الذكري الثانية لوفاة عمر سليمان .. الحارس الأمين لمبارك : انقذه من 8 محاولات اغتيال

الذكري الثانية لوفاة عمر سليمان .. الحارس الأمين لمبارك : انقذه من 8 محاولات اغتيال
رام الله - دنيا الوطن
نشرت البشاير المصرية التقرير التالي :

دخل مبارك فترته الرئاسية الثالثة، وسط تصاعد للإرهاب، وأيضا تجمد اقتصادى وارتفاع الغضب الشعبى من البطالة والفقر وتردى الخدمات وتكرار الحوادث والكوارث، كان الدكتور عاطف صدقى، رئيس الوزراء، مثالا للتكنوقراط المطيع، الذى يلتزم بتعليمات الرئيس، وهى صفات كانت تريح مبارك، وكانت الأحوال الاقتصادية تزداد تراجعا، وحكومة الدكتور عاطف صدقى مستمرة، وكان وزير المالية محمد الرزاز قد اشتهر بأنه وزير مالية الجباية، وكان قد ابتكر ضرائب مختلفة ورسوما ضاعفت من الأعباء، بينما كانت نسبة النمو الاقتصادى متراجعة، بالرغم من مليارات دخلت البلاد ضمن تدفقات ما بعد حرب الخليج وتحرير الكويت.

فى عام 1993 دخل مبارك فترته الرئاسية الثالثة، جاءت وسط ارتفاع وتيرة العنف والعمليات الإرهابية من قبل الجماعة الإسلامية، وتقدم مبارك للاستفتاء وسط أجواء العنف المسيطرة على البلاد، وتصاعد العمليات الإرهابية التى تجاوزت اغتيال المسؤولين، وزرع قنابل وتفخيخ مقاه ومطاردة السياح الأجانب واستهدافهم. كانت وتيرة الإرهاب قد تزايدت بعد أن أعادت التنظيمات الإسلامية تشكيل نفسها من كوادر مدربة بدرجة احترافية عادت من أفغانستان، بعد خروج السوفيت من أفغانستان عام 1989. كانت الحرب قد أنتجت ظاهرة الأفغان العرب، فقد توافد على أفغانستان للجهاد ضد السوفيت آلاف الشباب من الدول العربية، وتأسست جماعات مختلفة، كانت تسعى للتنسيق فيما بينها، كما كانت تتداخل وتتقاطع مع أجهزة الاستخبارات الأمريكية والعربية، وأبرزها تنظيم القاعدة، الذى شارك فى الحرب ضد السوفيت، وبعد انتهاء الحرب الباردة، وجد تنظيم القاعدة والأفغان العرب أنفسهم بلا غطاء، انسحبت الولايات المتحدة من دعمهم، ونسيتهم أجهزة الاستخبارات.

وكانت هذه التنظيمات تحوز أسلحة متطورة، وتملأها نشوة الانتصار على واحدة من أكبر قوتين فى العالم، ولم تعترف بأنها كانت جزءا من لعبة النفوذ فى العالم، تصورت بالقصور الذاتى لنشوة الانتصار، أنها قادرة على هزيمة القوة الكبرى الثانية، وتحقيق حلم الدولة الإسلامية، ثم إن هذه الجماعات حصلت على دعم أنظمة عربية تصورت أنها تطهر نفسها بإعلان دعم الجهاد ضد السوفيت، بينما كانت تفعل ذلك ضمن خدمات فى الفلك الأمريكى الذى انسحب تاركا الأنظمة، فى مواجهة مواطنيها المسلحين، العائدين بانتصارهم يطلبون رقبة الأنظمة التى اكتشفوا أنها تتحالف مع طاغوت آخر.

وخلال 1993 جرت ثلاث محاولات اغتيال ضد وزير الإعلام، صفوت الشريف فى إبريل 1993، ووزير الداخلية اللواء حسن الألفى فى أغسطس 1993، ورئيس الوزراء عاطف صدقى فى ديسمبر من نفس العام، مع تصعيد محاولات الاغتيال الموجهة ضد مسؤولين كبار فى جهاز أمن الدولة، وكانت العمليات الانتحارية والموتوسيكلات المفخخة ظاهرة جديدة على مصر.

