلص من الضار وتحويله إلى نافع وإعادة الدور الوظيفي لتلك الجماعات من خلال دولة وظيفية (علاوة على بعض العوامل الأخرى ومن ضمنها العقائدي والأيدلوجي) ، في وقت كان به العرب يمرون بمرحلة ضعف وانحطاط . وبذلك فان استمرار هذا الحال يعبر عن استمرار حالة الانحطاط الحضاري للأمة العربية .كما أنّه يشكل من جانب آخر الحافز الأساس لعملية النهضة العربية الإسلامية  بوصفه (جوهر القضية الفلسطيني) القضية المركزية في المشروع العربي الإسلامي التحرري . وبذلك فان عملية التحرير لا تهدف فقط لتحرير الشعب الفلسطيني ، بل الأمة العربية . وكذلك أيضا تحريرا للجماعات اليهودية المستعبدة من خلال كونها جماعات وظيفية في دولة وظيفية .

2 -  قراءة موضوعية للواقع المحلي ، الإقليمي والدولي . من خلالها يتم تحديد نقاط القوة والضعف لدى طرفي الصراع المباشرين (فلسطين ، إسرائيل). ويتم تشخيص التحولات الإستراتيجية في موازين القوى الإقليمية والدولية. ويتم تحديد معيار قوة أو ضعف العلاقات مع هذه القوى بناءً على مدى اقترابها وابتعادها وموقفها من القضية الفلسطينية ومن المشروع الوطني التحرري .

3 – قراءة تخصصية للقانون الدولي وللمؤسسات والهيئات والمعاهدات والمحاكم الدولية.

4 -  الالتزام والانضباط بعدم العمل ولا بأي شكل من الأشكال ضد القضايا الرئيسة أو الفرعية التي تشكل أركانا أو خطوطا فعالة في مشروع النهضة العربية الإسلامية.

5 – إرادة المقاومة ، وهي بالأساس موقف وخيار أخلاقي وإنساني ، وتعني عدم الرضوخ للظلم والاضطهاد ، وبذل كافة الجهود والتضحيات (أعلاها التضحية بالنفس) من أجل التغيّر للأفضل . ومن خلالها تتجلى الروح الإنسانية المعبرة عن المحبة والكرامة الشخصية والجمعية.

6 – الرؤية المبكرة للاحتمالات التي من المتوقع أن تنتج عن تبني وتطبيق الإستراتيجية الوطنية المقترحة . والاستعداد للتعامل مع أي احتمال.

   إن الأفكار العملية الرئيسة (التي يتفرع عنها مقتضياتها  وتفاصيلها اللازمة ) الناتجة عن عملية إعمال العقل بهذه المحددات بشقيها القيمي والواقعي ، والتي بمجموعها تشكل الإستراتيجية الوطنية تتمثل بالتالي :

1 – إن مطالب الحد الأدنى (دولة مستقلة ذات سيادة كاملة على كمال الأراضي التي احتلت عام 67 ، عودة اللاجئين إلى أرضهم التي هجروا منها وتعويضهم ، القدس عاصمة الدولة الفلسطينية وتحت سيادتها الكاملة ، تحرير كافة الأسرى وما يتبع ذلك من تفاصيل . بالإضافة إلى حقوق الدولة الفلسطينية والشعب الفلسطيني في حقول النفط والغاز المكتشفة على طول الساحل الفلسطيني المحتل عام 48 ) تشكل بالضرورة نقطة التقاطع (الالتقاء) بين المؤيدين للتسوية على أساس هذه المطالب والمعارضين لها . وعليه فإنّ الافتراق والتباعد والتناقض قبل تحقيق هذه المطالب يعبر عن فشل إدراكي/عقلي/منهجي وإداري . أما الاختلاف وعدم الاعتراف بمقتضيات هذه التسوية من قبل بعض الفصائل أو الأفراد ، فعلاوة عن انّه حق فإنّه يشكل ضرورة لازمة لتحقيق هذه التسوية وليس العكس . إذ أنّ الافتراق يتم (إذا تحققت شروطه) بعد التقاطع وليس قبله.

2 – إنضمام كافة حركات وفصائل التحرر الوطني الفلسطيني إلى منظمة التحرير المتبنية لهذه الرؤية من أجل تحقيق هذه المطالب . وتكون القيادة الجماعية هي المبدأ الأساس المسيّر للعمل الوطني الفلسطيني.

