خدع إسرائيل..زاره الشيخ عبدالباسط وعبد الحكيم عامر:رأفت الهجان الفلسطيني "القيشاوي" مفقود منذ 56 عام

خدع إسرائيل..زاره الشيخ عبدالباسط وعبد الحكيم عامر:رأفت الهجان الفلسطيني "القيشاوي" مفقود منذ 56 عام
غزة - خاص دنيا الوطن-أسامة الكحلوت وتحسين محيسن غزة

تصوير محمد شراب

التاريخ الفلسطيني حافل بالقصص النضالية التي اندثرت بوفاة إبطال هذه القصص ، أبطال وضعوا بصماتهم على خارطة فلسطين وكانوا شوكة في حلق الاحتلال الاسرائيلى منذ احتلاله لفلسطين ، وبالصدف نكاد نعرف قصص البعض منهم .

فلسطيني حارب مع القوات المصرية التي تواجدت في قطاع غزة بعد النكبة ونال رتبة ضابط ، ثم قام بمهام رأفت الهجان ،  وضل يعمل عاملين كاملين كعميل مزدوج بين القيادة المصرية والاحتلال الاسرائيلى وخدع اليهود في العدوان الثلاثي بخريطة مواقع وهمية للجيش المصري في سيناء ، ثم فقد من ذلك الوقت حتى ألان .

حامد القيشاوى من مواليد عام 1931 ، انضم لكتائب المجاهدين قبل النكبة ، هجر من أراضينا المحتلة أيام النكبة وكان صاحب شخصية نشيطة وذكيا وحفظ بعض الكلمات باللغة العبرية ، هرب شقيقه لمنزل أخواله في الرملة ومن ثم انتقل لللد ، واستقر حامد في غزة ، ولحنكته اشترى له عمه رشاش الى في ذلك الوقت من نوع " ستيت " ، ثم عمل ببداية حياته بغزة في الحطب  ، وتزوج عام 1954 ، وسرعان ما انتقل للانضمام للفدائيين بقيادة مصطفى حافظ بغزة قائد مكتب فلسطين في المخابرات المصرية  آنذاك .

شارك في العديد من العمليات النضالية ضد الاحتلال الاسرائيلى ، واستذكرت ابنته فكرية "56 عاما " التي كانت ابنة العامين حينما فقد والدها ، بحسب ما كانت تسمعه من والدتها عن والدها ، قالت " طلب والدي من قائده مصطفى حافظ أن يأذن له بزيارة شقيقه المقيم في اللد ، وافق وأوكله بمهمة تحديد أماكن المواقع الإسرائيلية خلال رحلته والعودة سريعا ، وألقى القبض على والدي أثناء تواجده عند شقيقه وسجن " ستة أشهر " وعرض عليه الاحتلال الاسرائيلى التعامل معهم فوافق ، وعاد لغزة على الفور "

وقالت لدنيا الوطن " عاد والدي لمصطفى حافظ وابلغه بما حدث معه ، فرحب بالفكرة  وأمره بتنفيذ ما طلب منه وهو معرفة عدد أعمدة الكهرباء المتواجدة في شارع عمر المختار ، وبالفعل قام بمعرفة عددها ، وتوجه للضابط المسئول عنه في المخابرات الإسرائيلية ، حاملا معه مهمة أخرى من مصطفى حافظ داخل إسرائيل "

واستمر القيشاوى بمهماته كعميل مزدوج لصالح القوات المصرية في غزة لمدة عامين كاملين ، وقبل العدوان الثلاثي على غزة وسيناء ، طالب حافظ  من القيشاوى استطلاع ومعرفة إذا كانت لدى إسرائيل نية لشن حرب على مصر وغزة ، وتوجه للقيادة الإسرائيلية هناك وسألهم عن نيتهم بشن حرب على غزة ومصر ، فأجابه الضابط الاسرائيلى بأنهم ليس وحدهم في هذه الحرب بل هناك شركاء .

وخلال الجلسة طلب الضابط الاسرائيلى من القيشاوى تصوير كل المواقع المصرية في سيناء ، فاعترض القيشاوى لأنها مهمة كبيرة وتحتاج مبالغ طائلة ، فاستعد الضابط الاسرائيلى بكل طلبات القيشاوى المالية ، وعاد لغزة  حاملا هذا الخبر لمصطفى حافظ .