لم يفكر مبارك وهو يخوض حربه ضد الإرهاب فى إعادة النظر فى البنية السياسية الهشة، والفراغ الاجتماعى، كان يحذر من التهاون مع الإرهاب ويسعى لمواجهته، واستغل حالة المواجهة من المجتمع للإرهاب بشكل مصلحى، كان المصريون قد احتشدوا ضد الإرهاب، خاصة أن التفجيرات كانت تهدد الجميع، كما أن الإرهاب أضر بالسياحة، وأثر بشكل مباشر فى دخل ملايين الأسر، مبارك سعى إلى المثقفين والفنانين أثناء حربه ضد الإرهاب الذى مارسته الجماعات الإسلامية المسلحة، ولم يسع إلى أن تتحول المواجهة إلى طريقة عمل، وبدا راضيا عن تركيبة الحكم فى الحزب الوطنى أو الرئاسة، ولم يستمع إلى مطالب المعارضة بضرورة مواجهة الإرهاب بشكل جذرى من خلال بناء ديمقراطى حقيقى يضمن تداول السلطة وترك رئاسة الحزب الوطنى مع ضرورة إجراء تغييرات اقتصادية واجتماعية تخفض الاحتقان المجتمعى وتعالج البطالة والفقر الذى بدأ يتسع، بالرغم من التدفقات المالية التى حصلت عليها مصر بعد المشاركة فى حرب تحرير الكويت، بإسقاط الديون وزيادة المعونات والأموال من الخليج والتى قدرت بما يقرب من 100 مليار جنيه خلال سنوات.

اكتفى مبارك فى مواجهته مع الجماعات الإرهابية بالمواجهة الأمنية فقط، من دون أن يكون ذلك مصحوبا بمواجهة اجتماعية، تم ترك الجامعات تحت رحمة وسيطرة التنظيمات الدينية التى نمت من بطن تنظيم الجهاد، وكانت الجماعة تدمر الحفلات الفنية، وتمنع اختلاط الطلاب والطالبات، وتطورت سلطة الجماعات، وبدأت تظهر موجات العنف واجهتها الداخلية بعنف شرس أدى إلى اتساعها. كان تعامل النظام مع الجماعات الإسلامية مزيجا من التجاهل لأنشطتهم الاجتماعية والسياسية، واستخدام القوة بشكل عشوائى فى أحيان كثيرة.
وبعد اغتيال المحجوب ومحاولة اغتيال زكى بدر وحسن أبو باشا والنبوى إسماعيل، رفع وزير الداخلية عبدالحليم موسى، شعار الضرب فى سويداء القلب، جرت عمليات قتل أثناء المواجهات لعدد من قيادات الجماعة الإسلامية واعتقال آخرين، ثم ذهب عبدالحليم موسى بسبب حوار مع الجماعات الإسلامية إلى السجن، وتولى حسن الألفى وزارة الداخلية لتبقى المواجهة كما هى.

وجرت محاولات لاغتيال رئيس الوزراء عاطف صدقى عام 1993، بتفجير عن بعد، لكن الانفجار قتل الطفلة شيماء فى مدرسة بمصر الجديدة، ووقعت تفجيرات مثل وادى النيل فى ميدان التحرير أو تفجيرات غامضة فى شبرا وفى أماكن مختلفة بالصعيد والقاهرة.
استفزت العمليات الإرهابية المجتمع والكثير من النخبة التى دعت إلى ضرورة البحث عن مواجهة فكرية لأفكار الجماعة الإسلامية والجماعات المتطرفة، وبدأت محاولات لإحياء أفكار التنوير وتمت إعادة طباعة كتب محمد عبده وطه حسين وسلامة موسى وشبلى شميل، والأفكار التى افترض أنها أقامت التنوير فى مصر خلال بدايات القرن العشرين. وانضم الكثير من الكتاب والمثقفين والمفكرين إلى الحملة ضد الإرهاب والمجتمع الذى بدأ يشعر بخطر الإرهاب على الاقتصاد والسياحة.

