هل بوتفليقة أسد حطوم؟

هل بوتفليقة أسد حطوم؟
توفيق ابو شومر

سألني أحد المتابعين لما أكتبُ:

هل أثَّرتْ أحداثُ العرب على الانتخابات التي جرت في الجزائر يوم 17/4/2014؟

 وما تأثيراتها؟

 للجزائر خصوصية عندي لأنني عشتُ فيها سنواتٍ طويلة، فأنا أعرف أهلَها ومدنها، فعندما أتحدث عنها أستدعي من ذاكرتي شعبا مناضلا، ضحى بخيرة أبنائه في سبيل الحرية، شعبا أنجبَ المبدعين والقادة، وأرسى في العالم العربي قاعدةً نضالية راسخة، تعتمدُ مبدأَ "التضحيات طريقٌ موصلٌ للحريات" فضلا عن ذلك فإن الجزائرين صدَّروا نضالَهم إلى معظم الشعوب المقهورة، وعلى رأسها شعبنا الفلسطيني، ودعموا نضالَه ضد الاحتلال والقهر.

وبما أن الجزائر دولة كبيرة، ليس في المساحة الجُغرافية فقط، بل وفي مساحة النضال،لذا فإنها ستظلُ عُرضةً لكثيرٍ من المؤامرات.

فقد كانت أحداثُ الانقسام البغيض في الجزائر، في بداية الألفية الثالثة مؤامرةً على تاريخها النضالي الشريف، غير أن الجزائر أدهشتْ العالمَ حين تمكنت من الخروج من نفق المؤامرات، واستطاعت أن تعيد نظم صفوفها من جديد، وتعقد أروع المصالحات الاجتماعية في التاريخ المعاصر، وهكذا استطاعتْ الجزائرُ أن تستعيد مرة أخرى قُدسيةَ نضالها، وتعيد الهالة والتقدير لشهدائها، فقد نجَتْ من أخطر المؤامرات في تاريخها المعاصر.

                                                                   نعم تأثَّرتْ الجزائرُ بالآحداث الجارية في كثيرٍ من دول العرب، ولكنها –من خلال تجربتها النضالية الطويلة- كانت أكثر الدول العربية تريُّثا، وبخاصة وهي تتابع ما جرى في العراق وتونس والسودان ، وما يجري في سوريا ومصر!

لقد تأثَّر الشعبُ الجزائريُ المناضل بمحيطه العربي، المحيط العربي، الذي اختصر الثورات في هدفٍ واحدٍ لا غير، وهو" التخلصَ من ربقة الحكام الديكتاتوريين، أو الانتقام منهم" بدون أن يتمكن العربُ بانتفاضاتهم من إنجاز مشروعٍ ديموقراطي حضاري جديد، ينقلهم من الثورة إلى الدولة الديموقراطية الحرة، من تفكيك منظومات الفساد إلى إعادة تركيب منظومات الشفافية والعدل والمساواة، من هدم المحسوبيات والبيروقراطيات، إلى إعادة بناء الكفاءات، والمساواة بين الرجال والنساء!

نعم لقد تأثر الجزائريون بما جرى ، وما يجري من تفكيك لبعض الجيوش العربية، وتحويلها إلى عصابات توجّه سلاحها نحو صدور أهلها!!

 نعم لقد تأثَّر الجزائريون بما شاهدوه وتابعوه بالصوت والصورة على كل الفضائيات، من حالة الفوضى والدمار التي حوَّلت كثيرا من شعوب العرب إلى متسولين لاجئين، ودمَّرت المدن والقرى بأيدي الأهل والأبناء، لدرجة أن صار الأبناءُ والأهلُ يغنون وينشدون، حين يُسقطون طائرةً من طائراتهم، ويحرقون بناية من أبنيتهم.

لذا فلا تستغربون عندما ينتخب الجزائريون رئيسا مريضا، يرون -هم وحدهم- فيه الصحة والعافية، لأنه يُعيدهم إلى تراثهم النضالي المقدس، ويجعلهم يتمسكون بماضيهم  النضالي، ويستعيدون به ذكريات بطولات آبائهم وأجدادهم! لقد آثروا أن يلجؤوا إلى ماضيهم، فهو أفضلُ من حاضرِ العرب الكئيب، حاضر ما يسمى بالربيع العربي!

لا تندهشوا عندما ترونهم يفضلون عبد العزيز بوتفليقة عن عشرات المغامرين والطامحين والحالمين، ممن تعوزهم التجربة، وتنقصهم الخبرة، وتُغرِّرُهُم المؤامرة، فهم بانتخابهم أرسلوا رسالة تقول: فلتبقَ الجزائرُ متحدةً متعددة الأجناس والأعراق بماضيها، وليس بحاضرها المجهول، وليس غريبا أن يرى الجزائريون بوتفليقة سليما معافى، بينما يراهُ غيرهُم عليلا سقيما، يُقادُ ولا يَقُودُ!

                                                                   ولكن هل ستنجو الجزائرُ من مؤامرة أخرى قادمة؟

أنا أرى بأن وباء( التفكيك) سوف يصل إلى أبواب الجزائر، ولكن هل سيسمح له الجزائريون بالدخول من أبوابها؟أم أنهم سيمنعونه من الدخول؟

إن الإجابة عن ذلك تكمن في قدرة الشعب الجزائري على استثمار نضاله الطويل، وتكمن في فسيفسائه العرقية رائعة الجمال، من عرب وأمازيغ، وموزابيون وسنيون، فقد كنتُ أرى الجزائر في ألوانها الزاهية سجادةً بديعة الخيوط، جميلة التصميم، ناعمة، دفيئة،قوية النسيج، تُفاخر العالمين بجمالها الأخَّاذ،وندرة خيوطها.

 كنتُ أرى البربرَ يعتزون بجزائرهم،ويحتفلون باستقلالهم بحماسة، فهم قدَّموا التضحياتٍ الكبيرة، بغض النظر عن الجنس واللون والعرق، فقد كانت مدينة تيزي أوزو ، مدينة الأمازيغ عاصمة الشرق الجزائري كله، تستقطب الزوار من كل مكان، وتحتضنهم كأحلى مدينة جزائرية، اعتادت أن تظل رمزا على الوفاء والبطولة والجَمال.

وكنتُ أرى بني مزاب، أو (بني مصعب)  في غرداية، وهم يستيضفون زائريهم وجيرانهم بسعادةٍ وترحيب، ويساهمون في إنعاش اقتصاد بلادهم، وهم يشاركون إخوتهم في بناء جزائر الغد، فسلالتهم سلالة عاملين مناضلين مخلصين!!فهل طبق الجزائريون حكمةَ العربِ الأولين الذين قالوا:" أسدٌ حطوم، خيرٌ من فتنةٍ تدوم" أم أنهم طبقوا حكمةً أخرى " سلطانٌ عادل خيرٌ من غيثٍ وابل"؟!!أم أنهم نحتوا حكمة جديدة تقول:

حكومة في اليد خير من عشر حكومات في الأفق البعيد!!

آملُ أن يبقى المخزونُ النضاليُ الجزائريُ، مصدرا يستمدُّ منه العربُ روح النضال في سبيل الحرية والديموقراطية وآملُ أن يظلَّ درعا يَحولُ دون تقسيم الجزائر، ويمنع تفكيك بطولاتِها وتضحيات أبنائها!

التعليقات