مفاوضات ماجد فرج وشتائم الطيراوي

مفاوضات ماجد فرج وشتائم الطيراوي
بقلم: عبدالله عيسى

في أول زيارة للزعيم الراحل أبو عمار إلى فيتنام عام 1970 استقبله الجنرال جياب الذي هزم الاحتلالين الفرنسي والأمريكي لفيتنام وصافحه أبو عمار قائلا :" أنا سعيد بلقاء الجنرال جياب قائد أقوى ثورة شعبية في العالم ".

فرد الجنرال جياب على أبو عمار:" وانت قائد أصعب ثورة في العالم .. إنكم تحاربون في منطقة غنية بالنفط وسيحاصركم الأعداء في جزيرة معزولة في النهاية ".!!.

نبوءة الجنرال جياب تحققت وكانه كان يقرأ في كتاب مفتوح .. فقد حوصرت الضفة وغزة وما زالتا تحت الحصار وحوصرت المقاطعة برام الله حتى قضى أبو عمار شهيدا .

المفاوضات تجري تحت الحصار أيضا أي أن السلطة تفاوض ومسدس مصوب لراسها ولا استثناء لاحد من يفاوض ومن لا يفاوض ومن يقاوم .. الجميع الآن هدف مشروع لإسرائيل .. ماجد فرج اتهمته إسرائيل بقلب الطاولة أثناء المفاوضات وانه من افسد الاتفاق الذي تزعم إسرائيل بانه كان يمكن الموافقة عليه .

بالمقابل مارست إسرائيل لعبة الابتزاز والضغط المفضلة لديها بسحب بطاقات الشخصيات الهامة فرد عليها توفيق الطيراوي ردا شديدا - وهو بالمناسبة لا يشارك بالمفاوضات ويرى أن مكانه مع القاعدة الجماهيرية - بان بطاقاتكم هي عار وسنرميها في القمامة وطالب بعصيان مدني .طبعا الطيراوي لم يشتم بمعنى الشتيمة ولكنه رد بلسان الجماهير الفلسطينية التي ترى عربدة إسرائيلية بلا حدود .

من يفاوض مثل ماجد فرج خرج متهما من قبل الإسرائيليين ومن لا يفاوض مثل توفيق الطيراوي أيضا اتهم بالتحريض ضد إسرائيل .

إسرائيل وبعناد يرتكز على موقف أمريكي ضعيف تريد حلا وحيدا رسمه نتنياهو بمخيلته وهو يرى أن كل الموقف الأمريكي يتحايل على الفلسطينيين من أيام كامب ديفيد في عهد كلنتون إلى الآن على طريقة:" مبادرات خلاقة وسيادة على المسجد الأقصى للفلسطينيين فوق الأرض وسيادة للإسرائيليين تحت الأرض .. والمقصود الهيكل اليهودي تحت الأرض طبعا .. وجلسات عصف ذهني وما إلى ذلك من الخرافات المهم أن لا يصل الأمر إلى ممارسة أمريكا ضغط حقيقي على إسرائيل كما فعلتها مرة واحدة في عهد بوش وجرت إسرائيل إلى مؤتمر مدريد للسلام ".

أبو مازن المتهم الأول إسرائيليا بعرقلة المفاوضات لأنه بدوره لا يوافق على الخرافات والحلول الخيالية التي تنقص من الحقوق الفلسطينية وصائب عريقات متهم أيضا والقائمة طويلة .

فعلا هي أصعب ثورة وأصعب مفاوضات تحت الحصار والإذلال وعندما قال الطيراوي أنها بطاقات عار هي حقيقة كذلك .. ذات مرة أوقف حاجز إسرائيلي سيارة وكيل وزارة خارج رام الله وجاء الجندي ولكم وكيل الوزارة وطرحه أرضا على المقعد الخلفي للسيارة وتحت تهديد السلاح طلب منه أن يرفع رجليه بشكل مهين جدا وهو ممدد على المقعد الخلفي للسيارة بحجة التفتيش .

غادر وكيل الوزارة المكان بعد التفتيش المهين والمتعمد وهو يتجرع إهانة ما بعدها إهانة .

الجندي ليس عضوا في ميليشيا بل هو من جيش نظامي لا يتصرف هكذا إلا بناء على تعليمات والجيش الإسرائيلي معروف بانه من اكثر الجيوش انضباطا ولا يخرج عن التعليمات العليا .. أما لماذا فعلوا ذلك مع وكيل الوزارة لا اعرف ولكن بسبب  تصرف منه تجاه إسرائيل لم يرق لهم هذا واضح.

مفاوضات الربع ساعة الأخيرة هي الأصعب والتطورات تتلاحق وحتى إطلاق سراح دفعة من الأسرى لن تحل المشكلة وتمديد المفاوضات هو تمديد للازمة لا اكثر وأوراق الضغط الفلسطينية ضعيفة باعتبار رد الفعل الاسرائيلي المقابل والعنيد والشديد والذي يمس حياة الناس في الضفة والسلطة بشكل عام .

في حكومة نتنياهو الأولى كان أبو عمار يتصل مع نتنياهو لأمر سياسي فلم يعجبه رد نتنياهو فخرج غاضبا جدا  من مكتبه برام الله وطلب من مرافقيه والطيار أن يعد الطائرة للسفر إلى عمان .. فقال الطيار" ولكن لم نأخذ تصريحا إسرائيليا للإقلاع ".

صرخ أبو عمار بوجه الطيار بغضب قائلا:" اخذ تصريح ممن ؟ من نتنياهو ؟ أنا هنا في فلسطين هو يأخذ تصريح مني.. جهز الطائرة ".

ويروي الطيار تلك القصة فيقول :" ايقنا أن الطائرات الحربية الإسرائيلية ستسقط طائرة أبو عمار لا محالة لان تحرك طائرة بدون تصريح في المجال الجوي ستسقطها الطائرات الإسرائيلية .. جهزنا الطائرة وصعد أبو عمار والمرافقين وكلهم يقرأون الشهادتين من موت محقق .. غادرنا ولم تحرك إسرائيل ساكنا حتى دخلنا المجال الجوي الأردني فشعرنا بالأمان ونحن نهنئ انفسنا بالسلامة بعيدا عن أعين أبو عمار".

اجل هذا اكثر ما كان يستطيع فعله أبو عمار أو السلطة ولكن أن تبقى السلطة تفاوض في جزيرة معزولة تحت الحصار والعرب يتفرجون على المشهد الحزين المؤلم والفضائيات عندما تتكرم وتتناول المفاوضات ندخل في سوق المزايدات على السلطة أن تفعل وان تفعل .. المطلوب من السلطة أمر واحد تعزيز الوحدة الوطنية  والقيام بأي إصلاحات ممكنة للوضع الداخلي وان يتحرك الطيراوي وأعضاء مركزية فتح من الذين ينتمون إلى الزمن الجميل بحشد الجماهير الشعبية -لان قدرتهم على حشد الجماهير اكثر من غيرهم - حتى يستطيع ماجد فرج وصائب عريقات والوفد المفاوض قلب الطاولة لأننا نريدها في كل مرة حتى ترضخ إسرائيل في النهاية للحقوق الفلسطينية المشروعة والمطلوب عربيا مساندة غير عادية ولا يعقل أن العالم العربي شعوبا وحكومات الذي تغنى ودعم فلسطين منذ اكثر من ستين عاما ان يتراخى الآن في الربع ساعة الأخير ونحن على أبواب الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.


التعليقات