اسرائيل والانهيار الأخلاقي المتتالي

اسرائيل والانهيار الأخلاقي المتتالي
علي بدوان

عززت الأحداث الأخيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة من صورة الفاشية الإسرائيلية، ومن سقوطها الأخلاقي، ومن صورة المجتمع الإسرائيلي على إمتداد أرض فلسطين التاريخية، وهو المجتمع المُشبع بروحية النزعات النازية، والسلوك الفاشي ضد عموم المواطنين الفلسطينيين، أصحاب الأرض الأصليين، مجتمع بات مُتخماً بروح الغطرسة، ومؤمناً حتى النخاع بمنطق القوة وحدها لا غيرها في عصر «السوبرمان» الأميركي.

وجائت حادثة إغتيال الفتى المقدسي الفلسطيني، محمد أبو خضير، حرقاً بالنار وهو حي، لتُجسد تلك الحادثة أزمات إجتماعية وأخلاقية عميقة داخل إسرائيل، ولتنقل للعالم بأسره صورتها الحقيقية، وهو ما أشار اليه الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، الذي أطلق تصريحاتٍ علنية ومباشرة خلال الأيام الماضية، إعتبر فيها «أن قطاع غزة فضح إسرائيل أمام العالم والمجتمع الدولي، وزاد من عزلتها».

وفي جريمة حرب جديدة أستشهد أربعة أطفال من عائلة واحدة جراء إستهدافهم من قبل الزوارق البحرية الإسرائيلية بالقرب من إستراحة الشراع على شاطئ بحر غزة، بينما كانوا يلهون ببراءة في المكان. الشهداء الأطفال هم: عاهد عاطف بكر (10 سنوات)، زكريا عاهد بكر (10 سنوات)، محمد رامز بكر (11 سنة)، إسماعيل محمد بكر (9 سنوات).

لقد ذهبت إسرائيل في وحشيتها هذه المرة الى إبادة عائلات كاملة، بالعشرات على شواطىء بحر غزة وداخل أحيائها المكتظة بالسكان، لمجرد رغبتها في التخلص من عضو في حركة «حماس» أو من أي من فصائل المقاومة، فهل هؤلاء الشهداء، الذين لم يخجل البعض من إعتبارهم مجرد قتلى، هم تعبير إنساني عن شعب فلسطين، وقضية فلسطين أم أنهم مجرد «إرهابيين» ينتمون الى حركة «حماس» أو «الجهاد الإسلامي» او سواهما من التنظيمات؟

لقد أثبتت الوقائع الراسخة خلال السنوات الأخيرة أن إرهاب الدولة العبرية إرهاب مُتجذر، وأن عنجهية القوة وغطرستها ما زالت هي السائدة في المنطق الإسرائيلي، وقد أمسى معها إرهاب المستوطنين ومجموعات الإستيطان مُتفشياً في المجتمع.

وهنا، حتى بطل مجزرة قانا التي راح ضحيتها العشرات من المدنيين اللبنانيين صيف العام 2006، الرئيس الإسرائيلي السابق، شيمون بيريز وفي تصريحاته الأخيرة في اليوم الثامن للعدوان على قطاع غزة وصف قصف قطاع غزة بالطائرات بأنه مُعضلة أخلاقية، لكنه بدا مبرراً ما وقع بقوله: «البدائل لدينا محدودة طالما إستمرت حركة حماس بإطلاق الصواريخ على الإسرائيليين». مضيفاً أن «الوضع في غزة أمر فظيع ومأسوي، ولا يمكن أن تبقى الأمور معلقة في الهواء».

إن أصوات اليمين الإسرائيلي بشقيه العلماني والتوراتي، وحتى أصوات الجزء الكبير مما يسمّى «اليسار الصهيوني» ترتفع وتنادي الآن حتى في ظل السقوط الأخلاقي المدوي لحكومة نتانياهو، لإلتقاط الفرصة والفتك بقطاع غزة، وتوسيع عمليات الإغتيال ضد القادة والكوادر السياسية والعسكرية وذات الشأن العام في قطاع غزة وحتى في الضفة الغربية. ولعل الموقف الأميركي الصامت يلعب دوراً في تصعيد الموقف الإسرائيلي إلى سياسة أكثر عنفاً ضد قطاع غزة وضد الفلسطينيين بشكلٍ عام.

إن المجتمع الاسرائيلي بات اليوم أكثر تطرفاً ويمينية من الماضي القريب، وأكثر إنحداراً أخلاقياً وقيمياً، بحيث أصبحت أجزاء كبيرة منه ترضى عن عملية بشعة كعملية قتل وحرق الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير، كما ترضى عن حزبٍ كحزب المستوطنين من اليهود الروس، الذي ينضح بفجاجة شعاراته وممارساته ومواقفه البالغة في التطرف من المسائل المطروحة في المنطقة وما يتعلق منها بالقضية الفلسطينية. فحزب الصهيوني المتطرف أفيغدور ليبرمان المسمّى حزب «اسرائيل بيتنا» بات اليوم حزباً فاشياً بامتياز، وذا عقلية وتفكير شموليين، في مجتمع يتحول من يوم الى يوم أكثر تمزقاً وتعدداً في جذوره القومية المتأتية من بقاع المعمورة الأربع.

حزب ليبرمان يمثل اليوم واجهة عنصرية ساطعة في سماء الدولة العبرية، فيما يتربع قائد هذا الحزب في الموقع الأكثر أهمية في صناعة القرار في اسرائيل كوزير للخارجية في حكومة ائتلافية يسيطر عليها تحالف قوى اليمين واليمين المتطرف بقيادة حزب «الليكود» الوريث الشرعي الوحيد لحزب «حيروت» الصهيوني الذي أسسه المتطرف فلاديمير جابتونسكي، وقد أنجب عتاة المتطرفين كمناحيم بيغن واسحق شامير الذي أطلق النار من مسدسه على الوسيط الدولي في فلسطين السويدي الكونت برنادوت فأرداه قتيلاً، قبيل الاعلان عن قيام دولة اسرائيل بفترة قصيرة.


قصارى القول، إن وقائع ما يجري بحق عامة الفلسطينيين في قطاع غزة من عمليات قتل وإبادة، ما كان لها أن تجري لولا الغطاء السياسي الذي تتلحف به حكومة نتانياهو على صعيد الصمت الأميركي العملي، وعلى صعيد تفشي ظاهرة السقوط الأخلاقي واالقيمي في المجتمع الإسرائيلي وعند صنّاع القرار في الدولة العبرية. وهنا فإن الفرصة مؤاتية أمام الجهات الفلسطينية الرسمية للإنضمام الى معاهدات المنظمات الدولية، ومنها إتفاقية لاهاي.
* كاتب فلسطيني

التعليقات