افتتاح مؤتمر "مذكرة بكركي مشروع وطن"

افتتاح مؤتمر "مذكرة بكركي مشروع وطن"
بيروت - دنيا الوطن - محمد درويش
إفتتح في فندق الهيلتون الحبتور في سن الفيل، مؤتمر "مذكرة بكركي ...مشروع وطن" الذي دعت اليه الهيئة المدنية لدعم المذكرة برئاسة الوزير والنائب السابق فريد هيكل الخازن والذي يستمر حتى مساء غد الثلاثاء، ويختتم بكلمة للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي في حضور رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان.

وحضر الجلسة الافتتاحية ممثل رئيس الجمهورية وزير السياحة ميشال فرعون، وزير العمل سجعان قزي ممثلا رئيس حزب الكتائب أمين الجميل، ممثل البطريرك الماروني النائب البطريركي العام المطران سمير مظلوم، بطريرك الارمن الكاثوليك نرسيس بدروس التاسع عشر، ممثلا النائب وليد جنبلاط وزير الزراعة أكرم شهيب وتيمور جنبلاط، وحشد من الوزراء والنواب وممثلو رؤساء الاحزاب والكتل النيابية، وعدد من المديرين العامين وممثلون عن القيادات العسكرية والامنية ورجال الفكر.

بداية إستهل المؤتمر بالنشيد الوطني، ثم ألقى رئيس الهيئة المدنية لدعم مذكرة بكركي فريد هيكل الخازن كلمة جاء فيها: "يغمرني شعور متناقض بين الامل والياس ونحن نفتتح اليوم المؤتمر الاول للهيئة المدنية لدعم مذكرة بكركي الوطنية تحت عنوان "مذكرة بكركي... مشروع وطن". يأس لان حوار اهل السلطة كما واكبناه وشهدناه موجود في العناية الفائقة في حالة حرجة، دون ان تحرك الطبقة السياسية ساكنا لنجدته، وامل لانه استعاد شيئا من عافيته بوجودكم ،انتم الذين لبيتم نداء الكلمة، وتجاورتم فتحاورتم. 

لا ابالغ اذا قلت ان الازمات المتتالية تسمم جسم الوطن... لم يمارس حوار حقيقي حتى الان بالرغم من صدق نوايا الدعاة الى الحوار ومن يلبيه. الحوار الحقيقي يكون من اجل الناس من اجل اهل السلطة. الحوار الذي شاهدنا فصوله حتى الان كان علامة مسجلة باسم اهل السلطة، تراشقوه ولم يتناقشوه. ولكل منهم قناعات ليس شأننا اليوم الحكم عليها وبعضها لا يعني الناس.
اقتصدنا في الحوار وتركنا الاقتصاد يعيش على اجهزة التنفس الاصطناعي، فكاد يختنق ويخنق معه الاف المواطنين الذين يلهثون وراء الرغيف والمدرسة والمستشفى، اما الازمة الامنية التي هي احدى تداعيات انقطاع الحوار فحدث ولا حرج:
الامن اللبناني يعيش الازمة السورية كاننا في سوريا وفي بعض المنعطفات نعيشها على نحو اكثر حدة من بعض المناطق السورية. من النأي بالنفس الى الحياد السلبي الى الحياد الايجابي لم تجد لها دولتنا نأيا الا ومارسته حتى نأت بنفسها عن نفسها، واستفاقت ذات يوم على تكفيريات باتت تجوب مدنها وضواحيها وبلدنا منها براء. الازمة الجيو سياسية لا تقف عند هذا الحد:
سوريا تصدر مأساتها عبر تدفق مئات الاف السوريين الى لبنان ما يجعل تجربة التهجير الفلسطيني مجرد دعابة وحدث ثانوي، في ما تستمر اسرائيل بتغذية الارهاب وباحتلال اراضينا، وبدل ان يذهب المجتمع الدولي الى تطبيق القرارات الصادرة عن مجلس الامن التي تحمي لبنان وسيادة اراضيه وتضع حدا للعدوان الاسرائيلي المتمادي نرى المجتمع الدولي يغض النظر، لا بل يدعم في الباطن مطامع المشروع الصهيوني الذي دمر المنطقة برمتها وساهم في زرع الفتنة الطائفية والمذهبية فأوصل الوطن العربي الى ما وصل اليه".

