خيارات وسيناريوهات

خيارات وسيناريوهات
كتب غازي مرتجى
منذ اعلان الاحتلال الاسرائيلي عن اختفاء ثلاثة من مستوطنيه في مدينة الخليل تعامل الاعلام المحلي وحتى الاسرائيلي مع الخبر بحذر شديد فتكرار احداث اختفاء المستوطنين وظهورهم بعد ساعات تكررت في الآونة الأخيرة ما جعل الأمر في بدايته يبدو وكأنّها لعبة جديدة وخبر هيُنشر .. والسلام!

بعد 24 ساعة بالتمام والكمال بدأت صفحات المستوطنين بالضغط على قياداتها لمعرفة مصير اقرانهم وبالفعل اعلن المستوى السياسي الاسرائيلي رسميا خبر فقدانه ثلاثة من مستوطنيه عصر الجمعة اي بعد يوم كامل من فقدانهم .. واستمر الاعلان الاسرائيلي بالقول "فقدان" مستوطنيه ولم يجزم بانّ هناك عملية "أسر" لهم ..

قبيل الاعلان رسمياً بالتأكيد بدأت الاستخبارات الاسرائيلية والمخابرات وكل اجهزة الامن هناك بالعمل على تفكيك خيوط لغز اختفاء المستوطنين الثلاثة ..  لم يصلوا لأي نتيجة فاعلنوا اختفائهم لعلّهم يظهرون .. لكن وبعد يومين كاملين أعلنت اسرائيل وعلى لسان رئيس وزرائها أنّ المستوطنين الثلاثة "خُطفوا"..

 إعلان نتنياهو رسمياً :خطف" مستوطنيه من قبل "منظمات ارهابية" يؤكد أنّ اجهزة الامن الاسرائيلية ايقنت تماما انّ من يقف خلف العملية فلسطينيون والخلفية كما يسميها الاعلام الاسرائيلي "قومية" .

تنفيذ الاحتلال لعملية اجتياح مناطق واسعة في الضفة يؤكد ان  الخيوط الواصلة لاماكن اخفاء المستوطنين لا زالت مجهولة , وهو ما يؤكد ان من يقف خلف عملية الأسر مجموعة صغيرة جداً لا تتبع لقرار مركزي لكنها تتمتع بغطاء تنظيمي , ونعود بالذاكرة يوم ان تم أسر  شاليط حيث لم يكن يعرف مكان اخفاؤه سوى عدد قليل جداً ممن شاركوا بأسره وتنفيذ العملية وهو ما أدّى الى نجاحها , حصر المعلومة في عدد قليل جداً من الاشخاص يؤدي الى نجاح المهمة دوماً .

ان عدم اعلان اي تنظيم تبنيه رسمياً لعملية الأسر جعل اجهزة الامن الاسرائيلية تتخبط وأكبر دليل على ذلك اعلان نتنياهو عملية "الخطف" دون تسمية الجهة التي تقف خلفها وكذلك شن قوات الاحتلال لحملة اعتقالات عشوائية في كافة مدن الضفة , ومن رأيي على الجهة الآسرة الاستمرار في اخفاء هويتها .. إلى حين ..

عملية التفاوض لن تتم مباشرة مع الجهة المنفذة وأرجّح ان تقوم نفس الجهة بتكليف جهات فلسطينية أخرى بالتفاوض مع الاحتلال للافراج عن الاسرى الثلاثة مقابل عدد كبير من الاسرى الفلسطينيين ولن تكون تلك الجهات في الضفة نظرا للوضع الامني المعقّد هناك , واتوقع ان تكون جهة التفاوض في غزة او الخارج بحسب التنظيم الذي يقف خلف العملية .

الطبيعة الديمغرافية بالخليل تشبه غزة , لكن وجه الاختلاف يتمثّل في وجود مستوطنات قريبة من المدينة وكذلك وجود بعض من العملاء على الارض والطبيعة الجغرافية للمدينة لا تساعد على اخفاء الأسرى لمدة طويلة كما حدث مع شاليط في غزة , ولا ننسى ان الخليل لا زالت محتلّة وليس كما غزة كان يصعب على اسرائيل اقتحام اي مكان في داخل المدينة في غزة.