3 – إعداد العدة وتجهيز القوة من قبل جميع حركات التحرر الفلسطيني ، ورفع مستوى الروح النضالية استعداداً لاستئناف حرب التحرير الشعبية ( الكفاح المسلح) كأسلوب أساس لتحقيق هذه المطالب . وهذا لا يعني ولا بأي شكل من الأشكال التعرض للآمنين غير المحاربين.

4 – فصل السلطة عن منظمة التحرير الفلسطينية ، مع بقاء السلطة خاضعة خضوعاً كاملاً  للمنظمة من خلال هيئة رقابة . وهذا الفصل ضروري ويهدف بشكل أساس لتحرير م.ت.ف  من تناقضات السلطة والثورة ، ومن أعباء تسيير الحياة العامة للمواطن الفلسطيني وتفرغها لعملية التحرير من جانب ، ومن جانب آخر يعفي الحكومة الفلسطينية من المسؤولية عن أعمال م.ت.ف وتتفرغ لرعاية وإدارة وتقوية صمود الشعب الفلسطيني الموجود تحت سلطتها بحيث تكون الهيئة العليا المحافظة على البيئة الحاضنة  للمقاومة التي تقودها م.ت.ف ، ويمنعها من تحولها إلى طبقة كومبرادور . وهذا الفصل والخضوع يقتضي التالي:

   أ.عدم ترشح أي فصيل فلسطيني للانتخابات الرئاسية أو التشريعية . الرئاسة والحكومة الفلسطينية تعترف بالتبعيات والمقتضيات القانونية الدولية للتسوية (مطالب الحد الأدنى).

 ب. الرئيس المنتخب يصبح تلقائياً عضواً في منظمة التحرير ، ويخضع لها ويحظر عليه ترأسها . ول م.ت.ف الحق بعزله.

 ج. وظائف الرئيس الأساسية هي تكليف رئيساً للحكومة بتشكيل حكومة ، الإشراف مع هيئة رقابة معينة من قبل م.ت.ف علي عمل الحكومة ، تمثيل الدولة الفلسطينية القابعة تحت الاحتلال لدى كافة المؤسسات والهيئات الدولية ، التوقيع على المعاهدات الدولية ، رفع الدعاوي والشكاوي لدى الهيئات والمؤسسات والمحاكم الدولية المختصة ، الاشتراك مع م.ت.ف في تعيين السلك الدبلوماسي والإشراف عليه.

 د.ليس فقط يحظر على الحكومة الفلسطينية وأجهزتها التنسيق الأمني مع الاحتلال ، بل يجب حل كافة الأجهزة الأمنية والعسكرية ودمجها في إطار العمل الشرطي الخاضع لوزارة الداخلية . ويحظر على كافة عناصر الشرطة الاشتراك بالأعمال العسكرية ضد الاحتلال.

ها – إنّ الترشح لمنصب الرئاسة ، ولعضوية المجلس التشريعي ، للكتل أو الأفراد مشروط بموافقة ومصادقة منظمة التحرير.

و – إلغاء القوانين التي تسمح لأعضاء المجلس التشريعي أن يكونوا أعضاء في المجلس الوطني (الهيئة التمثيلية والتشريعية العليا لكافة أبناء الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده) أو أعضاء في أي مؤسسة من مؤسسات م.ت.ف .

أن هذه المقتضيات بحاجة لتفصيل  وصياغة قانونية للقوانين والمسوغات القانونية التي تضبط هذه العلاقات التي تربط بين المجلس الوطني /م.ت.ف/الرئاسة/المجلس التشريعي/الحكومة من قبل أهل الاختصاص.

5 – عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية . وعدم الانجرار وراء مواقف سياسية نتيجة لارتباطات تنظيمية أو فكرية أو لقراءات سياسية  أو جيوسياسية  واهمة أو غير مبدئية ، تفضي في نتائجها لأن تكون مناقضة للمشروع التحرري الفلسطيني ومفتتة للقوة ومتماهية مع السياسات الخارجية للدول الغربية الهادفة إلى إمعان السيطرة وتقسيم المقسم وإثارة النعرات والتناقضات والنزاعات العرقية أو الطائفية أو المذهبية أو الجهوية ، (كما حدث عندما أعلن "الجهاد" ضد سوريا في الوقت الذي لم يعلن فيه ، ولو من باب الإخراج المسرحي ، تجميد العلاقات مع إسرائيل) ويكون التدخل الوحيد هو الإصلاح والوساطة العلنية أو السرية وبموافقة الأطراف المتناقضة المعنية . مع الالتزام بمواقف سياسية وإعلامية واضحة وصريحة  فيما يخص القضايا المبدئية المتعلقة بالأمن القومي العربي حين تتعرض أي دولة عربية لعدوان خارجي أو لتمزيق وتقسيم طائفي أو مذهبي. أي الالتزام بالحياد الإيجابي.