وتسرد ابنته باقي التفاصيل قائلة لدنيا الوطن " بعدما سمع حافظ هذا الخبر حمل والدي بسيارته منتصف الليل وتوجه به لمقر المخابرات المصرية لمقابلة عبد الحكيم عامر مدير المخابرات المصرية وصلاح نصر وزير الدفاع ، وتحدث أمامهم بما طلب منه ، فأمروه بتصوير مواقع سيناء وتسليمها لليهود على خريطة مفصلة وبتصوير كامل ، رفض والدي طلبهم ،  ولكنه عاد واستجاب بعدما ابلغه عبد الحكيم عامر أن كل المواقع التي سيتم تصويرها سيتم تغييرها خلال 24 ساعة بعد التصوير "

ثم طار لإسرائيل حاملا لهم كنز معلوماتي مزيف ، وقابل الضابط الاسرائيلى وسلمه الملفات والصور والفيديوهات والخرائط ، لم يصدق الضابط ما يشاهده وهذا الكنز الاستخباراتى ، ثم طلب منه البقاء في إسرائيل عدة أيام للاجتماع بقيادة الجيش الاسرائيلى وقيادة الأركان ، وابلغه انه سيقوم بمنحة رتبة جنرال والبسه زى عسكري اسرائيلى مزين برتبة الجنرال خلال الاجتماع مع رؤساء الأركان ، وطلب منه الإجابة بثقة وبقوة على كل الأسئلة التي سيطرحها عليه كل قيادة المنطقة .

جلس داخل قاعة الاجتماعات برفقة كل رؤساء الأركان اليهود ، وبدأت الأسئلة تنهال عليه من كل الجنرالات ، وتقول ابنته " كان والدي محنك وذكيا ويجيب على كل الأسئلة التي طرحت عليه ، وحينما يضعف أمام اى سؤال كان يطلب منهم الاستراحة قليلا ليدخن سيجارته خارج القاعة ، ويفكر بالإجابة خلال تدخينه خارج القاعة ومن ثم يعود بالإجابة ، وتكرر هذا الموقف عدة مرات "

وبعد عودته لغزة وشرح الموقف مفصلا لقيادته ، ثم قامت الحرب والعدوان الثلاثي عام 1956 بقصف واحتلال غزة وسيناء وقصف كل المواقع الوهمية في مصر ،  ليتفأجئوا بان كل المواقع التي قصفوها هي مواقع وهمية وفارغة ، فأيقنت قيادة الاحتلال أن القيشاوى خدعهم وانه يعمل مع القيادة المصرية .

 وانسحبت إسرائيل  من سيناء بعد فترة بسيطة من احتلالها ، حيث طرح احد أقارب القيشاوى عليه أن يرتدى زى ممرض ويرافقه في عمله داخل عيادة الشاطئ، لان الاحتلال الاسرائيلى حتما سيقوم بملاحقته ، وأضافت ابنته " بعد الحرب جاءت دورية إسرائيلية تسال عن والدي ، فأبلغته والدتي انه يعمل في العيادة ، فتوجهت إليه وحققت معه ميدانيا لوقت قصير بجانب مقر العيادة ثم تركته "

وتولى ضابط مصري جديد المنصب بعد اغتيال مصطفى حافظ عام 1956 بطرد ملغوم أرسل له في موقع السرايا وسط غزة  ، وأرسل الاحتلال الاسرائيلى مندوبا له ليرسل برقية للقيشاوى بضرورة توجهه للقيادة الاسرائيلى ، وأضافت ابنته " تردد والدي كثيرا في الذهاب ، ولكن الضابط المصري أقنعه بضرورة التوجه لهم وحمله بعض المهمات العسكرية ليعود بها  ، وكان إحساسه أن هذا سيكون لقائه الأخير ، فجهز شنطته وكلما يصل باب منزلنا يعود ليقبلني وتكرر المشهد عدة مرات ، ومنذ ذلك الحين عام 1958 خرج والدي من بيتنا ولم يعد "

وتبين فيما بعد أن الضابط المصري الذي أقنعه بالذهاب هو عميل ومرتبط مع الموساد الاسرائيلى ، حيث كان يرسل فدائيين لزرع ألغام على الحدود في أماكن معينة ، وفى نفس الوقت يقتلوا قبل وصولهم للمكان ، وكان يتقاضى 100 قرش على كل شاب يرسله للحدود ، وما كشف قصة العميل فدائي أرسله لزرع عبوة شرق البريج فتوجه للمنطقة بطريقة التفافية من منطقة الشجاعية  ، وشاهد كمائن اليهود له شرق البريج بانتظار وصوله فأيقن أن الضابط يعمل مع الموساد الاسرائيلى .

