من خفايا خطف المستوطنين في الخليل

من خفايا خطف المستوطنين في الخليل
بقلم: عبدالله عيسى

في عام 1995 اجتمع أبو عمار في القاهرة مع الرئيس المصري حسني مبارك ورئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين بحضور أسامة الباز مستشار الرئيس المصري ودار نقاش حاد بين أبو عمار ورابين حول العمليات الاستشهادية ودور السلطة الفلسطينية في إحباط هذه العمليات .

قال أبو عمار لرابين في ذلك الاجتماع :" إن تجاوز الاستشهاديين لعشرات الحواجز الإسرائيلية وسط تدابير أمنية إسرائيلية مشددة لا يستطيع العصفور النفاذ منها يعني أن هنالك جهات إسرائيلية متطرفة تعمل في الجيش والأمن تقدم تسهيلات للاستشهاديين بهدف تقويض عملية السلام وبالتالي ما يحصل من عمليات مسؤولية إسرائيلية وليست مسؤوليتنا .. ثم من أين جاء الاستشهاديون بكل بطاقات الهوية الزرقاء الإسرائيلية كي يتجولوا بإسرائيل بحرية !!".

رد رابين على "أبو عمار" بانفعال :" يا أبا عمار أنا هنا في هذا الاجتماع كي اسمع منك كلاما أخر .. ماذا تفعل كي تمنع العمليات التفجيرية داخل إسرائيل .. أما كلامك عن إسرائيليين يساعدون الاستشهاديين للقيام بعمليات تفجيرية داخل إسرائيل فهذا تستطيع أن تقوله للرأي العام الفلسطيني أي للاستهلاك المحلي .. هنا أريد ان اسمع كلاما آخر ".

احتد النقاش حول هذه المسالة فغضب رابين وانسحب من الاجتماع فأسرع خلفه أسامة الباز يسترضيه وليعيده إلى الاجتماع .

وقبل عودة رابين الى الاجتماع برفقة أسامة الباز قال مبارك لأبي عمار:" يا أبا عمار معقول هذا الكلام؟... هل يقتل الإسرائيليون أبناءهم ؟! ".

فرد عليه أبو عمار قائلا بكل ثقة :" نعم .. لديهم أسبقيات .. في كذا وكذا ".

وبعد اغتيال وزير السياحة الإسرائيلي زئيفي على يد نشطاء من الجبهة الشعبية في عهد شارون بدا الجيش الإسرائيلي بعدوان واسع على الضفة وقتل في يومين 80 شهيدا فلسطينيا .. أبو عمار أراد تخفيف العدوان فاصدر الرواية الفلسطينية لعملية الاغتيال جمعتها أجهزة الأمن الفلسطينية وكانت أدلة مقنعة إلى حد كبير وتفند الرواية الإسرائيلية أو على الأقل تضعفها ولم تكن الرواية الفلسطينية مجرد اتهامات وأقاويل وخرافات وأساطير .

هنالك متطرفون إسرائيليون قتلوا رئيس الوزراء الإسرائيلي رابين الذي أنكر رواية أبو عمار .. وإذا كان اتهام أبو عمار لإسرائيليين متطرفين بتسهيل العمليات الاستشهادية أراه بعيد عن الواقع إلى حد كبير فان الرواية الفلسطينية التي أوضحت عملية اغتيال الوزير زيفي أراها أكثر دقة ومهنية وأدلتها منطقية متماسكة وتضعف الرواية الإسرائيلية .

الآن نحن أمام مأزق فلسطيني يتمثل بخطف ثلاثة مستوطنين وذهب عدد من القيادات الفلسطينية إلى اتهام إسرائيل بتدبير عملية الاختطاف للمستوطنين لتحقيق غايات سياسية فوصفها محمود العالول بأنها مسرحية إسرائيلية وكذلك بسام أبو شريف بينما ذهب قيادي آخر إلى تحديد مكان المخطوفين في النقب في حين نفى أمين مقبول الرواية الفلسطينية وأكد أن هنالك عملية اختطاف حقيقية ولكن نتنياهو يريد استغلالها لتحقيق مكاسب سياسية وتنفيذ مخطط ضد الضفة وغزة .

في خضم راويات السلطة وبالمناسبة أرى أن رواية محمود العالول وبسام أبو شريف هي روايات ضعيفة توجه الاتهام ولا تقدم الدليل وارى ضعفها من حيث افتقارها للدليل فقط وأميل لتصديق راوية امين مقبول فان السلطة وأجهزتها الأمنية مطالبة اليوم بتقديم الدليل إن وجد على أن عملية الاختطاف مسرحية .

لان كيل الاتهامات بان العملية مسرحية ثم يظهر غدا فصيل ما ويعلن مسؤوليته ويبث شريط فيديو للمخطوفين سيضع السلطة في موقف لا تحسد عليه .. والغريب انه حتى الآن لم يعلن أي فصيل رسميا مسؤوليته عن عملية خطف المستوطنين .. صحيح أن نتنياهو وجه الاتهام لحماس وبني عمليته العسكرية في الضفة على هذا الأساس ولكن هذا الاتهام لا يمكن الوثوق به ما لم تعلن حماس رسميا تبنيها للعملية أو تتبرأ منها أو يعلن فصيل آخر مسؤوليته .

العملية وضعت السلطة والعالم في حيرة .. هل يوجد عملية اختطاف حقيقية أم مجرد مسرحية .. لا احد يستطيع أن يقرر الآن ولا يوجد أدلة دامغة على عملية الاختطاف كونها حقيقية أو أنها مسرحية كما يقال .

والسؤال الكبير :" هل يستطيع نتنياهو أن يؤلف مثل هذه المسرحية ويجر خلفه أمريكا وأوروبا في قرع طبول الحرب ضد الضفة وغزة من اجل تمثيلية يمكن أن تظهر خيوطها في أي وقت ويهدد مستقبله السياسي من اجل لعبة مستوطنين ظرفاء " فكهية " ليقولوا كنا نمزح ".

هذه المسرحية ممكن أن تحصل في الصومال أو عند الجيش الحر في سوريا ولكن في قضية أخذت أبعادا دولية واسعة غير ممكن .. والدليل أن الرئيس أبو مازن كان حذرا في كلامه ولم يتطرق أبدا إلى كونها مسرحية وإنما تعامل معها كعملية اختطاف حقيقية .

إما أن نقدم الدليل على كونها مسرحية ونضع العالم أمام مسؤولياته وإما أن نتعامل معها كعملية اختطاف حقيقية لحين تقديم الدليل إن وجد أو نعالج ونحتوي آثارها كونها عملية اختطاف حقيقية .

التعليقات