كانت أمام مبارك فرصة ليجمع من حوله المصريين ويخاطبهم ويدعوهم للمشاركة السياسية والاجتماعية، لكنه تمسك بنظام سياسى كان باديا أنه أصيب بالتكاسل، فضلا على ما بدا من تراكمات وتحالفات المصالح، والحصول على أراضى الدولة والخصخصة والعمولات. مبارك استفاد من الدعم الشعبى لتقوية قبضته الأمنية من دون أن يوسع الآفاق السياسية والاجتماعية، أو يفتح الباب لنظام سياسى يسمح بالتعدد ويدعم الجماعات والأفكار الوسطية والمعتدلة التى يمكن لمشاركتها السياسية أن تقلل من حجم الاحتقان، وأتاحت موجات الإرهاب فرصة لنظام مبارك بما خلقته من التفاف حول الدولة، لكن هذا الالتفاف فى الحقيقة كان استمرارا للفرص الضائعة، وكان محظوظا كرئيس منذ تولى الحكم، حظى بفرص مختلفة لبناء نظام سياسى ديمقراطى وتعددى، إلا أنه وظف كل الإمكانات لتقوية سلطته، ودعم احتكار الحزب الوطنى وحصر الأحزاب فى زاوية ضيقة. ضاعت فرصة التدفقات المالية، وضاعت فرصة توظيف التنمية والأفكار الديمقراطية، أضاعها النظام فى ظل انشغاله بالتكتيك اليومى، وأضاع فرصة إيجاد استراتيجية لبناء نظام حقيقى، وليس نظاما قائما على الاستقرار الزائف، وعندما وقعت محاولة اغتيال مبارك، تم تحويلها إلى مبايعة جديدة. وأصبحت نقطة تحول ليست لصالح العودة للمجتمع لكن لمزيد من العزلة والانعزال.

ظهر يوم 26 يونيو 1995 وبعد وصول الرئيس حسنى مبارك والوفد المرافق له إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا لحضور مؤتمر القمة الأفريقية رقم «31»، تحرك موكب مبارك من المطار لمسافة حوالى 200 متر وأمام مقر السفارة الفلسطينية اعترضت سيارة جيب موكب مبارك، وقفز منها عدد من الرجال المسلحين، وانبطحوا أرضاً واستمروا فى إطلاق النار على سيارة مبارك من مدافع رشاشة، كانوا يحملونها، بينما كان هناك مسلحان آخران يقفان على سطح منزل مجاور ويطلقان الرصاص.

كانت أكبر وأخطر محاولات لاغتيال مبارك، وكانت تهدف إما إلى اختطاف مبارك أو اغتياله.

مبارك تلقى تقارير أمنية أكدت أن الأوضاع فى إثيوبيا ليست مطمئنة، فقرر الحضور واختصر الزيارة من 3 أيام إلى يوم واحد، على أن يتولى رئاسة الوفد المصرى بعد ذلك وزير الخارجية عمرو موسى، وقبل يوم من الزيارة، وبناء على نصيحة اللواء عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات، تم نقل «سيارة مصفحة ومعها سائق وميكانيكى وخبير مفرقعات» بطائرة حربية مصرية إلى مطار أديس أبابا قبل يوم من الزيارة، سيارة ليموزين مصفحة ضد الرصاص و«آر.بى.جى» وزجاج مضاد للرصاص وإطاراتها أيضا مضادة للرصاص.