ان كل شيء في لبنان مأزوم ومعطل حتى اشعار آخر، الحوار معطل، المؤسسات شبه معطلة، الدستور معطل والوطن على طريق التعطيل، وفخامة الفراغ قد يتسلم مفاتيح القصر الجمهوري، فهل تنادينا لتدارك الفراغ او على الاقل للتوافق على طريقة ادارته اذا اصبح واقعا؟
كل شيء يسافر في بلدنا الى الفراغ، السياحة سافرت الى بلاد العالم الواسعة، سلسلة الرتب والرواتب اصبحت سلسلة عبودية تنتظر ان تعتق من عبودية اخرى هي عبودية المصالح والهدر والفساد، الصناعة تبكي على مقولة "صنع في لبنان".

باختصار، لبنان دخل مرحلة انعدام الجاذبية، لا جاذبية بين اهل السلطة، واهل السلطة انفسهم يحاولون عن قصد او غير قصد تعميمها على الناس، اصبحنا بحاجة ماسة الى مؤتمر مصالحة بين لبنان ولبنان، نظامنا مأزوم ، فمنا من يلمح الى مؤتمر تأسيسي، ومنا من ينادي بتعديل صلاحيات رئيس الجمهورية، منا من يرى الدستور من سلالة الالهة ولا يسمح بأن يرميه احد ولو بوردة، ومنا من ينادي بتعديله وتطويره ليواكب الاصلاح والاستقرار.
هذه الجمهورية المأزومة جربت كل العقاقير ولم تشف، لم تجد مشروع الوطن، مذكرة بكركي....مشروع وطن، فهل تسمع الجمهورية نداء المذكرة؟ المذكرة محاولة لتفادي الهاوية ومتى انزلقنا الى قعر الهاوية فسيكون سقوطنا مدويا.

مذكرة بكركي.. مشروع وطن ليست مشروعا منزلا ولا مشروعا مقفلا، ولا تدعي العصمة بل تطلب الحوار والنقاش الصادق. ونحن هنا لنسمع التحفظات والتساؤلات والاقتراحات بقدر ما جئنا لنسمع الدعم والموافقة والتأييد، ولنقلها بصراحة: كل الافرقاء ايدوا المذكرة فلماذا لم تطبق؟ اذا كانت المشكلة في آليات التطبيق فلم لم نتباحث حول الاليات؟ لقد حظيت المذكرة بدعم شكلي وسطحي وطغت الاجندات المخفية على الاجندات الظاهرة".

وللاسف الشديد، يذهب المجلس النيابي الى شغور في سدة الرئاسة، ليضيف على الاعطال والاعطاب عطلا جديدا وعطبا جديدا، ولكن هذه المرة عطل قد لا يصلح، وعطب قد لا يصحح.
افراغ رئاسة الجمهورية من الرئيس هو تعويد الناس مع انقضاء الوقت ان الموقع الوطني الاول في لبنان هو من قبيل لزوم ما لا يلزم وان البلاد يمكن ان تسير بلا رئيس، اي بلا ديموقراطية ميثاقية. في لبنان ابتدعنا مقولة الظلم العادل، مرة يظلم السنة ومرة يظلم الشيعة ومرة يظلم الدروز ومرة يظلم المسيحيون وكل يقول عن الاخر انه البادي، والبادي اظلم في ما لبنان هو المظلوم. وشعبنا الطيب مظلوم.

كل ينادي على ليلاه، من هنا نقرأ اقلاما تروج للمثالثة ومن هناك للمناصفة وربما غدا للمرابعة وكلها اوهام. وحده العيش معا هو الاهم. العيش معا الذي يشكل الصورة الارقى للعيش المشترك.
مذكرة بكركي الوطنية ميثاقية واذا اعتل الميثاق،اعتلت الصيغة.