6 – تعميق وتجذير العلاقة مع الدول والقوى الداعمة للمقاومة وخاصة مع سوريا وحزب الله والجمهورية الإسلامية في إيران.إذ أنّ العلاقات الإستراتيجية تبنى مع أصحاب المبادئ والشركاء في الدم.

7 – إنّ الإنحياز الغربي للكيان الصهيوني الغاصب والمعتدي (وهذا التوصيف للكيان ينطبق عليه أيضا حسب القرارات والقوانين الدولية) يفقدهم أهلية التفرد بدور الراعي لعملية التسوية.وعليه يجب العمل على إشراك روسيا والصين ودول إقليمية أخرى إشراكاً فعالاً في رعاية هذا المسار.

8- يجب أن تتم المفاوضات ضمن إطار وفد عربي موحد تكون فيه م.ت.ف (الممثل الوحيد والشرعي للشعب الفلسطيني) ركنا أساسيا فيه.وذلك عدا عن القوة المتمثلة في وحدة الموقف ، فإنّ ذلك من أجل أن تتحمل الدول العربية مسؤوليتها المباشرة تجاه القضية الفلسطينية.

      إنّ أسوأ ثلاثة احتمالات متوقعة  لتبني هذه الإستراتيجية هي :

1 – قيام دولة الاحتلال بإجتياح كامل للسلطة وحل جميع أجهزتها ومؤسساتها . وهذا الاحتمال كان وما زال يشكل خياراً تهدد به القيادات الفلسطينية إسرائيل وبه تضغط على "المجتمع الدولي" . وعليه فقيام إسرائيل بهذا العمل يحملها وحدها مسؤولية ذلك.ويعفي الفلسطينيين من تحمل عبء مسؤولية ذلك . بيد أنّ الأمر ليس بهذه البساطة إذ أنّ الوقائع التي ترتبت على عملية إنشاء السلطة لمدة عقدين من الزمان بلغت درجة من التعقيد جعلت به إسرائيل والفلسطينيين و"المجتمع الدولي" والدول العربية على حد سواء غير مستعدين لتحمل نتائجه التي قد تكون شبه كارثيه . وعليه فإنّ هذا الإحتمال غير مرجح .

2- قيام إسرائيل بمحاولات شتى لجعل السلطة عبارة عن شريحة كومبرادور . وأن توجد تناقضات بين السلطة و م.ت.ف .إلا أنّ الروح الوطنية الفلسطينية والوعي والانتماء والتأييد الشعبي لـ م.ت.ف والتحصينات التشريعية والقانونية كفيلة بإفشال ذلك.

3 – أن تقوم دولة الاحتلال بحصار السلطة الوطنية والتضييق على الشعب الفلسطيني وعرقلة أعمال ونشاطات الحكومة .في الوقت ذاته تقوم الدول الراعية لعملية التسوية والمنحازة لإسرائيل بقطع المساعدات والمعونات المالية والمادية المقدمة من قبلهم.بكلمة أخرى أن يقوموا بفرض حالة شبيهة بشكل أو آخر للحالة المفروضة على قطاع غزة.وهذا الاحتمال هو المرجح.إنّ هذا الاحتمال الافتراضي إذا ما تحول إلى معطى واقعي يشكل الركن الثاني (الركن الأول هو الإستراتيجية الوطنية) لصياغة البرنامج السياسي لفصائل وحركات التحرر الوطني الفلسطيني.