كانت هناك تقارير أمنية واستخبارية مسبقة تتوقع حدوث شىء فى مؤتمر إثيوبيا، وذكر اللواء مهندس شفيق البنا، أحد معاونى مبارك ومسؤول قصر الرئاسة السابق: إن تفاصيل عملية الاغتيال وصلتنا قبلها بأسبوع، وتم طرح الموضوع على لجنة الأمن الخاصة بالرئاسة، وكانت اللجنة تضم علاء مبارك، وتم الانتهاء إلى سفر السيارة المصفحة المرسيدس، وكان المسموح لكل رئيس بحارسين، وتقرر إرسال 6 حراس، وزودناهم بالسلاح، كل واحد 5 طبنجات موزعة على جسمه، وتم نقل المعدات والسلاح والعساكر فى الطائرة «c 130»، وكان من المفترض أن يضعوا لنا 4 سيارات حراسة، لكننا فوجئنا بسيارة واحدة فقط، وتم استبدالها من قبل السفارة المصرية هناك، وانضم إلينا فرد أمن اسمه عبدالحميد كان من حراس وزير الخارجية، عمرو موسى، ويقول شفيق البنا: المشكلة أننا لم نستطع تحديد نقطة تنفيذ العملية، وتم فتح الرصاص على السيارة من بعد 5 أمتار، وقام الرئيس بالدوران للخلف، وكانت مهمة الحرس إخلاء الرئيس من موقع الحادث، وتبين أن كمين الاغتيال كان مكوناً من ثلاث نقاط وحدثت مشكلة بين أفراد الكمين الأوسط وضابط إثيوبى حاول إبعادهم عن الطريق، فاضطروا لقتله فسمع أفراد الكمينين الأول والأخير صوت الرصاص، فظنوا أن التنفيذ بدأ وتحركوا وهذا ما مكن أفراد حراسة الرئيس من إلقاء القبض على الجناة.

فشلت محاولة اغتياله فى أديس أبابا وعادت به الطائرة إلى القاهرة، حيث كانت فى انتظاره مجموعة من القيادات الرسمية والشعبية لتهنئته بالنجاة، وحكى مبارك بفخر كيف أنه شاهد الجناة وهم يحاولون اغتياله، وأنه أمر السائق «لف وارجع»، وأن يصعد بالسيارة فوق الرصيف ويستدير عائداً بها إلى المطار.

وحكى محاولات منع الحرس من اصطحاب الطبنجات الحديثة معهم، وأنهم هربوها ونجحوا فى قتل المعتدين، وبعد ذلك أعلنت «الجماعة الإسلامية» فى مصر مسؤوليتها عن الحادث، وقبضت السلطات الإثيوبية على بعض الجناة، واعترفوا بوجود علاقة بين جبهة الترابى والأفغان العرب، وأن عملية أديس أبابا شارك فيها 11 قيادياً من قيادات الجماعة الإسلامية‪،‬ قتل 5 هم: عبدالقدوس القاضى ومصطفى عبدالعزيز محمد، وشريف عبدالرحمن، وعبدالهادى مكاوى، ومحمد عبدالراضى. وهرب 3 من مسرح الحادث بعد فشل المحاولة على رأسهم مصطفى حمزة مسؤول مجلس شورى «الجماعة الإسلامية» ونائبه عزت ياسين، وكانت مسؤوليته الاستطلاع وجمع المعلومات عن وصول موكب حسنى مبارك، واستخراج جوازات سفر سودانية ويمنية استخدمها أفراد المجموعة. والهارب الثالث كان حسين أحمد شميط واستخدم جواز سفر سودانيا فى الهرب من أديس أبابا إلى السودان، بعد فشل العملية، وكان شميط هو المسؤول عن تسليم الأسلحة التى نقلت من الخرطوم إلى أديس أبابا فى حقائب دبلوماسية مليئة بمدافع الكلاشنكوف والذخيرة والقاذفات.

لا توجد إحصاءات نهائية بعدد محاولات الاغتيال التى تعرض لها حسنى مبارك، داخل مصر أو خارجها، وكان مبارك يفرض السرية على هذه المحاولات حتى لا يبدو نظامه مهتزا، باستثناء عملية أديس أبابا التى لم يكن ممكنا إخفاؤها أو التعتيم عليها، وتقدر بعض التقارير أن هناك أكثر من 8 محاولات لاغتيال حسنى مبارك، وأن كل المحاولات كانت تتم من التنظيمات الإسلامية المسلحة، باستثناء محاولة القذافى صبرى البنا الشهير بأبونضال، كانت تعتمد على زرع أحد أعضاء جماعة أبونضال ضمن أمن وفد ليبيا فى القمة الأفريقية بأديس أبابا 1995 على أن يكون مسلحاً، وهناك تنفذ عملية الاغتيال، لكن قبل تنفيذ العملية تم إلغاؤها فى آخر لحظة لتعذر التنفيذ وتلقى القذافى تحذيرات من مخابرات دول عربية.