ثم عاد لغزة وتفاجأ الضابط المصري بعودته وحينما سأله كيف عاد بهذه السرعة ، أجابه أن  اليهود يضعون كمائن في المنطقة ، وتوجه على الفور لعبد الحكيم عامر في القاهرة وابلغه بحقيقة هذا الضابط ، وتم تشكيل لجنة تحقيق معه واعدم بعد ذلك .

وأشارت ابنته في حديثها لمراسل دنيا الوطن الى ان والدتها توجهت للحاكم العسكري بغزة تبحث عن زوجها والسؤال عنه ، فطلب منها العودة بعد 14 يوم ، وبعدما عادت له أجابها " انتى صغيرة وحلوة وعمرك 18  روحي تزوجي أحسن لك وانسيه " ، ورفضت الزواج أملا في عودته لغاية وفاتها عام 2004 .

وفى موقف أخر  خلال عمل عم القيشاوى في بيارة صديقه في منطقة المغراقة حيث كان يعرف القصة كاملة ، ابلغه أن قيادة الجيش الاسرائيلى سيجتمعون مساء ذلك اليوم لتناول طعام العشاء في بيارته ، وطلب منه المجئ صدفة خلال تواجدهم ليسال عن ابن أخيه من باب أن العلاقة معه هي من بعيد ، وبالفعل جاء صدفة خلال وجبة العشاء وتناول أطراف الحديث مع قيادة الجيش وسال عن حامد القيشاوى ليطمئن أهله  ، فكانت إجابة الضباط الإسرائيليين " حامد خلص راح  انسوه "

وأكدت انه بعد سؤال بعض الأسرى المحررين من السجون الإسرائيلية عن والدها ، إذا كان متواجدا داخل السجن ، ابلغهم البعض أنهم شاهدوا اسمه محفورا على جدران السجن والبعض اخبرهم برؤيته داخل السجن ، وقد يكون قتل خلال عملية هروب الأسرى  قبل عشرات السنوات ، التي قتل فيها 35 أسيرا  وهرب 35 آخرون .

وزار أسرة حامد القيشاوى في بيته الشيخ عبد الباسط عبد الصمد وأهداهم القران الكريم ، وزارهم أيضا مصطفى حافظ وقدم أساور ذهبية لزوجة حامد القيشاوى احتفالا بزواجه انذأك.

وتصادف فقدان القيشاوى سنة 1958 ، فقدان شقيقه أيضا المقيم في منطقة اللد في نفس السنة ، مرجحين اعتقاله على يد الاحتلال الاسرائيلى

وتقاضت أسرته راتب زوجها المالية والمعنوية من الحكومة المصرية منذ لحظة فقدانه لغاية حرب 1967 ، ومن ثم انقطعت عنهم هذه المنحة حتى ألان ، ولم تشفى إجابات السفارة المصرية بغزة غليل أسرته .

وكان يكتب مذكراته اليومية دائما ، إلا أن زوجته أحرقت هذه المذكرات بعد احتلال إسرائيل لقطاع غزة ، وكانت تسرد قصص زوجها لبناته الاثنتين طوال الليل ، وانه ذهب ليقوم بمهمة اصعب من مهمة " رأفت الهجان "

وأشارت ابنته الى أن بعض التوقعات تشير الى انه قتل ودفن في مقبرة الأرقام في إسرائيل ، وقد يكون تم دفنه داخل السجون السرية التي يتم دفن  الشهداء بها .

ويطوى التاريخ بذلك قصة مناضل لخص حياته النضالية بسنوات شبابه ،وحياته الزوجية بأربع سنوات أنجب خلالها طفلتين تحملان ذكرى والدهما حتى ألان أملا باحتضانه حتى لو كان شهيدا ، لينهى تاريخه النضالي مرفوع الرأس .

وفى ختام لقائنا ناشدت أسرة القيشاوى الحكومة المصرية والفلسطينية  أن تضع قضية المفقودين على رأس أولوياتها والكشف عن مصير والدهم ، وصرف المستحقات المالية لهم كاسرة شهيداو اسير ، ومنحها فرصة الحج لها ولزوجها كونها والدة شهيد ، حيث استشهد ابنها عام 1993 ، ولم تتمكن من  أداء فريضة الحج حتى ألان .

























التعليقات