 الميثاق بلا صيغة روح بلا جسد، والصيغة بلا ميثاق جسد بلا روح، هذه هي المذكرة التي نشكر تلبيتكم دعوتنا للنقاش في محاورها عساها تنجح في جمعنا على طاولة واحدة من جديد، ولو على مقاعد مختلفة، فالحوار لا قيمة له الا اذا كانت وجهته واحدة وهي وجهة الثوابت الوطنية، ولا يثمر الا بتعدد الاراء وتنوعها. لذلك ندعو الى حوار خلال هذين اليومين محاولة منا لاعادة احياء منطلقات الحوار الداخلي. من اجل الناس، من اجل مجتمعنا والا يتوقف غدا بعد انتهاء المؤتمر، ودينامية متنامية باتجاه التصحيح والتصويب والنهضة ولنشكل تجربة رائدة ومحفزة، تجربة يقتدى بها، وحضوركم اليوم يؤكد ان المجتمع على اطيافه ما زال يطلب الحوار المجدي".

اشكر لكم اسهامكم القيم، واسمحوا لي بدوري ان اهدي اعمال هذا المؤتمر الى المواطنين، المواطنين الطيبين، الى العمال، والمعلمين والموظفين وسائقي الاجرة والفلاحين، والصناعيين، والمستثمرين اليائسين، واصحاب المهن الحرة والعاطلين عن العمل والشباب الذين يقفون على ابواب الهجرة من لبنان باتجاه بلدان تحترم احلامهم وشهاداتهم وكفاءاتهم وانسانيتهم.

اسمحوا لي ان اهدي اعمال هذا المؤتمر الى المرأة اللبنانية اما وشقيقة ومناضلة والتي نريد لها اكثر من كوتا، الى العجزة الموعودين بضمان الشيخوخة، الى المرضى المتروكين على ابواب المستشفيات، الى الشهداء وامهات الشهداء. مذكرة بكركي كتبت لهم وللحلم اللبناني بجمهورية فاضلة، نعم فاضلة ولكن ليس بطوباوية جمهورية افلاطون انما بواقعية قبولنا بالاخر ومواكبة الحداثة ومحاربة الفساد وبناء الاصلاح الاداري والسياسي والتخلص من تلوث البيئة وتلوث الاخلاق.

باسم الهيئة المدنية لدعم مذكرة بكركي الوطنية اشكر رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان على رعايته الكريمة لهذا المؤتمر، واشكر غبطة ابينا البطريرك مار بشاره بطرس الراعي على دعمه لنشاط الهيئة المدنية الهادف الى نشر الكلمة الطيبة واؤكد ان لبنان وطننا وبالارادة الطيبة سنغير الاقدار".
ثم ممثل البطريرك الراعي المطران مظلوم كلمة جاء فيها: "أحمل لكم بركة وتحيات غبطة أبينا البطريرك مار بشاره بطرس الراعي بطرِيرك أنطاكية وسائر المشرق الكلي الطوبى وأدعو لمنظمي هذا المؤتمر ولكل المشاركين فيه التوفيق لما فيه خير لبنان واللبنانيين.

يستوقفني في هذه المناسبة العنوان الذي اختير للمؤتمر وهو "مذكرة بكركي....مشروع وطن" وقد أصاب المنظمون أصحاب الدعوة في اختيارِه من حيث هو حامل لهموم الوطن بكل أطيافه.
مذكرة بكركي الوطنية كما أعلنت في عيد القديس مار مارون لم تكن إلا ميثاقية الهوية، ولهذا السبب شكل الميثاق والصيغة مدماكيها المتينين. الميثاق هو ما تعاهدنا عليه مع إخواننا في المواطنية من عيش مشترك يسوده الإنفتاح والتسامح والتعاون، أما الصيغة فهي التوافق على مسار الشراكة التي تعكسه المناصفة الفعلية في تحمل مسؤولية الحكم وإدارة البلاد.

هذه الثوابت، إذا ما أضفنا عليها إحلال الإنتماء الوطني محل الإنتماء الطائفي تجعل من بلدنا "وطن الرسالة" على ما جاء على لسان القديس البابا يوحنا بولس الثاني خلال زيارته الرسولية إلى لبنان عام 1997.