وذكر تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية أن حسنى مبارك تعرض لسبع محاولات اغتيال قبل أديس أبابا، وأن تنظيم الجهاد خطط لثلاث منها، بينما خططت «الجماعة الإسلامية» مرتين، ومحاولة تم الكشف عنها خطط لها تنظيم «طلائع الفتح» المنبثق عن الجهاد. وإحدى المحاولات كشفها أحد المتعاونين مع مكتب التحقيقات الفيدرالى «إف.بى. آى» وهو أحد شهود الاتهام فى محاكمة الشيخ عمر عبدالرحمن.

وكانت أخطر محاولات اغتيال مبارك محاولة «سيدى برانى» التى أشرف على تنفيذها أحمد حسنى الذى كان يسمى «الدكتور» و«المهندس»، وهو من معسكر الجهاد فى أفغانستان، وتلقى تدريبه على أيدى الأمريكان، مع القاعدة، وتفاصيل هذه المحاولة أن أحمد حسنى جند ضابط احتياط مهندس، كان يعمل فى قاعدة سيدى برانى العسكرية التى كان مبارك يسافر إليها بعد فرض الحظر الجوى على ليبيا بعد إدانتها فى قضية طائرة لوكيربى، ويسافر من قاعدة سيدى برانى إلى طرابلس برا للقاء معمر القذافى، وخطط أحمد حسنى لاغتيال مبارك عن طريق تلغيم مدرج الإقلاع والهبوط، لتفجير طائرة مبارك، ونجح ضابط الاحتياط فى إدخال مجموعة أفراد بملابس طيارين إلى القاعدة لتلغيم المدرج.

لكن جهاز مباحث أمن الدولة توصل إلى معلومات قادت إلى ضابط الاحتياط «الطحاوى» فتم القبض عليه، وأنكر ثم اعترف. وأرشد عن متفجرات فى شقة بمرسى مطروح. وقالت بعض التقارير: إن محاولة الاغتيال فى سيدى برانى كشفت بالصدفة، عندما قبضت مباحث أمن الدولة على عناصر الجماعات الإسلامية فى المعصرة وحلوان بالقاهرة، وكشفت اعترافات المضبوطين بأنه تم زرع العبوات المتفجرة فى المطار واستراحة مبارك.

وبعد كشف الخطة والقبض على ضابط الاحتياط، تم تشكيل لجنة خاصة كان من بينها الفريق أحمد شفيق قائد القوات الجوية وقتها وعثر على أكثر من 500 كيلو جرام من مادة «تى.أن.تى» المتفجرة، وتم إخراج 23 قالباً متفجراً تم زرعها بالفعل فى المدرج.

وحملت القضية «رقم 2 لسنة 1994» ونظرتها محكمة عسكرية، أصدرت حكماً بالإعدام على 3 متهمين وبالسجن مدى الحياة على 3 آخرين.

وهناك محاولة اغتيال شهيرة حملت اسم «كوبرى الفردوس»، وتم ضبطها أواخر عام 1994 عندما تم اعتقال 30 من أعضاء «الجهاد»، وهم يشقون نفقاً بالقرب من طريق صلاح سالم، الذى كان موكب حسنى مبارك يسلكه عادة، وكانوا يعتزمون تفخيخ النفق وتفجير كوبرى الفردوس عند مرور الموكب، وخطط أعضاء التنظيم لاحتمالين، إذا كان موكب مبارك متجهاً إلى القلعة يفجرون الكوبرى، وإذا انحرف نحو مدينة البعوث تكون هناك سيارة ملغمة بـ100 كيلوجرام مواد ناسفة جاهزة للتفجير عن بعد، وإذا كان موكب مبارك عائداً من الاتجاه العكسى إلى مصر الجديدة، يتم تفجيره بسيارة ملغمة فى منطقة المقابر، لكن طبعا القبض على المتهمين أحبط العملية ومثلها محاولة خططت لها الجماعات لاغتيال مبارك فى ميدان رمسيس من كوبرى أكتوبر بسيارة ملغومة، لكن منفذها أبلغ قبل التنفيذ وقال إنه خاف من حجم الضحايا.

