غياب فتح غزة والجهاد .. وما وراء اتفاق المصالحة

غياب فتح غزة والجهاد .. وما وراء اتفاق المصالحة
كتب غازي مرتجى
انتهت جولة المصالحة بإعلان اتفاق أحبّذ وصفه بـ"الضبابي" وبترحيل كافة آثار ومشكلات الإنقسام .. لما بعد الحكومة , ولعلّ قراءة لغة الجسد للطرفين سواء في الاجتماع الأول أو في المؤتمر الصحفي عصراً توحي بالكثير وتؤكد أنّ هناك "سر شويبس" لا يعلمه إلا الرئيس والأحمد , وأبو مرزوق وهنية .. بالطبع بعد الله .

بعد استقبال الوفد والكلمات الحماسية من هنية والأحمد بحضور مهيب قلت أنّ المجتمعين لن يعلنوا فشلهم حتى لو ضربوا بعضهم البعض بـ"السكاكين" , فحالة الاستنفار الشعبي والتأهب الشبابي ومستوى سقف التوقعات المرتفع منع الطرفين من إنهاء لقاءاتهمh دون كلمات حماسية وخطابات تُبشّر بإنهاء الإنقسام .. ولأن على الكلام والخطابات لا يوجد "جمرك" ولا "حسيب أو رقيب" فإن ّ الطرفين جمّلا نهاية الجزء الأول من الفيلم بما يُسمى في علم الإخراج "النهاية المفتوحة" .

لا يُمكن لي أو لغيري الحُكم على مدى نجاح الجلسات وإن كان قد تم الإنتهاء من الحالة الشاذة التي يعيشها شقي الوطن , إلاّ بعد أن نُشاهد اجتماع حكومة الوفاق أولاً والبدء بالتحضير للمشاركة بالانتخابات , ولا يعني تحديد فترة 6 شهور لإجراء الانتخابات أنّنا سنشاهد التحضير للانتخابات قبل اسبوعين فقط - فترة الدعاية الانتخابية القانونية- بل يجب أن نلمس اجراءات التحضير للانتخابات من الطرفين بدءاً من الغد .

"النهاية المفتوحة" لهذه اللقاءات زادت من حالة "الحيرة" الشعبية أو الرسمية  .. فأعضاء الوفد على اختلاف الوانهم السياسية لم يتمكنوا من الإجابة على تساؤلات هامة واكتفوا بترحيلها إلى تفعيل لجان المصالحة - التي اتفقوا عليها في القاهرة- أو أضافوها إلى صلاحيات ومهام حكومة الوفاق المُفترضة , على الرغم من بُعد بعض القضايا الحساسة والمفصلية عن عمل أي حكومة , ولكم في موظفي الحكومتين .. آية .

حالة الضبابية التي تُسيطر على إجابات الوفد , وما بدا ظاهراً من خلاف باعتقادي هو خلاف استراتيجي بعد أن تحدث الأحمد عن غطاء من حركة حماس للمفاوضات فسارع اسماعيل هنية لنفي ذلك جملة وتفصيلاً مؤكداً موقف حركته من المفاوضات ولولا كانت الأجواء تصالحية لسمعنا المزيد ..

لقد حقق الرئيس مُبتغاه وحصلت حماس على جزء مما تريد , لكن إنجازات الرئيس وحماس في المصالحة "آنية" وليست جزء من استراتيجية طويلة الأمد .. فـ"الرئيس" يُعاني من إجراءات اليمين المتطرف في اسرائيل وخذلانه في المفاوضات , وحماس تُعاني من الغضب المصري الشديد عليها ومن حالة الارتباك الاخواني العالمي الذي أثّر عليها بشكل كبير , وما إن ينتهي "ظرف" أحد الطرفين وتتحسّن "المزايا" فسُرعان ما ينفض المولد ..

