ما يلي وقف إطلاق النار المفترض

ما يلي وقف إطلاق النار المفترض
نبيل عمرو
التطورات الميدانية، التي تتسارع على أرض غزة، منذ بدء الحملة العسكرية البرية، تتخذ شكلا فيه قدر كبير من الغموض، وليس سوى صناع القرار في إسرائيل، من يعرف ولو وفق الخطط إلى أين ستصل هذه الحملة.ومن يتابع الجدل داخل إسرائيل، على صعيد القوى السياسية، بما في ذلك جدل الجنرالات ممن هم خارج الخدمة، حول مدى الحملة البرية، يلمس ببساطة أن كل يوم يأتي يحمل غموضا إضافيا، وكل خسارة إسرائيلية ذات مغزى، تحرض على مزيد من العسكرة على حساب التحركات السياسية.
وفي هذه الحرب التي تتم داخل شبكة متداخلة ومتعارضة من الاعتبارات والأجندات، بدأت ورغم غموض مآلها الميداني، تثير تساؤلات حول احتمالات اليوم التالي لتوقفها، سواء تم ذلك خلال أيام أو أسابيع أو شهور.
هنالك تحليلات ذات مصداقية، بحكم مكانة أصحابها في صناعة الرأي العام في إسرائيل، تشكل تيارا لافتا.. وخلاصة هذه التحليلات، استبدال الحرب العسكرية على غزة، بكل متطلباتها شديدة القسوة، بترتيبات مناقضة تماما لمنطق الحرب، خلاصة هذه التحليلات هو أنه ونظرا لاستحالة اقتلاع الخطر الغزي من جذوره بمجرد حملات عسكرية يظن أنها نجحت، بينما هي في واقع الأمر، تراكم عوامل انفجار جديد، فلا مناص والحالة هذه من تجربة السيناريو الآخر، وهو استبدال البنية التحتية العسكرية في غزة، بعملية تنمية شاملة ومستدامة، بما في ذلك السماح بإقامة ميناء وفتح المعابر جميعا وتأمين انتقال الغزيين بصورة سهلة ومريحة داخل غزة وخارجها، ويفسر أصحاب هذا المنطق الهدف من ذلك وهو إيجاد حقائق ومزايا تجعل الغزيين يخافون عليها ويعملون كل ما بوسعهم للحفاظ عليها وتطويرها، ويرى أصحاب هذه النظرية، أن نزع ما يصفونه بذرائع القتال والمقاومة، ومراكمة ترسانة صواريخ تحت الأرض، سيؤدي إلى إيجاد أمر واقع أفضل لإسرائيل من الانزلاق إلى حروب لا نهاية لها في الجرف الغزي العميق، هذا رأي من يمكن تسميتهم بالعقلاء، وهو رأي يلتقي مع توجهات كثيرين على الصعيد الإقليمي والدولي، التي رأت في حرب غزة الراهنة، ليس مجرد رد فعل عسكري على تصعيد فلسطيني في الضفة وغزة، بقدر ما هو انفجار لتراكمات طويلة الأمد، ومخلفات لحروب لم تبلغ خلاصاتها عند الطرفين، غير أن منطق استبدال الترسانة الحربية الغزية، بترتيبات تنموية واسعة النطاق، لن تكون بمثابة الحل الجذري لمكامن الانفجار، إلا إذ ما عززت بتسوية سياسية للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.
وهذه الحقيقة فيما يبدو، أصبحت الخلاصة المنطقية، التي ينشدها العالم من أجل توفير استقرار راسخ، لا تندلع فيه الحروب بصورة موسمية أو دورية.
إن الحرب الحالية الآن في غزة، وما يحيط بها من مواقف وسياسات واستثمارات، ونظرا للصعوبات الإسرائيلية التي نشأت خلال هذه الحرب، والأثمان المادية والمعنوية الباهظة التي اضطرت جميع الأطراف لدفعها، ستظل مجرد مأساة جديدة من سلسلة المآسي التي لم تتوقف على مدى ثلاثة أرباع القرن، ولا يجعلها ذات مغزى كبير وعميق، إلا إذا أسفرت عن جهد دولي فعال لإنجاز حل سياسي يقبل به الفلسطينيون ويقتنعون به.

التعليقات