كل هذه المحاولات لاغتيال مبارك لم تحظ باهتمام مثل محاولة أديس أبابا التى تم التخطيط والإعداد لها فى سرية وبدقة بالغة، وكانت عملية دولية اشتركت فيها تنظيمات مختلفة.

وبعد محاولة اغتيال مبارك فى أديس أبابا 1995 ضاعف مبارك اهتمامه بأمنه الشخصى، من دون أن يهتم بتجديد نظامه وتحجج بمواجهة الإرهاب ليتجاهل الإصلاح السياسى، بينما الحديث عن الإصلاح الاقتصادى يتم برجل واحدة، ومن دون رقابة أو متابعة أو مراعاة لتأثيرات الخصخصة على البلاد والتركيبة الاجتماعية.

وكما ذكر اللواء أبو الوفا رشوان، سكرتير مبارك السابق وأحد أهم مرافقيه حتى 2010 أنه وقف ذات مرة خلف زجاج مكتبه بقصر الاتحادية وشاهد عمارة شاهقة ثم نادى أبو الوفا رشوان سكرتيره وسأله «بتاعة مين العمارة دى؟ دا ممكن يضربنى بآر بى جى وهو فى سريره وأنا فى المكتب، وخلال ساعتين كان أمام مبارك بيان بكل سكان العمارة وجميعهم من ضباط الجيش، وأصدر تعليماته بإغلاق الأدوار فوق الطابق السادس، ويقول رشوان، إن مبارك كانت عينه دائما على حراسه خلال أى مؤتمرات، ويتابع مدى التزامهم بقواعد تأمينه، وبعد حادث أديس أبابا منعت سكرتارية مبارك وضع أى لمبات إضاءة فى مقدمة الصف الذى يجلس به، خلال أى مؤتمر أو احتفال، حتى يتمكن من متابعة أى شخص يتحرك أمامه، وكان ثلث الموجودين فى أى مؤتمر أو اجتماع جماهيرى من الحرس الجمهورى فى الزى المدنى، وانتهت عادة مبارك فى مصافحة من يحضرون اجتماعاته، وبدأ يقلل من مصافحة الحضور، بدا واضحا أن محاولة الاغتيال فى أديس أبابا مثلت نقطة تحول وجدها المحيطون به فرصة لإقفال الدائرة تماماً عليه وتحديد دخوله وخروجه الاجتماعات التى يحضرها من باب جانبى لا يمر فيه على الحاضرين فى القاعة، بعد أن كان موكبه يمر وسط الجماهير ويلوح لهم من سيارته.

وقد تم تغيير جميع حراس مبارك الشخصيين مرتين الأولى بعد محاولة الاغتيال تلك، والثانية بعد محاولة الاغتيال فى بورسعيد، فبعد حادث أديس أبابا تم تكريم حرسه الشخصى بقيادة محسن عبدالعليم الذى احتفظ به مبارك، وأصبح سكرتيرا لجمال مبارك، هو أول من بادر بإطلاق الرصاص على الجناة، كما أنه من كان سريع الحركة والمبادرة، وكان مبارك يعتبره من أفضل من عملوا معه.

محاولة اغتيال حسنى مبارك فى إثيوبيا أثارت قلق التيارات والأحزاب السياسية التى أبدت قلقها من غياب أى تخطيط للمستقبل بعد مبارك فى حالة نجاح عملية الاغتيال.