وفد الرئيس أبو مازن تكوّن من شخصيات خمسة جميعها يُقيم بالضفة الغربية - شق الوطن الآخر- , وشخصيات حركة حماس المُشاركة في الاجتماع من غزة .. أما عن حماس فمن السهل أن تُبرّر ذلك بالاجراءات الأمنية وعدم سماح إسرائيل لأي من قياداتها بالتوجّه إلى غزة .. وهذا منطقي 

لستُ من مؤيدي التمييز الجغرافي بل على العكس أبغض من يُتاجر بتلك "البضاعة" .. لكن دعونا نتحدث بمنطق شعبوي بعيداً عن الأهواء الجغرافية .

في قطاع غزة يوجد عدد كبير من قيادات منظمة التحرير الفلسطينية وقيادات حركة فتح , فالدكتور زكريا الاغا عضو لجنة مركزية عن حركة فتح وعضو لجنة تنفيذية بمنظمة التحرير الفلسطينية ولا يوجد أي من أعضاء وفد منظمة التحرير يحمل الصفتين معاً .. بمعنى أنّ الدكتور الأغا أعلى تنظيمياً في فتح والمنظمة من كل اعضاء الوفد ..!

في القطاع ايضاً اعضاء لجنة مركزية لحركة فتح , وقيادات في بعض فصائل منظمة التحرير اثقل وزناً من الوفد الزائر , ومن بديهيات اي لقاءات او مباحثات ثنائية فإن "أهل مكة" أدرى بشعاب مكتّهم .. 

إن عدم مشاركة أي قيادي من غزة في اجتماعات المصالحة الثنائية له من الدلالات السيئة الكثير , فما معنى ترك "الأغا" وهو اعلى رتبة تنظيمية موجودة في غزة ويعتبر ممثلا عن الرئيس ابو مازن في غيابه عن تلك الاجتماعات ؟ وما معنى ان يتم تهميش كل قيادات فتح او حتى فصائل منظمة التحرير من غزة بتلك الحوارات ؟

لقد اقتصر دور قيادات فتح ومنظمة التحرير في غزة على "لجنة الاستقبال" ! , وقد أدّوا ولله الحمد دورهم على أكمل وجه  ! .

لا يتحمّل مسؤولية تهميش قيادات غزة أي شخص سوى هم انفسهم .. فسماحهم باستمرار تهميش غزة في كل الصولات والجولات ستؤدي بالتأكيد إلى تلك الحالة الغريبة ..!

وفي نفس سياق المحادثات , فحركة الجهاد الإسلامي تُعتبر التنظيم الثالث في الوطن , وهي من عملت طوال سنوات الانقسام كـ"صليب أحمر" تُحاول رأب الصدع حتى أصبحت الأقرب لعناصر الطرفين لما حققته من إنجازات تُحسب لها .. تهميش حركة الجهاد الإسلامي وإشراك فصائل لا يُمثلها سوى أمينها العام ولم يسمع بها المواطن العادي أصلاً خطيئة كُبرى ولا تُغتفر للطرفين , سيقول أحدهم أنّ حركة الجهاد الإسلامي لا تقبل بالمشاركة لأنها ليست جزءاً من "الطبخة" , لو كان هذا تبريراً صائباً لما تم تكليف القيادي فيها "خالد البطش" في مجلس أمناء جامعة منظمة التحرير بغزة -الأزهر- وهو شخصية مُجتمعية لها قبول من كلا الطرفين .. تحدثت سابقاً أنّ بيد الجهاد الإسلامي زمام الأمور ولو امتلكوا أجندة التخريب فبامكانهم "قلب الطاولة" على حماس وفتح ..

غياب عناصر أساسية عن جلسات الحوار تُعطي دلالات غامضة لما هو آت .. والتعامل "السلبي" مع قيادات فتح والمنظمة في قطاع غزة يتحمّل مسؤوليته هم أنفسهم .. لكنه سيعود بالضرر على الجميع .