مذكرة بكركي الوطنية هي تجسيد جديد لفعل الايمان بلبنان الذي انتهجه البطاركة الأوائل ودينامية محفزة لكل اللبنانيين حتى يتيقنوا في الأزمنة العجاف أن تجربتنا الحضارية إستثنائية، تجربة التعددية ضمن إحترام الخصوصية و مسار الإنفتاح والحداثة.
واليوم، في ظل المنعطف المصيري الذي يمر به لبنان لا بد أن نتوقف عند الإستحقاقات الداهمة التي يتوقف عليها مصير الديموقراطية الميثاقية وفرادة الصيغة اللبنانية، أعني مسألة انتخاب رئيس جديد ضمن المهل الدستورية وبعيدا عن أي جدال دستوري، كما عن مسائل سيادة الدولة وحيادها، دون أن يعني ذلك عدم إلتزام لبنان بقضايا العدالة والسلام في محيطه العربي والدولي.

على ما قرأنا فقد نجح المنظمون بفضل تعاونكم في جمعِ كوكبة من الكفاءات المتعددة والمتنوعة وفي هذا إغناء لا يلغي إجتماع الجميع على الثوابت وأولها نهائية الكيان اللبناني، ومن شروط نهائية الوطن الدفاع عن استقلاله، وسيادة دولته الكاملة، وحرية أبنائه في أخذ قراراتهم المصيرية، والوقوف في وجه أي محاولة أو احتلال لاراضيه وانتقاص لسيادته على ما جاء في شرعة العمل السياسي بحسب تعاليم الكنيسة المنبثقة من توصيات المجمع البطريركي الماروني في نصه التاسع عشر "الكنيسة المارونية والسياسة".

هذه الثوابت كما اسلفت هي المدماك وكل الإصلاحات في نظام لبنان السياسي تصبح مدار نقاش للتطوير ومواكبة الحداثة وضمان الإستقرار وكل زعزعة للثوابت تزعزع الهيكل الوطني بأسرِه.
لذلك لا بد من حوار حقيقي بعيد عن التدخلات الخارجية، يؤدي إلى مسامحة اللبنانيين لبعضهم البعض، واخماد خلافاتهم وعداواتهم، وتبديل ذهنياتهم، حتى ينمو التآخي، والتضامن في إعادة بناء مجتمع مؤهل للعيش معا.

هذا ما حاولت المذكرة إبرازه وهو المدخل الأساس لبناء دولة متطورة وحديثة قادرة على حكم ذاتها بذاتها.

أتمنى لكم جميعا النجاح في إطلاق هذه الدينامية بهدف الخروج من النفق المظلم وننتظر توصيات نغتني بها من أجل لبنان واللبنانيين".

بعد ذلك، بدأت جلسات النقاش في محاور اليوم الاول، وتناولت الحلقة الاولى عنوان "الديموقراطية الميثاقية في مذكرة بكركي"، وتكلم فيها الدكتور أدونيس عكرا، والدكتور داود الصايغ والدكتور عباس الحلبي والمهندس هنري صفير والوزير السابق سليم جريصاتي.

وتناولت الحلقة الثانية عنوان "بين العيش المشترك في الدستور والعيش معا في مذكرة بكركي الوطنية"، وشارك فيها المهندس نعمت افرام والدكتور خالد قباني ونائب رئيس مجلس النواب السابق ايلي الفرزلي والوزير السابق محمد جواد خليفة والوزير السابق يوسف سعادة والاب الدكتور جورج حبيقة.

وتناولت الحلقة الثالثة عنوان "رسالة المسيحيين ودورهم في لبنان والمشرق في ضوء مذكرة بكركي الوطنية"، وشارك فيها وزير التنمية الادارية نبيل دو فريج، الدكتور جورج سعد، الدكتور سامي نادر، الوزير السابق عصام نعمان، والاستاذ طلال سلمان.
أما الحلقة الرابعة فتناولت عنوان "قرار السلم والحرب في مذكرة بكركي الوطنية"، وقد أدارها الاعلامي وليد عبود وشارك فيها العميد أمين حطيط، والنائب السابق صلاح حنين والعميد الياس حنا.



التعليقات