    إنّ الحوار الجديّ والنظرة النقدية المبنية على الفكر الثاقب وعلى المبادئ والمصالح العليا للشعب العربي الفلسطيني حول هذه الرؤية المنهجية والإستراتيجية الوطنية  وعلى عدم التحيز النفعي الشخصي أو الحزبي أو الجمود الفكري الإدراكي ,هو مسؤولية جماعية فلسطينية تقع بالأساس على عاتق قيادات فصائل وأحزاب وحركات التحرر الوطني الفلسطيني .بيد أنّ المسؤولية الكبرى تقع على كاهل حركة فتح .إذ أنّ الحركة شكلت فيما مضى العمود الفقري لمنظمة التحرير.وعندما ترهلت الحركة أصبحت منظمة التحرير أقرب إلى تابوت منها إلى منظمة جامعة تجمع فصائل العمل التحرري الوطني الفلسطيني . إنّ الانتقال من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة في البلاد التي تستقل استقلالاً حقيقياً يشكل تحدياً وجودياً ومرحلةً خطرةً في تاريخها تطبع الدولة المستقلة حديثاّ بطابع بنيويّ طويل المدى, – يتعذر التخلص منه  إلا بثورة - ( مثال ذلك الدول التي استقلت عن الدول الإمبريالية بعد ثورة,وبقيت محتلة وتابعة من النواحي السياسية والاقتصادية والفكرية والثقافية والحضارية) فكيف بثورة انتقلت إلى سلطة تقبع تحت الاحتلال المباشر؟!! إنّ التوجه العام للسلطة الفلسطينية طيلة عقدين والمتمثل بعملية الصهر والتذويب للمؤسسات والأجهزة والكوادر الحركية ضمن إطار السلطة وربط المصالح والاحتياجات العامة والخاصة للمؤسسات والأفراد بمقتضيات المتطلبات التي كبلت بها السلطة من قبل دولة الاحتلال والدول المؤثرة عالمياً والمتحيزة لهذا الاحتلال أضعف الحركة ويوشك الإجهاز على الروح الثورية للحركة ودورها الفاعل كحركة تحرر وطنيّ إنّ المسؤولية الكبرى ملقاة على الحركة لإنقاذ القضية الفلسطينية من المرحلة الخطرة التي تهدد بنيتها. وهذا لا يتم إلا من خلال الإستراتيجية الوطنية التي تجمع شمل كوادر الحركة وأعضائها ، وتجمع شمل الفصائل الفلسطينية على برنامج سياسي كفاحي وطني وواقعي . إنّ المسؤولية التاريخية لهذه المرحلة الحرجة والخطرة ملقاة بشكل أساس على سيادة الرئيس الفلسطيني محمود عباس لأنه قادر (بما يمثله من مناصب عليا : رئيس دولة فلسطين ، رئيس م.ت.ف ، ورئيس حركة فتح) بالتعاون الفعال مع باقي الفصائل على بدء الحوار حول الإستراتيجية الوطنية ,وعلى الانتقال التدريجي  الآمن نحو البدء في تدعيم الإرهاصات الأولى لتطبيق الإستراتيجية الوطنية . إذ أنّ الوقت والظروف ملائمة جداً لذلك.

   إنّ فشل المفاوضات في تحقيق الحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية ، لا تكمن في المفاوضات بحد ذاتها ، ومسؤولية الفشل لا تقع على من دعم هذا المسار وفاوض فقط.بل إنّها مسؤولية جماعية يتشاطرها جميع فصائل الحركة الوطنية والدول العربية . إذ أنّ المحصلة النهائية لمجموع القوى بأعمالها لم تشكل نقطة حسم تراكمي نحو تحقيق هذه المطالب التي هي جزء صغير من الحقوق الأساسية. كما أنّها ليست بسبب الخلل في موازين القوى . إذ أنّ تحقيق بعض الأهداف القابلة للتحقيق بناءً على المعطيات الذاتية والمحلية والإقليمية والدولية لا تتطلب التساوي أو التفوق في ميزان القوى كلاسيكيا . وتجربة حزب الله الرائدة دليل على ذلك . بل السبب يكمن في عدم وجود إرادة سياسية وفي عدم وجود رؤية إستراتيجية توحد وتمركز العمل بدلا عن التشتيت للجهود والتضارب في الأعمال . ولكن بالتأكيد فإنّ الإصرار على الاستمرار في نهج ثبت خطؤه وفشله مراراً وتكراراً وتطويع الشعب والأمة عليه ، في الوقت الذي يكسب  العدو به الوقت من خلال فرض وقائع عملية ومادية وسياسية ملموسة لصالحة ، ويزداد التآكل والضعف في صفوفنا ، يعبر عن تعمد الاستمرار في دائرة الفشل.

هذه الرؤية صادرة عن : "مركز الفكر-العملي للنهضة العربية الإسلامية للدراسات"
   
   [email protected]

التعليقات