اخفاقات الاحتلال في عملية الاسر لا تعد , فقانون منع تبادل الاسرى سينهار بعد انهيار المنظومة الامنية والاستخباراتية الاسرائيلية , وتؤسس عملية الأسر حتى لو لم تكتمل  لمرحلة جديدة من التعامل في قضية الاسرى وستضطر اسرائيل للرضوخ الى مطالب الاسرى الفلسطينيين في سجونها  والافراج عن عدد كبير منهم بغطاء سياسي معين .

على الجانب الفلسطيني , ستستمر قوات الاحتلال بمهاجمة وحصار مدن كاملة في الضفة واهمها مدينة الخليل وستنفذ عمليات اعتقال وتحقيق مكثفة في الساعات والايام القادمة  , وفي حال أيقنت الجهات الامنية الاسرائيلية انّ الجهة التي تقف خلف العملية مركزيتها من قطاع غزة فقد توفّر لدى اسرائيل السبب الذي تسعى خلفه منذ فترة وتستغل ذلك بشن عملية عسكرية ضد القطاع .

المقاومة في غزة ستكون تحت الأنظار ومن المتوقع ان تقوم اسرائيل باغتيال شخصيات سياسية من حركتي الجهاد الاسلامي وحماس على الاقل لارضاء الراي العام الاسرائيلي الساخن حالياً حتى لو لم تتمكن من العثور على خيط يوصل الى المستوطنين الثلاثة .. لذا فالمقاومة بغزة مطالبة بالحيطة والحذر . وبالتاكيد ستتجه انظار وزارة الحرب الاسرائيلية الى قادة من الوزن الثقيل لتخفف حدّة الغضب الشعبي في اسرائيل .

في حال قيام اسرائيل بجر قطاع غزة الى المعركة واستمرار الاعتقالات والمداهمات في الضفة ومن المتوقع سقوط شهداء ايضاً فإن شرارة الانتفاضة الثالثة تكون قد وصلت لحالة الاشتعال , وهو ما يعني أنّ الأوضاع في الضفة وغزة ستبدأ بالغليان تدريجياً إلى أن تصل الى حالة انفلات كاملة تؤسس لانتفاضة جديدة ستختلف طبيعتها عن الانتفاضتين الاولى والثانية لكنها ستكون خاطفة ولن تستمر لأكثر من عام .

اسرائيل وفي تصريحات قياداتها استغلت عملية اسر مستوطنيها لتهاجم حكومة الوفاق الوطني المشكلة حديثا وهو ما يعني انّ اسرائيل باتت تحضر لعملية ارهاق ومحاصرة الحكومة الجديدة وتبرير عملية الخليل حاضر لدى دول العالم وهو ما تحدث به نتنياهو مساء امس عندما اكّد ان تحالف ابو مازن - حماس هو السبب في عملية الأسر التي تمّت .. 

السلطة لن تكون في افضل حالاتها فهي مخيّرة بين نارين كلا الخيارين صعب ومستحيل ان تقدم السلطة على الجزم باحدهما بل ستستمر بالمناورة واللعب بالالفاظ حتى تتضح الصورة أكثر .. لكن في حال اشتعال انتفاضة ثالثة فإن حال السلطة سيصبح على "المحك" وقد تنهار في ليلة وضحاها .. في الضفة وغزة بالطبع .

الصورة السوداوية التي نرسمها نابعة من تجربتنا المريرة مع الاحتلال الاسرائيلي وتجارة الاحزاب الاسرائيلية على حساب الدم الفلسطيني معروفة للجميع وما تأكيدات نتنياهو واستغلاله لحادثة اسر مستنوطنيه كدعاية لشخصه وحزبه إلاّ مثالاً صغيراً . وسنستمع اليوم وغدا الى دعوات القتل والحرب والدم من كافة الالوان والاطياف الاسرائيلية .. من اليسار الى اليمين , فحمى الانتخابات اقتربت وعملية الخليل ستؤدي إلى رسم ملامح المرحلة الاسرائيلية السياسية القادمة وسيستغّل كل حزب ما لديه من الامكانيات ليثبت انه الاقدر على سفك الدم الفلسطيني وارهاب الشعب الأعزل .. 


التعليقات