أو تسألونني عن الحرب!!!

أو تسألونني عن الحرب!!!
ناريمان شقورة

أوَ تسألونني عن الحرب
عشتُ فرأيت الناس تمشي في جنازاتِهم، رأيت رجلاً يمشي على قدمٍ ليدفن القدم الأخرى ويقرأ عليها الفاتحة، وربما يزورها في المستقبل ليضع عليها الزهور، عشتُ فرأيت الطفل يستيقظ من نومه فينادي: أمي، أبي، محمد، محمود، لياس،انطون، عائشة، مريم، فيجيبه الجيران لا تبكي فالله اختار لهم الأفضل.
عشتُ فرأيت تلك الجميلة التي تحدت وحاربت كل المجتمع الذي أراد أن يزوجها ابن عمها، تغرق في دموعها وهي تودع حبيبها الذي تزوجته بعد عناء وشقاء، لتصبح أرملة فلان.
رأيتُ صغاراً ملوا انتظار الموت في البيت، فخرجوا ليلهوا قليلا على شاطئ البحر، فأبى القتل إلا أن يلاحقهم ليعودوا جثثاً لم تغرق في البحر، بل في الدماء.
رأيتُ المجموعات تنزح من بيوتها إلى مدارس وكالة الغوث ربما لتحمي أرواحها وأجسادها من آلة الحرب فما يلبث أن يجدوا مقاعد في بعض الصفوف الممتلئة بالنازحين مثلهم، فيسمعوا أن بيوتهم التي غادروها تحولت إلى ركامٍ وأنقاض.
رأيت أماً تبكي بحرقة وتصرخ حسبي الله ونعم الوكيل، حسبي الله ونعم الوكيل...لماذا لم تغتالوني بدلاً من أحمد وعلاء وحسن ونور!!! لماذا لم تفتتوا بطني التي حملت في كل منهم تسعة أشهر، فخفق فؤادي، وابتسمت شفاهي قبل أن يصرخوا صرخة الحياة!!!!
عشتُ فرأيت الأكبادَ هنا وهناك والقلوب بين الأرض وبين السقف، فظننتُ أنني في ملحمة أو سوق اللحم، فإذ بها أشلاء جعلت آلة الحرب من أصحابها مجهولين!!!
عشتُ وشاهدتُ الناس يتساءلون هل القصف في منطقتنا أم المنطقة المجاورة لأن آلة الحرب جُنّ جنونها فلم تعد تتوقف ففقدوا التمييز لأن الضرب من كل الاتجاهات.
عشتُ وشاهدت أزواجاً انتظروا أطفالهم لسنوات وسنوات وبعد سلسلة علاج زرعوا طفلاً فحصدوا شهيداً دماغه تطاير فتناثر، عيناه في المطبخ وأسنانه مفرقة تحت بقايا الأثات.
عشتُ فرأيتُ رجلا يبكي ويقول:" غادرتني قبل أن ترى لعبتك التي اقترضتُ ثمنها من صديقي لاشتريها لك، هل أدفنها معك فتلعب بها في جنة الله، فهناك الحدائق الواسعة الجميلة، بدلاً من حوش دارنا، أم أضعها في سريرك وأعتني بها، ربما يريحك هذا!!!!
عشتُ فرأيت ثلاجات الموتى تكتظ وتصرخ لا مكان لأي جديد، لا مكان لأي شهيد، عشتُ فرأيت الماراثون نحو الموت والشهادة، عشتُ فرأيت موسوعة جينس امتلأت بالعدّائين الفائزين بالمرتبة الأولى، فلا كأس فوز يمنح لمئات، فكان كأس الشهادة.
عشتُ ورأيت مائدة رمضان مائدةً ملونة ًبالأحمر لكنه ليس الخروب ولا الكاركادي ولا التمر الهندي إنه دماء أهل البيت.
عشتُ ورأيت الآاااه محتارةٌ في أمرها هل هي لمفارقة حبيب!! أم لركام المنزل الذي بني بشقاء ليكون الحلم المحقق المغتال!! أم خوفاً من الآت!! أم ألما على من ظلوا بعد رحيل ذويهم!!!!
عشتُ فرأيت الناس أفواجاً إلى الدار الآخرة، عشتُ ورأيت مقاتلين ينتظرون العدوَ بباسلة لكن آلتهم الحربية أقوى فهي مدعومة بالطيران الحربي فتسرق أرواحهم وتظل أسلحتهم.
عشت ورأيتُ أمطار الصيف صواريخ وقنابل وغازات سامة فكانت الجثث والأشلاء والشظايا.
عشتُ ورأيت الأمهات يقدمن الحلوى احتفالاً بشهادات أبنائهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

أو تسألونني عن الحروب!!!!

التعليقات