مركز الثقل في الهجوم على غزة

مركز الثقل في الهجوم على غزة
* موسى العدوان

بداية أترحم على الشهداء وأتمنى الشفاء للجرحى والنصر للمقاومين الأشاوس من أبناء غزة التاريخ ، الصامدون في وجه العدو الإسرائيلي بكل إباء وشموخ ، رغم ما يتعرضون له من مجازر بشرية وتدمير لمنازلهم وبنيتهم التحتية .

لا شك بأن المقاومة بشكل عام هي حق مشروع للشعوب ، التي ترزح تحت الضغوط والاحتلال الأجنبي ، لكي تحصل عل استقلالها وسيادتها الوطنية . وهذا الأسلوب تلجأ إليه الأمم الضعيفة لمقاومة عدو أقوى منها ينتهك حريتها وسيادتها . وقد تطور مفهوم المقاومة بعد الحرب العالمية الثانية وصدرت بها مواثيق دولية ، تلزم الدول الموقعة عليها باحترام " حق الشعوب في تقرير مصيرها " .

تختلف أساليب مقاومة الاحتلال من المقاومة السلمية إلى المقاومة المسلحة . فالمقاومة السلمية تشمل العصيان المدني والتوقف عن العمل وإحداث شلل اقتصادي في البلاد . والمثال على ذلك ما قام به غاندي ضد الاستعمار البريطاني للهند وانتهي باستقلال البلاد عام 1947 . وكذلك الإضراب الذي حدث في فلسطين عام 1936 ، ضد الانتداب البريطاني والهجرة اليهودية وامتد لستة أشهر متوالية .

أما المقاومة المسلحة فهي كالتي قامت بها الشعوب الأوروبية في الحرب العالمية الثانية ضد الاحتلال النازي . فعندما أشعل هتلر الحرب اعتقد بأنها ستحقق النصر خلال أسابيع ، ولم يتصور بأن حربه ستولد حركات مقاومة عنيفة ضد قواته المحتلة ، وتنزل بها خسائر فادحة خلف الخطوط الأمامية ، وتحقق عليه النصر بالتعاون مع قواتها النظامية . وكذلك المقاومة الجزائرية التي أدت إلى الاستقلال والتخلص من الاستعمار الفرنسي عام 1962 .

ومن المهم في عمليات المقاومة كما في الحروب التقليدية ، التركيز على مركز الثقل لدى العدو ، واستنباط الاساليب الملائمة للتعامل معه ، وإيقاع الخسائر به والتأثير على معنوياته . ومركز الثقل هو مصطلح عسكري يعتمده القادة العسكريون ، في التخطيط لعملياتهم الاستراتيجية والتكتيكية سواء كانت تعرضية او دفاعية .

وقد عرّف المنظّر العسكري البروسي كلاوزفتز قبل أكثر من مئتي عام مركز الثقل بقوله " أنه محور القوة والحركة الذي يعتمد عليه كل شيء ". وهذا يعني أنه العمود الفقري الذي ترتكز عليه جميع نشاطات العسكرية ، والذي يجب أن توجه نحوه كافة الطاقات المتوفرة . وبناء عليه فإن جميع المبادئ الموجهة للعمليات العسكرية وعمليات المقاومة ، تنطلق من قاعدة أساسية تتلخص بالسعي إلى " المحافظة على القوة الذاتية وتحطيم قوة العدو " .

وفي المواجهة المسلحة بين حركات المقاومة الفلسطينية في غزة والقوات الإسرائيلية ، فإن ميزان القوى العسكري يميل بشكل واضح إلى إسرائيل . وأن حركات المقاومة هي القوة الأضعف ماديا ، ويصعب عليها القيام بمواجهة مباشرة مع القوات الإسرائيلية النظامية ، التي تمتلك الدبابات والطائرات والأسلحة التكنولوجية المتقدمة . ولهذا عليها أن تلجأ إلى حرب العصابات باستخدام أسلوب " اضرب واهرب " لتشكل استنزافا وإنهاكا لقواته المعتدية ، وجره إلى مناطق التقتيل داخل المناطق المبنية في غزة .

إن مركز الثقل لقوات العدو في هذه المواجهة بين عدو قوي يمتلك التكنولوجيا والتسليح المتقدم ، ومقاومة لا تمتلك إلا الأسلحة الخفيفة والإيمان بعدالة قضيتها هو " الإنسان " . والإنسان في العقيدة القتالية الإسرائيلية والديانة اليهودية يحظى باهتمام كبير . وعليه يجب أن يتم التركيز على إيقاع أكبر الخسائر البشرية في القوات المعتدية ، ومحاولة احتجاز أكبر عدد ممكن من جنوده كأسرى للمساومة عليهم .

وفي هذا لصراع غير المتكافئ ، على رجال المقاومة اللجوء إلى التسلل واختراق مواقع العدو الأمامية ليلا مستفيدين من معرفتهم بطبيعة الأرض ، ومهاجمة النقاط المنعزلة في المنطقة الخلفية ، واستخدام الصيادين في مواقع حاكمة لاصطياد القادة وأطقم الأسلحة المهمة ، واستخدام اسلحة مقاومة الدروع قصيرة ومتوسطة المدى ضد دباباته وآلياته ، ونصب الكمائن الليلية ، وزرع الألغام في طرق مواصلاته وتحركاته . وعلى أطقم صواريخ القسام أن يطلقوا صواريخهم برشقات مكثفة من مواقع متعددة في آن واحد ، لكي تتجنب اعتراضها جميعا من قبل القبة الحديدية الإسرائيلية ، وإيقاع الخسائر المادية والرعب بين المواطنين الإسرائيليين .

إن احتجاز الجنود الإسرائيليين له أهمية كبيرة ، من أجل استخدامهم لاحقا في تحقيق مكاسب مادية وسياسية ومعنوية ، وكما حدث عند احتجاز الجندي الإسرائيلي شاليط قبل بضعة أعوام . والمثال آخر على ذلك هو ما حدث في حرب فيتنام في ستينات القرن الماضي . فعندما كان الفيتناميون الشماليون يأسرون الطيارين الأمريكان الذين تسقط طائراتهم على الأراضي الفيتنامية ، كانوا يرسلون رسائل إلى أهاليهم في الولايات المتحدة الأمريكية تقول : " لقد أسرنا أبنكم عندما جاء لا لتقديم الورد لأطفالنا ، بل جاء ليقصفهم بالقنابل " . وكان لهذا تأثير سيكولوجي بليغ على الشعب الأمريكي ، فقام بالتظاهر والضغط على حكومته مما ساعد في إنهاء الحرب على فيتنام . وهكذا يمكن أن يفعل المقاومون الفلسطينيون في حربهم النفسية على العدو .

لقد أثبتت حركات المقاومة في الحرب العالمية الثانية وما بعدها ، أن مقاومة المحتل ليست مهمة مستحيلة ، حتى وإن كان يمتلك قوة عسكرية كبيرة وأسلحة بتكنولوجيا متطورة . وأكدت بأن المقاومين الذين يقفون بصلابة ضد القوات المحتلة ولو بأسلحة متخلفة ، يستطيعون تحقيق النصر مهما بلغت قوة العدو وغطرسته .

التاريخ : 22 / 7 / 2014
* فريق ركن متقاعد

التعليقات