مبارك وقتها حظى بتعاطف المصريين الذين رأوه، وهو يحكى بعد عودته «يؤكد إيمانه بأن العمر واحد، وأنه واجه الموت كثيراً ولم يفقد أعصابه لحظة خلال الهجوم على موكبه وقد أمر سائق سيارته بكل هدوء بأن يعود إلى المطار ليستقل طائرته عائداً إلى مصر، ونجح صفوت الشريف وزير الإعلام وقتها فى إخراج مشهد استقبال مبارك فى القصر الجمهورى فى هليوبوليس والتهانى من المسؤولين ورجال الأحزاب والشخصيات العامة، وزاره فى اليوم التالى وفد ضم فضيلة الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق على جاد الحق والبابا شنودة، والشيخ محمد متولى الشعراوى والشيخ محمد الغزالى وأعضاء الحكومة ورؤساء الأحزاب ومنهم إبراهيم شكرى وخالد محيى الدين، وألقوا أمامه كلمات أعربوا فيها عن فرحهم بنجاته وقلقهم على المستقبل، وتحدث الشيخ محمد متولى الشعراوى قائلا: «سيادة الرئيس إن كنت قدرنا فنسأل الله أن يعيننا على هذا القدر، وإن كنا قدرك، فأعانك الله علينا»، قال له البابا شنودة «كان الموت قريبا منك جداً ولكن يد الله الحافظة، كانت أسلحة الموت فى يد الناس ولكن يد الله الحافظة، الموت كان مشيئة الناس والحياة كانت مشيئة الله ومشيئة الله هى التى نفذت».
وكان هناك عدد من الشيوخ والمسؤولين ذهبوا لاستقبال مبارك وتهنئته، لأن نجاح عملية الاغتيال فى الخارج كان من الممكن أن يقود البلاد للفوضى فى ظل تصاعد العمليات الإرهابية، وحتى المعارضون التقليديون لمبارك ومنهم محمد حسنين هيكل أبدوا قلقهم من اغتيال مبارك وأعلنوا راحتهم من فشل المحاولة. وقال هيكل فى تصريح بعد الحادث مباشرة، إن مبارك كرئيس يمثل ضرورة ورحيله فى هذه المرحلة خطر، وقد فسر هيكل بعدها تصريحه عن الرئيس الضرورة فى سلسلة حوارات مع عادل حمودة فى روزاليوسف قال فيها: «إن مبارك رمز الدولة وإذا راح رمز الدولة فى هذه الظروف فنحن أمام مجهول».

وعلى المستوى الرسمى فإن الحزب الوطنى ومجلس الشعب والحكومة بوزارة إعلام صفوت الشريف حولوا مشاعر المصريين وفرحتهم بنجاة الرئيس إلى زفة ومولد ودعوة لمبايعة مبارك لفترة رئاسية رابعة بالرغم من أنه كان قبل منتصف الفترة الثالثة، فقد كان الاستفتاء عليه عام 1993، وبدأت عملية تحريض من بعض اتجاهات الحكم على السودان وجرى تفكير فى شن هجمات على السودان الذى اتهم بتدبير محاولة الاغتيال.

مبارك قال منذ توليه رئاسة الجمهورية، إنه ليس من أنصار سياسة «الصدمات الكهربائية»، وكان يبتعد عن سياسة السادات وعبدالناصر، وكما قال الدكتور جلال أمين فى وصفه للدولة الرخوة «مبارك لا يغلق الاقتصاد ولا يفتحه، لا يحارب إسرائيل أو يتعرض لهجوم إسرائيلى ولا يوقع اتفاقيات جديدة معها.. وأيضا ترك نوعى الاقتصاد الحر والاشتراكى كل منهما له رجال أو مشجعون، وهنا تأتى طريقة اختيار الرجال، وهؤلاء المسؤولون نوع ثالث من الرجال يشترك مع من خدم مع عبدالناصر والسادات فى ولائهم التام للنظام، ولكن لهم خصائص أخرى.

ويرى جلال أمين أن الرجال المحيطين بالرئيسين فى العهدين، كانوا يمدونه بالنصيحة أو ينفذون سياسة كانوا فى الغالب الأعم «سياسيين»، بمعنى أن أمور السياسة تشغل تفكيرهم وتتحكم فى تصرفاتهم، هكذا كان عزيز صدقى وعلى صبرى وزكريا محيى الدين مع عبدالناصر، وهكذا كان سيد مرعى مثلا فى عهد السادات وعثمان أحمد عثمان ومصطفى خليل، حيث كان كثيرون ممن تولوا الوزارة فى كلا العهدين يشاركون الرئيس حماسه للمشروع الذى يقوم بتطبيقه، أو كان لهم على الأقل القدرة على تصور وظيفة الوزير على أنها وظيفة سياسية. وتغير هذا الأمر بالتدريج فى عهد مبارك، حيث بدأ يأتى رئيس للوزراء ممن لم يعرف عنه قط اهتمامات سياسية، مثل على لطفى وعاطف صدقى.

لقد فتحت محاولة اغتيال مبارك فى أديس أبابا الفرص أمام مبارك ليغير، لكنه تمسك بطريقته نفسها بل وحتى فيما يخص الحكومة فكر فى تغييرها بعد أن ضج منها الناس.

ويقول الدكتور الجنزورى، إنه بعد حادث الاغتيال فى أديس أبابا «لاحظت بعد عودة الرئيس فى شهرى يوليو وأغسطس، أنه بدأ العد التنازلى لبقاء حكومة الدكتور عاطف صدقى، حيث أخذ يسألنى عن بعض الأمور ويسأل غيرى من الوزراء دون علم رئيس الوزراء، رغم هذا وقع فى خلد الدكتور عاطف صدقى قناعة فى حكم اليقين، بأنه باق فترة أخرى، لا تقل عن ثلاث سنوات، وكان يذكر لنا هذا كثيرا، فمثلا يقول: إن الرئيس طلب منه أمورا يتطلب إنجازها ثلاث سنوات أخرى.. وصلت الأمور إلى مرحلة من عدم الرضا فى الشارع

المصرى.. إثر ركود بسبب تدنى معدل النمو فى 1994/ 1995 إلى نحو %3.5، لهذا عقدت أربعة لقاءات متتالية على فترات قصيرة، كل أسبوع وعشرة أيام برئاسة الرئيس، الأول بحضور الدكتور عاطف صدقى والدكتور عاطف عبيد والدكتور محمد الرزاز والدكتور يوسف بطرس وأنا، وسأل الرئيس عن الوضع الاقتصادى، فأوضح الجميع أن الوضع طيب، لكنى أبديت أن الأمر ليس بهذا الشكل، فيكفى تدنى معدل النمو، مما يعنى ضعف معدل التشغيل ومحدودية إضافة عمالة جديدة، وارتفاع الأسعار. ويقول الجنزورى إن وزير المالية استنفد كل ما أمكن من رسوم أو ضرائب، لدرجة أنه فرض جمارك على الصناديق التى تأتى من الخارج بما فيها توابيت الموتى.

وبعد أسبوع، عقد الرئيس اجتماعا بحضور المجموعة نفسها وتكرر ما حدث فى الاجتماع الأول، أكد الجميع سلامة وكفاءة أداء الاقتصاد القومى إلا أننى لم أحد عما قلت، وطلبت منهم كثيرا أن نعيد النظر فى إيقاف هذا العبء المتزايد بسبب فرض رسوم وضرائب، وبما يسهم فى التشجيع على الاستثمار والتصدير، ويتيح فرص عمل جديدة ويزيد من القوة الشرائية للمجتمع، وتكرر الأمر فى اجتماع ثالث، وفى تلك المرة أذكر أن الدكتور عاطف عبيد قال للرئيس تعليقا على ما قلت: بأن الأمر ليس بهذا السوء، ولكن هناك استشراقة لابد أن نذكرها.. وقبل أن يستكمل قال الرئيس: أنا أحب أن أسمع الغم الذى يقوله كمال ولا أحب أن أسمع الاستشراقة طالما لم تقدم دلالاتها.

المهم أن محاولة الاغتيال الفاشلة كانت نقطة تحول لأن مبارك انعزل أكثر وزاد الفساد أكثر، وظل التساؤل واضحا عن الرجل الثانى أو ضمان مصير أوضح للبلاد فى ظل الغموض، لكن مبارك تجاوز كل هذا وواصل السير فى نفس الطرق وأضاع المزيد من الفرص. 

التعليقات